رياض الترك: « لا مهادنة مع بشار وعليه أن يرحل »

Article  •  Publié sur Souria Houria le 2 août 2011

تعليق: رفض نشره كاملا موقع فرانس 24

كتبت: هداية..

رياض الترك وحيثيات الفكر السوري المعارض:

* أي وضع اجتماع إنساني بالمطلق يحتاج إلى بحث أكان يعتريه خللا لإصلاحه، أو لوضع آليات لتطويره، والوضع السوري لا يشذ عن ذلك، أما أن يتم تخيل حلولا ما تقارب الغيبية، بغرض قسرها على واقع مخالف للمتخيل فهو ضرب من الجنون، عدا عن كون هذا الفكر يخرج في البداهة عن العلمانوية التي طالما تغنى بها (الايديولوجيون الديالكتيكيون) الماركسيون العلمانيون (جماعة رياض)، هذه العلمانوية التي تفترض من أي جماعة عقلانية البحث الموضوعي المتكامل المحايد بأي واقعة أو واقع لإيجاد الحلول المنطقية والعقلانية له، وإلا انزلقت هذه إلى الاجتزاء والتلفيق والإستنساب والتلاعب بالمقدمات للخروج بالنتائج؟، وإلى التواؤم مع منهج الأصولية واعتماد نفس آلياتها؟،

*  فالاجتماع السكاني السوري تتأصل بين سكانه بفعل تاريخي متوارث الحياة المدينية: الناتجة عن جهد العمل وتبادل سلع هذا الناتج بين سكان هذا التواجد المستقر، أكانت بدائية بسيطة، أو متطورة معقدة، وما يتبع لهذا من أعراف وتقاليد وتعزيز للشرائع والتشريع والاجتهاد وتشكيل منظومتها السياسية، لترسيخ العدل وتوفير مناخات الأمن والأمان لهذا الاجتماع،

*  لكن قد طرأ في السنوات الخمسين الأخيرة تغيرا نوعيا على تركيبة هذا الاجتماع، تمثل قي استقدام أعدادا بشرية من أرياف الجوار، إلى المدن وتوضعهم في أطرافها، ومن تبدل الأحوال الاجتماعية للبعض الآخر بفعل سوء تطبيق ما صدر من القرارات والقوانين والمراسيم ذات التوجه الاقتصادي الاجتماعي، ومنها مثلا قوانين الإصلاح الزراعي، يضاف إليها ما طرأ على بنية الدولة الوظيفية من تضخم مرضي لاستيعاب الأعداد الكبيرة من أبناء هؤلاء من المتعلمين والمتخرجين من أصحاب الاختصاصات المختلفة الذين لا عمل لهم،

على الرغم من تبدل الأوضاع إلى ما هو أفضل كما هو مفترض التي كفلتها التوجهات الاجتماعية للدولة، فهي لم تستطع أن تساهم في إنتاج حياة مدينية لهؤلاء، كما لم يستطيعوا الدخول في مدينية جسم المستقرات المدنية، إذ لم تجعلهم يتشاركون في تجاورهم السكاني في إثمار أي إنتاج فعلي، بل على العكس من ذلك، فإنها قد ساهمت هذه التوجهات في تفشي مبدأ العطالة والاعتماد على الغير، وإلى شيوع القيم الثروتية والمناصبية عوضا عن القيم الاجتماعية الأخلاقية التقليدية الضابطة، وما يتبعها من سيادة سلوكيات الشطارة والتربح بغير جهد والتحايل والسرقة والتهريب والبلطجة أو التشبيح، والخروج عن كل ما يضبطه القانون..

* وهذا النوع من الاجتماع وظروفه لا بد أن ينعكس على الفكر، إذ أن ضروراته تقتضي عدم الالتزام بما يفرضه الصالح العام، لأن المتخيل يجزم بغير ذلك، وبمعنى ما أن هذا الانتظام الاجتماعي الذي هو الدولة مرفوض، وأن ما هو متخيل بالفكر بغض النظر عن أسبابه ومصدره والمحرض عليه، هو الحقيقة المطلقة وبموجب هذه الحقيقة: لهذا الفكر الحرية المطلقة بأن يفعل ما يشاء، وبترجمة أخرى تكفير المقابل الآخر، والفعل فيه ما يحكم التكفير؟، ولتكفيره لا بد من شيطنته ليتسوغ لمنطقهم، منطق منهج الإستئصال والإلغاء، إحلال المتخيل (الحرية) وصاحب المتخيل مكانه، فلذا لا بد أن يوصف هذا الآخر بالمجرم القاتل والناهب والديكتاتوري بحسب رأي رياض وجماعته، بحيث تنقلب المفاهيم والمقاييس فيصبح من يقضي بالقصاص لمن خرج على القانون بالجلاد المجرم، وفاعل الجرم بالضحية؟

