سلامة كيلة: اليسار وسوريا تراجيديا تسكن العالم

Article  •  Publié sur Souria Houria le 8 mai 2016

في الواقع، تمت كتابة هذا التقرير عن تلك التراجيديا، قبل أن تبدأ أحداث حلب بيومين

تراجيديا صارت تسكن العالم، هكذا يقول حين يبدأ الحديث عن الوضع السوري، بعد مرور 5 أعوام على انفجار الثورة السورية، على يد أطفال درعا في 2011

سلامة كيلة هو المفكر الفلسطيني الذي ولد في بلدة بيرزيت الفلسطينية، عام 1955؛ الناشط السياسي في اليسار العربي والمقاومة الفلسطينية، الذي أصدر ما يقارب 30 كتابًا في السياسة والاقتصاد والنظرية الماركسية، والحاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد عام 1979، وهو الرجل الذي قضى 8 سنوات في سجون بشار الأسد، وذاق في فترات التحقيق معه أقسى ألوان العذاب، وهو الذي كابد الثورة السورية عن قرب منذ يومها الأول

في مقال منشور له على صحيفة الجارديان، بتاريخ 6 سبتمبر (أيلول) 2016، وترجمه المفكر الماركسي السوري ثائر ديب، لصحيفة السفير العربي 19 سبتمبر (أيلول)، قال الفيلسوف السلوفيني الماركسي الراديكالي سلافوي جيجك

«الصراع الدائر في سوريا، هو في نهاية المطاف صراع زائف. والشيء الوحيد الذي ينبغي أن نبقيه في أذهاننا هو أنّ هذا الصراع الزائف يزدهر بسبب الثالث الغائب، أي بسبب غياب معارضة تحررية راديكالية قوية كالتي تبيّناها بصورة واضحة في مصر. وكما كنا نقول منذ نصف قرن تقريبًا، لا حاجة بالمرء لأن يكون عالم أرصاد جوية كي يعرف إلى أين تأخذ الرياح التي تهبّ في سوريا هذا البلد: إلى أفغانستان والأفغنة. حتى لو ربح الأسد بطريقة أو بأخرى وأعاد الوضع إلى الاستقرار، ربما يولّد فوزه انفجارًا مماثلًا لثورة طالبان التي سوف تجتاح سوريا في بضع سنوات. لا يمكن أن ينقذنا من هذا الاحتمال سوى إضفاء الطابع الراديكالي على الصراع من أجل الحرية والديمقراطية وتحويله إلى صراع من أجل العدالة الاجتماعية والاقتصادية».

في الواقع أثارت كلمات جيجك غضب المؤيدين للثورة السورية، بالأخص جملة «لا حاجة بالمرء لأن يكون عالم أرصاد جوية، كي يعرف إلى أين تأخذ الرياح التي تهبّ في سوريا، هذا البلد: إلى أفغانستان والأفغنة»

حيث تم وضع جيجك فيما سمي بالقائمة السوداء، لليسار الغربي المعادي للثورة السورية

مع العلم أن عديد الكتاب الذين كالوا الهجوم على جيجك، قد تبنوا آراء مشابهة جدًا له بعد تتابع الأحداث، في أعقاب سطوع نجم داعش والنصرة، وتصاعد صوت الهتافات والشعارات الطائفية

لمعرفة أكثر بالطبيعة العميقة للثورة السورية وتطور أحداثها والالتباس في فهمها، يمكنك قراءة التقرير التالي: قصة الحب والحرب والخذلان.. كيف تحول حلم الثورة السورية إلى كابوس، من هنا

تراجيديا الواقع واليسار

بغض النظر عن سلافوي، الذي تم احتسابه ضمن قائمة اليسار المعادي للثورة السورية، فإن تلك الثورة، منذ أن تحولت إلى حرب، وساحة لتحقيق مصالح القوى الإقليمية؛ خسرت الكثير من مؤيديها اليساريين حول العالم، بالأخص هؤلاء الذين لم يسعدهم الحظ أن يقتربوا من طبيعتها العميقة أو أن يكابدوها عن قرب، واكتفوا بالتحليل الذي تقدمه لهم وسائل الإعلام المختلفة، وبالمخاوف التي تروج إزاء مشاهدها، دون أن يفحصوا هم جذور تلك المشاهد ومآلاتها عن قرب

في الواقع، ولأنه كابدها عن قرب، لم يكن كيلة واحدًا من هؤلاء اليساريين الذي فقدوا الإيمان، رغم كل الكوابيس التي تخيم على المشهد، ورغم كل التراجيديا

