سلامة كيلة: ليس هناك بعد طائفي للثورة في سورية!

Article  •  Publié sur Souria Houria le 19 juin 2012
سلامة كيلة: ليس هناك بعد طائفي للثورة في سورية!
الاستبداد والتهميش السياسي ينمي الحاجة للحرية والديمقراطية

اجرى الحوار سارة القضاة: لم تهتز بوصلة المفكر والناشط السياسي الفلسطيني سلامة كيلة في حتمية انتصار الثورة السورية ، على الرغم من أن جسده اهتز تحت وقع التعذيب بعد أن اعتقله النظام السوري مؤخرا بتهمة أنه مسؤول عن نشرة يسارية صدر منها ثلاثة أعداد وضعت في عددها الثاني شعار ‘من أجل تحرير فلسطين.. نريد إسقاط النظام’.

بعد أن أُبعد كيلة، صاحب الفكر اليساري الماركسي، عن بيته في دمشق الذي سكن فيه واحدا وثلاثين عاماً، إلى العاصمة الأردنية عمان، وصل يحمل اثار التعذيب على جسده، واملا بانتصار الثورة يحمله بقلبه وفكره، وهناك التقينا به وأجرينا معه حوارا تناول فيه الجانب السياسي والأيديولوجي للثورة السورية :
*كيف يمكن أن نفهم التكوين الاجتماعي والاقتصادي للنظام في سوريا، وما هو التكوين الاجتماعي للثورة في سورية ؟
*باعتقادي يمكن ملاحظة التحولات التي جرت في سورية خلال عشرين سنة سابقة للثورة التي حدثت، حيث بدأت أزمة النظم التي سُميت نظم قومية، والتي قامت على دور كبير من القطاع العام، كان يخدم قطاع واسع من المجتمع.
نتجت هذه الأزمة عن ميل الفئات التي حكمت إلى نهب ما يتراكم بيد الدولة عبر القطاع العام وبالتالي اصبح هناك مشكلة حقيقية في الاقتصاد، تتمثل في أن الشركات والمصانع التي تقع في اطار ملكية الدولة بدأت تتضعضع نتيجة نهب مستمر من قبل أشخاص كانوا يعينون كمدراء لها، لا يمتلكون كفاءة، لكنهم يمتلكون ولاء مطلق للسلطة وخصوصا الرئيس، وكان همهم بالأساس هو مراكمة الثروة الخاصة.

بالتالي كانوا يمارسون كل الأشكال التي تؤدي إلى نهب تراكم الربح الذي تحققه هذه الشركات، وهذا أدى إلى أزمة عميقة كانت تبدو واضحة في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، ومن ثم تشكل قطاع متسع من كبار المسؤولين الذين مروا على سورية، والذين راكموا أموالا هائلة كانت تهرب إلى الخارج، من كبار الضباط إلى كبار رجال المخابرات إلى كبار المسؤولين، وبالتالي كان ينهب الاقتصاد المنتج وترسل النقود إلى البنوك الأجنبية.
بعد ذلك، بدأ حافظ الأسد بسياسة تقوم على التحول إلى ما يسمى الخصخصة، أو الانفتاح الاقتصادي، ولكن كانت الصيرورة في زمنه بطيئة، وخصوصا بعد مرضه تعثرت، ولكن في هذا الوضع تعمم الفساد، فطال قطاعات أوسع من الاقتصاد الخاضع للدولة، وبالتالي دخلنا في مرحلة عام 2000، بعد استلام بشار الأسد، في وضع كان من الواضح أن هناك كتلا ‘مافيوية’ قد تشكلت، وخصوصا من عائلة الأسد ومخلوف وشاليش ومحازيب حولهم، بدأوا هم للميل إلى الهيمنة المباشرة على الاقتصاد، بعد أن راكموا المليارات بعد نهب مستمر لقطاعات الدولة.
في هذا الوضع، بدأ يتشكل وضع اقتصادي اجتماعي في سورية مختلف عما كان قبل ذلك، حيث على الصعيد الاقتصادي بدأ الاقتصاد ينتقل من اقتصاد منتج، وسورية كان لديها اقتصاد منتج مع انه ليس كبيرا ولكنه كان موجودا في الزراعة والصناعة والتجارة، إلى اقتصادي ريعي يتمركز حول العقارات والسياحة والخدمات والتجارة الداخلية والاستيراد، وفيما بعد البنوك.