* ما يجيش في فكر مَن يدعون المعارضة في سورية نزعات ثأرية حقدية لا علاج لها، فهي تتعلق من ناحية في بنية عقل وحداني غيبي مشوش لما يدعى المعارض السوري، ومن ناحية أخرى في الاستثارة الحقدية لهذا العقل التي توفرها طبيعة الظروف المقابلة، وقد توفر للسيد رياض هذه وبعض المناصرين لشخصه وتوجهاته من نفس العقلية، ورطهم أو تورطوا في منهج ومسار لا علاقة له بالميدان السياسي.

وهذه العقلية غريبة نوعا عن الفكر المديني المرن المبني على الإنتاج والاجتماع السكاني، حيث تضعف النزعات الحقدية والثأرية، أمام المصلحة الخاصة والعامة وحاجة المرء إلى الآخر وإلى إنتاجية الآخر كي تتكامل حياته لا  إلى إلغائه، لأن في إلغائه إلغاء للاجتماع السكاني ذاته الذي اختاره، كما أن هذه العقلية هي في المقابل المضاد النوعي للموضوعية العلمية المبنية على استحصال المحصلة الناظمة أو المتوافقة من تقاطع الواقع المعاش، لا أن نغير الواقع ليصير كما هو متخيل ومحمول في الفكر حتى إن كان هذا المتخيل يستحيل تطبيقه؟

وعقل رياض الترك وجماعته هي من هذا النوع الإلغائي وإن تمظهر بشكل متمدن، فهو قد تربى بجمعية لدار الأيتام الإسلامية في حمص وتخرج من الثانوية الشرعية فيها، ثم عمل في معامل النسيج وانتسب إلى الحزب الشيوعي السوري وتخرج من كلية الحقوق، ثم انشق عن الحزب وطرح نفسه بديلا في أواخر السبعينات ضمن مجموعته المسماة بمجموعة رياض الترك، وفي عام 1982 اعتقل هو وجماعته من قبل السلطات السورية.

منذ بداية ثورة آذار عام 1963 توافق الحزب الشيوعي السوري مع البعث خلاصا من الناصرية والحركات القومية، وعقب الحركة التصحيحية عام 1970 أعاد الحزب الشيوعي لحمته مع حزب البعث بعد أن تأكد من انزياح الناصرية والحركات القومية عن المشهد السوري الذي رافق بداية الحركة، في الوقت الذي كان قد أعد رياض الترك وجماعته برنامجهم لإعادة صياغة فكر الحزب للتواؤم مع الفكر القومي للدخول مجددا في توافق مع حزب البعث بديلا عن الحزب الشيوعي، إلا أن التوازنات الدولية عملت على إبعاد رياض الترك وجماعته عن الساح السياسي، لمدة عشرين عاما وليدخل الحزب الشيوعي بفرعيه بكداش – والفيصل دون الترك في الجبهة الوطنية والتقدمية إلى جانب أحزاب أخرى مع حزب البعث.

ويرتكز عقل الترك السياسي على منهجه الفكري الإلغائي، إلغاء المواطن والوطن، من أجل البديل المتخيل، فهو يمتلك الحقيقة وقوتها وملتصق بها، المطلق البديل هو دول الخارج أو إسرائيل مثلا، إذن ليس ما ينطقه بمتخيل حسب زعمه، ويذهب في منطقه هذا إلى أن هذه الدول العربية القطرية مصنعة، وأن الصياغات الداخلية للحكومات تأتي من توجهات خارجية، ولا شأن للحكومات المحلية بها، وهو وحزبه إذن البديل؟، وهذا صحيح كما عملت الأحزاب السياسية السورية بما فيها الحزب الشيوعي طيلة فترة ما قبل الاستقلال وبعده ضمن دوائر الأحلاف السياسية هذه التي كانت منتشرة في مناطق الجوار ضد أو مع هذه الأحلاف، لكن هذا لا ينطبق مع المتغيرات السياسية والدولية التي طرأت في سنوات السبعينات وصارت معها مناطق النزاع الإقليمية مستقرة في توازنات متفق عليها لهذا الطرف الدولي أو ذاك: بالوقت الذي كان عقل الترك وجماعته يعمل في نفس النمطية السياسية السابقة دون جدوى؟. ولا يخفى ما لهذا الفكر من نتائج تفضي إلى رخاوة ارتباطه وجماعته بالوطن. وكانت من حجج السلطة في اعتقاله هي: ارتباطاته الخارجية وجماعته على حساب الداخل لا إلى ما يحمل من أفكار.