حين يتحدث سلامة كيلة عن التراجيديا، يعقد مقارنة بين ما يجري في الواقع السوري، وبين مواقف «اليسار»، وهو ما يرى من خلاله أن تراجيديا باتت تسكن العالم، حيث نجد أن «اليسار العالمي»، من الشيوعيين والماويين وبعض التروتسكيين، يقفون سدًا منيعًا في الدفاع عن نظام الأسد، الذي يستبطنون في الحديث عنه أنه نظام الممانعة والمقاومة ضد الإمبريالية

يرى كيلة في ذلك تراجيديا مركبة المستويات؛ حيث اليسار الذي يدافع عن التحرر وعن الإنسان، الذي هو بتعبير ماركس «أثمن رأس مال»، يقف داعمًا لسلطة الأسد التي تمارس كل ما يراه كيلة وحشيًا، حيث يتخيل هذا اليسار بحسب كيلة، أنه بذلك يحارب الإمبريالية

بالنسبة لكيلة، فإن اليسار العالمي قد جعل من شعار «معاداة الإمبريالية» غطاءً سميكًا يحول دون رؤية حال سلطةٍ تمارس مختلف أنواع القتل والتدمير ضد الشعب السوري، الذي تحاول أن تستمر في حكمه، وليس ضد قوى الإمبريالية أو قوى الاحتلال

يرى كيلة ببساطة، أن تناول شأن الثورة في سوريا في أعوامها الخمسة، يكشف عن تراجيديا فظيعة، أبطالها هم نجوم «اليسار العالمي». يسار يدافع عن انتهاك الإنسان، ويدافع عن سلطة دكتاتورية تعيد إنتاج التخلف لشعبها، تحت شعار مقاومة الإمبريالية

ويتساءل كيلة حول تلك التراجيديا قائلًا: «كيف يمكن ليسار أن يدعم سلطة تدمر أحياء بكاملها من مدن هي «مدنها»؟ وتبيد مئات الآلاف بكل بساطة، وتعتقل مئات الآلاف لتقتل جزءًا منهم، وتفتح أفق نهب المدن والمناطق؟»

في مارس 2016 المنصرم، كان سلامة قد أصدر للتو كتابًا يشرح فيه تراجيديا الثورة السورية برمتها هذه المرة، أعطاه اسم «التراجيديا السورية- الثورة وأعداؤها»

حاول المفكر الماركسي، الذي يرى أنه لم ينخدع بما انخدع به اليسار العالمي، ويرى أنه لم يفقد إيمانه بعد بتلك الثورة؛ أن يقدم طرحًا علميًا يجيب فيه عن سؤال: هل نفهم الثورة السورية بذاتها، أو نفهمها عبر انعكاسها الخارجي ومواقف القوى الخارجية منها؟ هل نفهمها باعتبارها نتاج تكوين اقتصادي طبقي داخلي، أو انعكاسًا لسياسات الآخرين، وللأوضاع الدولية؟

الاقتراب من صاحب التراجيديا

اقتربنا أكثر من صاحب التراجيديا السورية، وطرحنا عليه أسئلة تحاول أن تكشف اللثام عن رؤية هذا الرجل الماركسي، الذي لم يفقد إيمانه بعد بثورة ضد النظام لم يعد يتعاطف معها الكثير من أبناء اليسار، تجاه تلك الثورة التي يزداد إيمانًا بها كلما كفر الآخرون:

س: قد يفسر علماء الاجتماع قدرة التيارات الأصولية التي تستند على رؤى طائفية، وترفض القيم التي نادى بها الشباب في سوريا «الديمقراطية والعدالة الاجتماعية»، على أن تفرض نفسها بقوة في مشاهد تلك الثورة، بأن ذلك نابعٌ من خلو القوى الاجتماعية الحاملة لتلك الثورة من حضور قوي للطبقات الوسطى التي توصف بأنها الطبقات القادرة على حمل قيم الحداثة؟

الطبقات التي دفعت باتجاه الحراك في سوريا، بعد ما حدث في مصر وتونس، هي فئات وسطى حداثية، أقرب إلى الليبرالية وإلى اليسار، لكن واقع الثورة قد تطور بعد ذلك، وانتقل من بيئته الحاضنة الأولى (النخب الشبابية من الفئات الوسطى)، وصار من يتحرك بشكل فعلي بعد ذلك هم الفئات الشعبية المفقرة، حيث كانت تلك الفئات هي التي تقف في الصفوف الأولى من المظاهرات أمام الرصاص الحي