وأيضا تمركز هذا الاقتصاد في يد فئة قليلة، هي هذه المافيا التي تتمحور حول العائلة مع محازبيها، حتى أن العديد من الدراسات التي كتبت تشير إلى أن هذه المجموعة، وهي شركة الشام القابضة تمتلك 60 % من الدخل السوري.
في هذا الوضع، انهارت الصناعة، وما بقي في يد الدولة من صناعة جمد، لأنه لم يعد منتجا، وحاولوا بيع القطاعات المربحة في الصناعة، باعوا بعضها ثم جمدوا بعضها الآخر.
الأزمة الأكبر حدثت في الزراعة التي بدأت تتضرر بشكل كبير مع تحقق الانفتاح الاقتصادي النهائي في العامين 2006 2007، بعد أن فرضت هذه الفئة التي نهبت الخصخصة وفرضت ‘اللبرلة’ بشكلها النهائي، وبالتالي رفعت أسعار المشتقات النفطية والبذور، وعرضت الريف إلى أزمة، أتت بعد الظروف الطبيعية لتفجرها بشكل نهائي وتؤدي إلى تصحر فعلي في مناطق الفلاحين التي كانت اغنى مناطق سورية الزراعية.
كما انهار وضع صغار الملاك مع ارتفاع أسعار النفط، وفي المدينة أيضا الأجور لا تفي بشيء، لان الأجور ارتفعت بشكل هزيل، بينما مع تحقق الانفتاح أصبحت الأسعار في سورية أسعارا عالمية، وفي أحيان عديدة كنت ألمس أنها اعلى من الأسعار العالمية.
هذا الاختلال كان يخلق وضعا مريعا، حتى أن دراسة أنجزتها الدولة العام2010 حول الحاجة المعيشية للمواطن، كانت النتيجة أن المواطن بحاجة إلى دخل 620 دولارا من اجل أن يعيش بحد معقول، بينما كان الحد الأدنى للأجور 150 دولارا، ومتوسط الدخل بحسب هذه الدراسة 220 دولارا.
هذا الفارق الهائل كان يطحن الفئات المجتمعية، ويخلق احتقانا داخليا في كل هذه الفئات الاجتماعية، وهذا ما كان يؤشر إلى أن سورية مقبلة على انفجار اجتماعي.
هذا هو التكوين الاجتماعي للسلطة التي أصبحت مافيا ناهبة عائلية بوليسية، اصبح هناك تحالف امني حاكم مع شعب بقطاعاته الواسعة مقفر، هناك 20% من المجتمع مستفيدة من هذا الواقع، بينما 80 % من الشعب مقفر أجوره لا تكفيه أو عاطل عن العمل.
*هل يمكن القول إن الوضع الاقتصادي والبطالة، يشكلان أرضية لاستمرار الثورة وانضمام شرائح أخرى لها؟
*بالتأكيد، فالاستبداد الطويل الذي عاشه الشعب السوري وخصوصا الشباب الذي ولد وكبر وهو يرى النظام نفسه، ومر في دورات ترويض، إضافة إلى قمع الحياة السياسية بشكل كامل وقمع الحياة الثقافية، كان ينمي الحاجة بضرورة وجود حرية وديمقراطية وتغيير هذا النظام لشكل آخر يسمح للناس أن تعبر عن نفسها.
طبعا الذي كان يلمس هذا الأمر بشكل مباشر ويشعر بضرورتها هم فئات وسطى من الشباب الذين كانوا يعيشون في المدن ويتواصلون عبر الإنترنت، وكان شعورها بفرديتها ودورها الواقعي يدفعها إلى شعورها بالحاجة إلى الحرية والديمقراطية، وهذه الفئة هي التي بدأت بالتحريض للثورة.
لكن البنى العامة في المجتمع، باعتقادي، كان العنصر المعيشي والاقتصادي، والذي تلخص بالنهاية بدولة نهبتهم ودولة تمارس الفساد عليهم، جعلهم يشعرون أن عليهم إزالة هذا النظام.