فأفراد مجموعة رياض الترك هي مثله من هذه النوعية المتعلمة الجديدة، التي خرجت من مجتمعات المعاناة، وقد عانت التهميش الاجتماعي ولم تستطع رغم استحصالها العلمي والمالي وفهلويتها أن تثبت تواجدها في مجتمعات العائلات المدينية الإرثية، وإلى أن تتجاوز مكانة شخصياتها الوضيعة ومكانة مجتمعاتها السابقة، وهي من كانت تطمح إلى السيادة والريادة والمكانة دون أساسيات؟. أي مدينية . فهل إعلان الديمقراطية، يصيرنا في عالم الديمقراطيات؟، وأن ندعي بأننا حزب الشعب ليصبح الشعب ملكنا؟، فهذا يعد تطاول على الشعب ذاته وتناقض يسقط ما يدعونه، فمن قال أنهم يمثلون الشعب ليتحدثوا باسمه وليرفضوا أو يقبلوا ما يشاؤون؟، وهل اتخذوا صك تفويض ومن مَن، أمن الحالة الثورية، وهم يعلمون أن لا ثورة دون ظروف موضوعية ولحظة تاريخية، وأن البعض ممن يعيثون فسادا هم من سرقوا ومن كذبوا ومن احتالوا، ومن توظفوا في دولة ما يدعون أنها دولة الكفر، والدولة المباحة؟، هؤلاء هم في حالة تمرد يطاله القانون، وهم أنفسهم كأصحاب فكر كما يدعون لم يقبلوا يوما أن ينضوو في الاستقرار المديني وتعايشه وتبعا الالتزام فيه، فأحيانا يستصرخون العالم من أجل الأطفال وأخرى من أجل النساء، وأحيانا يا غيرة الدين؟ إن ما يلفهم نوع من التهويمات التخريفية، إن لم تكن طغيانات مقنعة، وأفكار تهديمية همها وهدفها السلطة القهرية والسلطان لا غير.. وبعد هل ينكرون أن ما كان يجعلهم سابقا يتكلمون ويصرخون والآن أيضا في دولة البعث، هو اعتبار السيد رياض وجماعته ممن لا يحسبون في مقدار،  ومن المسكوت عنهم؟

ومع أن هذا الاتجاه في التفكير قد يخرج عن اللياقة إلا أن هذا ما قد حصل وما هو حاصل، فهؤلاء لا يختلفون في شيء عن المجتمعات الهامشية التي توضعت على أطراف المدن واستطالت في بعض الجيوب إلى داخلها لمن أثرى من أفرادها، وتماهوا في خطوة استباقية متقدمة على من يجاورهم مع تنطقهم بعناوين ما هو رائج من الأفكار والتقليعات الشكلية والمظهرية الغربية، ومنها الديمقراطية والحرية وانفلات المجتمعات، فهذه المجتمعات الهامشية الهحينة البعيدة عن المدينية، تولد هذا النوع من العقليات التي تنغلق على ذاتها فلا ترى أحدا سواها والآخر لبس سوى مرآة لها، فإن اختلفت معه فمصيره الإنهاء، وهي عقليات تعيش على عدوى الآخر ليصير مثلها، وتكمن خطورتها في مرضية رغبتها وفجورها لتطبيق فكرها الأحادي الحرفي المتخيل أكان ملائما للواقع أو لم يكن؟.. فليس العيش بالمدينة يجعل الإنسان مدينيا بل بالعمل المنتج والتعايش المستقر مع الآخر ومسؤوليته اتجاهه، وهذا مما يفتقدون إليه؟

ولا غريب أن يلتقي هذا مع الفكر الأصولي الذي ينحو إلى تغيير الواقع بما يتوافق ويتواصف مع مدينة الله المتخيلة، ولكل منهم مدينته، ومن منطلق فضلهم وتفضلهم يحسبون أنهم قيمون على الشعب والخلق، لأنهم يعملون في سبيل الله ونصرة دينه، وواجبهم المفروض أن يسوقوا الكل بقياس الأيمان وعصاه، فإن توافق مع إيمان الجماعة المكتوب: كانت له الحياة ومن لم يتوافق فله النار؟

المصدر: http://almufaker.blogspot.com/