إذا كانت الطبقات التي دفعت باتجاه الحراك في سوريا، بعد ما حدث في مصر وتونس، هي فئات وسطى حداثية، أقرب إلى الليبرالية وإلى اليسار، فكيف اتخذت الأمور بعد ذلك هذا الشكل الناضح بالطائفية؟

هناك عنصران أساسان عملا على تسهيل أسلمة الثورة السورية. كلّ من النظام ودول الخليج والإعلام الغربي، قد اجتهدوا في إظهار الثورة السورية على أنها ثورة إسلامية، رغم شعارات الشباب السوري الواضحة التي كانت معاكسة تمامًا لتلك الصورة

العنصر الأول: أنه حين تحول الصراع إلى العمل المسلح، صار الشباب في مواجهة الخوف من الموت يميلون أكثر إلى التمسك الأصولي بالدين، لكن ليس هذا هو الأمر الحاسم، فالكثير ممن يقاتلون في صفوف الثورة، هم متدينون لكن ليسوا أصوليين ولا وهابيين، لكن العنصر الحاسم في عملية الأسلمة هو العنصر الثاني: وهو أن النظام ركز على نخب الفئات الوسطى أثناء حملاته القمعية، فحين كان يعتقل عضو تنسيقية من تنسيقيات الثورة، ويعتقل شخصًا آخر مسلحًا، كان يعذب الأول وربما يقتله من التعذيب، بينما لا يعذب الثاني ويفرج عنه، حيث قام النظام بتصفية الطبقة الأولى والثانية والثالثة والرابعة من التنسيقيات؛ تلك التنسيقيات التي تمثلت فيها النخب الشبابية المنتمية للطبقات الوسطى، والجزء الكبير منهم كان علمانيًّا

هل تحولت الثورة السورية إلى حرب بالوكالة؟

في جزء منها هذا حقيقي، هناك طرفان متصارعان، الطرف الأول هما إيران وروسيا، الداعمان للنظام، رغم التناقض بينهما، حيث إن روسيا تعتبر أن سوريا هي مرتكز لها، لن تشارك أحدًا فيها

وهناك طرف آخر هو تركيا، التي كانت لها علاقة وثيقة ببشار الأسد، وأخذت مصالح اقتصادية كبيرة في سوريا هي وقطر، أثناء التحالف مع الأسد قبل الثورة، بالتالي حاول هذا الطرف (تركيا وقطر)، أن يقنعوا النظام بإجراء إصلاحات تحميه من السقوط، وحين رفض النظام هذه الإصلاحات دفعوا باتجاه تدخل خارجي، ثم اكتشفوا أن الولايات المتحدة تقف في طريقهم، وأنها لا تخطط لمحاربة المصالح الروسية في سوريا بجدية وسرعة، فصار هذا الطرف يعتمد على التيارات الأصولية. وهنا يجب ألا ننسى السعودية، التي دعمت في الواقع النظام مع بداية الثورة؛ دعمته بالأموال التي وضعتها في البنك المركزي السوري، ودعمته حين قامت بأسلمة الثورة، لكنه بعد ترهله وسقوطه تمامًا في يد طهران، صارت شرسة في التعامل معه

لكن في النهاية كثير من تلك الأسماء هي قوى ضعيفة، لأن القرارات الحاسمة ستكون دائمًا بين الولايات المتحدة وروسيا.

انظر إلى القراء!

يرى كيلة أن كل ما حدث إزاء الربيع العربي من مؤامرات وعرقلة، كان متوقعًا جدًا، لذلك هو لم يصب باليأس أبدًا، على العكس فرغم أنه ليس من عداد الشباب، لكنه ينظر لتلك الصيرورة الثورية بالكثير من التفاؤل، ورغم كل اليأس من أن آمال تلك الثورة لم تحقق، لكنه يلقي النظر كلما تضخم الكابوس على ظاهرة يراها حاسمة، وتجبر الناظر على التفاؤل؛ إنها ظاهرة الانكباب على الثقافة بين أبناء هذا الجيل الربيعي في العالم العربي. رغم كل الإحباط، فإن هذا وحده في نظر سلامة نتيجة عظمى قد حققتها الثورات التي توصف بالفشل

يرى كيلة بوضوح أن تلك ليست ثورة سنقضي أيامها في الميدان، ثم ننتصر ونحتفل، وإنما هي صيرورة، وإذا جاز التعبير فإن الثورة بالنسبة للماركسي المتفائل هي حياة كاملة تتفتح وستستمر، وليست أيامًا تنتهي، لتبدأ أيام جديدة