*كيف ترى طبيعة الأزمة في سورية، أهي أزمة تقوم على صراعات بين طبقات اجتماعية أم هي صراعات ذات بعد طائفي.. خصوصا أن هناك ترويجا بأن الثورة السورية تريد تحقيق سيطرة سنية؟
*الصورة واضحة لي انه ليس هناك بعد طائفي للثورة، هناك بعض القوى التي حاولت أن تطرح ذلك، منها النظام أولا، لأنه كان يعتقد أن ضمان تماسك الأقليات حوله، خصوصا العلويين، مهم لان العلويين هم الأداة الأكثر صلابة والتي تدافع عن النظام، وكان بحاجة أن تخاف هذه الفئة من المجتمع لكي يبقوا متماسكين حوله، لذا بدأ يروج للسلفيين والإمارات الإسلامية والإخوان المسلمين، ودورهم في العودة للانتقام من الصراع الذي جرى في سورية في الثمانينيات بين النظام والإخوان المسلمين.
فقناة الوصال لم يكن السنة في سورية يسمعون بها، بينما فوجئنا أن النظام يعمم على مناطق الأقليات أن يتابعوا قناة الوصال حتى قبل بداية الثورة بفترة، وبالتالي كان يخيف الأقليات بالكلام الطائفي المتخلف، وكان يحاول التحريض في هذا السياق.
وعلى الصعيد العملي حاول أيضا تحويل الصراع إلى صراع طائفي خصوصا في حمص، إذ كان يدفع بكل قوته ليتحول الصراع إلى صراع طائفي لكن جهود عديد من الشباب اليساري والديمقراطي من كل الطوائف أفشلت هذا المشروع.
المستوى الآخر الذي لعب للأسف دورا مكملا لدور النظام، هم بعض اطراف العارضة السورية ، الإخوان المسلمون، بعض المتملقين الذين كانوا يظهرون على شاشات التلفاز، بعض الفضائيات التي تصب في سياقهم، الذين بدأوا يشعرون أن الثورة سلمية ضد نظام علوي، وبدأوا يعملون على هذا الأساس، خصوصا انهم ربطوا مسألة إسقاط النظام باستراتيجيتهم الأساسية التي تتمثل بالتدخل الخارجي.
واقعيا، حاولت أن ألمس من الشباب انفسهم، المتدينين، ووجدت انهم غير متجهين لصراع طائفي ولا حكم ديني. الجو الشعبي متدين، لأنه مع انهيار الثقافة والسياسة تعود إلى بيئتها الطبيعية وهي بيئة دينية، ولكن بعد نهوض الثقافة سنكتشف أن هؤلاء الشباب سيتحولون بشكل آخر، لهذا لا يحارب النظام من منظور طائفي.. الصراع صراع طبقي وان لم يكن واضحا.
*ما هي القوة الاجتماعية الرئيسية المحركة للثورة السورية ، وما هي القوى السياسية التي تمثلها حاليا؟
*ليس هناك قوة تحرك الشارع السوري، هناك شعب ينتفض بعفويته وبساطته. المشكلة التي حدثت في سورية خلال العقود الماضية أن أحزاب المعارضة انهارت وتهمشت، جزء منها نتيجة القمع العنيف وجزء يعود إلى خلل ببنيتها وتكوينها ونمطها، وفي النهاية تحولت إلى نخب كبيرة العمر وهرمة بالغالب، تمحور نشاطها حول ما هو سياسي ضيق من الحرية والديمقراطية والإمبريالية والموقف من الصهيونية، واصبح هذا هو النشاط الذي تنشط فيه، وهو اطار بعيد عن الناس ومطالبهم ومشاكلهم.
حين كنت اقول ان الوضع في سورية يسير باتجاه انفجار اقتصادي شعبي كان الجميع يقول انها أفكار ماركسية تقليدية، وانها مجرد أوهام ماركسية، وفوجئوا بأن الشعب انتفض، ولكنهم لم يفهموا مطالب الشعب ومشاكله، فظلوا يتحدثون عن الحرية والديمقراطية، بينما الشعب ينتفض ويُوجد أليات ذاتية وتنسيقيات خاصة به.
بالمرحلة الأولى كانت التنسيقيات تضم شبابا على قدر من الفهم والوعي، ونلاحظ أن شعارات الثورة السورية حتى أيلول الماضي كان فيها شيء واضح وغير ملتبس، ولكن بعد ذلك قمع السلطة العنيف لهذا المستوى من العمل أدى إلى اعتقال أو قتل أو تشريد عدد كبير من القطاعات العاملة في هذا المستوى، ورغم ذلك ظل المتظاهرون ينتجون أشكالا تنظيمية وتنسيقيات تنسق العمل، ولكن صار الميل والقدرة على تنظيم المظاهرات، واصبح هناك ضعف في القدرة على ابتكار الشعارات، وهذه ما سمح لقطاع من المعارضة للدخول والهيمنة إعلاميا على العديد من المسائل، وتُدخل شعارات سيئة إلى المظاهرات.
بلحظة، شعر المتظاهرون إلى حاجة لقيادة سياسية، خصوصا مع نهاية شهر آب والقمع العنيف الذي واجهه الناس وتدخل الجيش. بدأوا يبحثون عن المعارضة، والمعارضة من الصعب أن تتوحد.
بلحظة توهم قطاع من الناس أن المجلس الوطني الذي تشكل مطلع تشرين الماضي يمكن أن يمثلهم، ومع الضجة الإعلامية التي حدثت لحق عدد من الناس بهذا المجلس، إلا انهم اكتشفوا بعد فترة انه لا يفيد بل بالعكس يضر، وصار هناك تراجع عام عن دعم المجلس الوطني، وصار هناك نقص بالتظاهرات بشكل واضح.
انتقل الوضع إلى أن تبحث هذه الفئات عن أشكال من داخلها، وبدأت تتشكل أشكال تنظيمية جديدة، مجموعات ديمقراطية يسارية، مثل مجموعة ‘نبض’ وهي مجموعة ديمقراطية علمانية، مجموعة ‘معا’، الائتلاف اليساري السوري، تنسيقيات الشيوعيين، الكادر الشيوعي بالسويداء، والعديد من الأسماء التي يشكلها الشباب.
وبدأ هنالك شعور عام أن توحد هذه المجموعات هو افضل حل، ونحن الآن في هذا المخاض؛ كيف تخرج من داخل الانتفاضة بُنى وآليات تنظيمية تلعب الدور الأساسي.
* ما الذي يحول دون توحيد المعارضة السورية في الداخل والخارج ضمن برنامج انتقالي موحد؟
*المعارضة هزيلة وهشة وهرمة، آلياتها بطيئة ومفاهيمها مكررة، ما تزال تكرر كلاما نسمعه منذ العام 2000، وهناك خلافات قديمة بينها، وبالأساس المعارضة كانت فقط بالداخل، وكان الإخوان المسلمون فقط بالخارج ولكنهم مهمشون، ولكن كان هناك انقسام بالداخل بين ‘التجمع الوطني الديمقراطي’ وبين ‘إعلان دمشق’، والذي يحكمهم صراع تاريخي، وحين حدثت الثورة لم يكونوا متوقعين، وظلوا يعتقدون أنها ستنتهي ببساطة، وهذا هو سبب بطء حركتهم، حتى أن أول محاولة لتوحيدهم كانت في 25 حزيران، أي بعد ثلاثة اشهر وعشرة أيام من انطلاق الثورة.
وحين طرحت المعارضة حلا، طرحت الإصلاح في الوقت الذي كان فيه الشعب يرفع شعار إسقاط النظام، وهذا همشهم، لأنه باللحظة الثورية اذا لم تكن بمستواها فالشعب سيمضي ويتركك.
هذا التهميش هو الذي فتح بابا للخارج، هناك بعض الأطراف في الداخل من ‘إعلان دمشق’ كانت تتفاعل مع الخارج لتحقيق هذا الانتقال، وإفشال توحيد داخلي ونقل المعارضة للخارج، وكان متحالفا مع قطاع من الإخوان المسلمين والليبراليين الأميركان، وكانوا يحضرون في شهر أيار لعقد مؤتمرات، الإخوان المسلمون في خلفيتها دون الظهور للواجهة، وبدأ الكلام عن تغيير العلم، والمجلس الوطني الانتقالي والتدخل الأجنبي.
وبدأوا يتحدثون عن آلية إقناع الناس بهذا الموضوع، فأصبح هناك حديث عن حماية المدنيين، ويصورنها على اعتبار أنها قصة إنسانية لا تدخل عسكري فيها، وبدأ هذا الوضع بالتصاعد بعد أن انخفض سقف هيئة التنسيق ، واصبح الخارج يزاود.
ولكن بدأ هناك خلاف في المعارضة الخارجية حول كيفية تبلور المجلس الوطني؛ الإخوان المسلمين والليبراليين الأميركان وبعض اطراف ‘إعلان دمشق’ ينسقون على حدة، وبرهان غليون الذي أصبحت له قاعدة شعبية معينة اصبح يريد شيئا اكبر.
في الأشهر تموز وآب وأيلول استطاعوا أن يكسروا كل محاولات برهان غيلون لتوحيد المعارضة، وفرضوا عليه تشكيل المجلس الوطني، وهو جاء بعد الانتهاء من تشكيل المجلس، فأخضع لسياسة مرسومة واضحة، تقوم على التدخل الخارجي وتتعامل بخطاب طائفي، وقامت بضم كثير من الأشخاص الذين لم يكن لهم علاقة بالمعارضة وكثير منهم كانوا تجارا، وقدموا تشكيلة سخيفة يدّعون انهم كان لهم وجود على الأرض عبر مشاركة لجان التنسيق المحلية للثورة السورية .
هذا الوضع أوجد استراتيجيتين في المعارضة؛ استراتيجية أولى للداخل الذي لا يرى أفقا للثورة أنها قادرة على إسقاط النظام، والخارج الذي لا توجد لديه قناعة بأن الشعب قادر على إسقاط النظام وبالتالي لا بد من تدخل خارجي.
والخارج حين بدأ بلعب دور ما مقبول شعبيا، بدأ يؤثر بشكل سيىء جدا في وضع الانتفاضة، ودفع تجاه التسلح، وبدأ الجيش الحر بالتشكل على اعتبار أن التدخل الخارجي قادم، وحين نزل الجيش إلى الساحة اكتشفوا أن الجيش سحقهم ببساطة، كما حدث ببابا عمرو.
صار هناك تقبل للتدخل الخارجي، ولكن بعد فترة من القصف شعروا انهم ضُللوا وضُحك عليهم، وبدأوا يتراجعون. أيضا، طائفيا بدأ الخارج يلبّس الانتفاضة أسماء جمع وشعارات سخيفة عبر التدخل الإعلامي، لان الهيئة العامة للثورة السورية احتكرت الإعلام الداخلي، فهي من تضع الشعار وهي من تصوره والناس تمشي بالشارع دون أن تعرف.
وبدأوا بالتالي يعكسون أوهامهم وسخافات الخارج على داخل الانتفاضة، وهذا يضر بالانتفاضة إلى حد انه بدا وكأن ما يقوله النظام صحيح، بأن هناك جماعات مسلحة وهناك أسلمة، على الرغم من أن الشباب ليسوا كذلك، وهذا الدور سيىء جدا وعبء يؤخر بتوسع الانتفاضة ويعيقها.
*لماذا تأخرت دمشق وحلب بالانضمام للثورة؟
*هناك إشكالية عامة في الثورة السورية أشرت لها من البداية، وحتى قبل أن تبدأ كان توقعي أن هناك احتمالا أن تتأخر الثورة في سوريا، بمعنى أن الاحتقان الاجتماعي أمام رعب السلطة لم يصل إلى لحظة حدوث انفجار داخلي، لكن الثورات العربية سرّعت في ذلك، وهذا أيضا لعب دورا في أن يكون توسع الانتفاضة بطيئا، فمن درعا إلى حلب احتاج الأمر إلى سنة تقريبا.
رصاص السلطة كان يكسر حاجز الخوف، ففي مظاهرة صغير من بعض الشباب يقتل شخص، يصبح المشاركون في الجنازة بالآلاف، فهذا الذي كان يجعلها تنتقل بشكل تدريجي.
أما بالنسبة لدمشق وحلب، هناك مسألة مهمة لها علاقة بالنمط الاقتصادي الريعي الذي تحدثت عنه، والذي يتمركز في دمشق وحلب، وبالتالي فإن الفئة الداعمة للسلطة تمركزها الأساسي في دمشق وحلب، بينما المدن الأخرى كانت مدنا مهمشة.
وحين دخلت المسألة الطائفية على الخط، بمعنى مطالبة بعض أطياف المعارضة بالتدخل الخارجي والخوف من الإسلاميين، جعل قطاعات من المسيحيين، الذين هم عمليا غير مقتنعين بالنظام، تكون اقرب للدفاع عنه خوفا من تدخل خارجي يكون فيه مصيرها كمصير مسيحيي العراق، أو أن تعلق في دولة إسلامية طائفية متخلفة.
هذا الجو كان يخلق قاعدة في هاتين المدينتين، ولكن مع تطور الوضع بدأت القاعدة الاجتماعية نفسها بالتآكل. محيط دمشق كان مشاركا منذ البدايات والميدان كان مشاركا، أما وسط البلد فهناك صعوبة لأنها منطقة تجارية وليست منطقة شعبية لا يصلح فيها التظاهر. ولكن مع انهيار الوضع حتى التجار اصبحوا يطالبون برحيل النظام.
باعتقادي هذا ما أخر دمشق وحلب، والذي بدأ ينكسر الآن، لان الثورة نفسها خلقت مفاعيل اجتماعية جديدة أضرت بقطاعات اجتماعية كانت قريبة من السلطة. التجار مثلا الذين كانوا مقربين من السلطة ويدفعون ‘للشبيحة’ يقولون الآن نريد أن يرحل النظام حتى تستمر مصالحنا.
* ما رأيك بعسكرة الثورة؟
هي لم تتحول.. كان هناك دفع باتجاه عسكرة، انشقاقات الجيش ليست كبيرة إلى حد يشكل جيشا بديلا، ومن الصعب بوضع كالوضع القائم في سورية أن يتشكل بديل، لأنه على ارض دولة هي التي تحكم لا إمكانية لتشكيل جيش مقابل، لان السلطة التي تحكم ستسحق أي جيش مقابل واي محاولة لتشكيل جيش، وهذا ما حصل.
بلحظة ما، بدا أن استخدام السلاح مفيد في مواجهة الشبيحة والأمن الذي كان يضرب المتظاهرين، وبالتالي كان ضرب الشبيحة والأمن يسمح بالمظاهرات، لكن سياسيات المعارضة في الخارج دفعت إلى تشكيل جيش بدا وكأنه يريد السيطرة على هذه المنطقة ويريد أن يؤسس إلى قاعدة، وهذا الأمر أدى إلى أن السلطة سحقتهم، وبعض الأطراف ادركت خطأهم.
بالتالي، لا إمكانية لان تتحول الثورة إلى ثورة مسلحة، وبكل بلدان العالم لا اذكر أن هناك دولة تحررت من سلطتها بالكفاح المسلح، الكفاح المسلح مفيد في مواجهة الاحتلال، ولكنه في صراع طبقي داخلي، يمكن أن يكون عنصرا مساعدا ولكن لا يمكن أن يتحول إلى كفاح مسلح، الحراك الشعبي هو الأساس ويجب أن يستمر كذلك.
* ما آفاق الثورة في سورية ومصائرها؟
*ليس من إمكانية إلا تحقيق التغيير، الثورة قوية وصلبة ومستمرة، وبُنى السلطة هي التي بدأت تتآكل، وهذا سيؤدي في لحظة من اللحظات إلى كسر في السلطة يقود إلى فتح شكل ما من التغيير يقود إلى مرحلة انتقالية، لن تحل مشاكل المجتمع ولكنها قد تفتح على مرحلة ما ديمقراطية تسمح للصراع بأن يكون سياسيا وليس صراعا عنيفا.
*لماذا ترى أن هناك حتمية لانتصار الثورة؟
*هذه ليست حتمية، لأننا عندما ندرس إمكانات التغيير هناك ثلاث إمكانات؛ إمكان داخلي بمعنى ثورة شعبية تقودها أحزاب لديها استراتيجية واضحة لكيفية تفكيك السلطة وبالتالي الوصول إلى الهدف، وهذا غير موجود في بلادنا بالأساس.

الخيار الثاني هو خيار تدخل خارجي، وهذا ما حدث في ليبيا والعراق، وهذا واضح غير مطروح في سوريا، لان أميركا الآن في وضع تراجع، ووضع إقليمي وعالمي معقد، ومرتبكة أمام ازمتها الاقتصادية، والتدخل في سورية قد يفتح على حرب إقليمية لا تبدو أنها مستعدة لها، ولذا هي لا تفكر بهذا الموضوع.
يبقى الخيار الآخر، الذي شاهدناه شيء مشابه له في تونس ومصر، أن قوة الشارع بلحظة ستدفع بفئات من السلطة للتضحية بأشخاص لامتصاص الأزمة. في سورية المسألة اعقد من مصر وتونس، إذ في مصر وتونس الجيش مؤسسة عسكرية مستقلة، أما في سورية المؤسسة العسكرية متداخلة مع الأمن إلى حد ما ولا تستطيع أن تتحرك كمؤسسة عسكرية.
ولكن، أمام الضغط الشعبي الطويل والمستمر، وأمام شعور السلطة أنها عاجزة عن الحسم وان قواها تتآكل، يميل قطاع من داخلها إلى التضحية بقطاع آخر بشكل طبيعي، لإنقاذ نفسه ومصالحه، وبالتالي لعمل انفتاح ما يسمح بمرحلة انتقالية، واعتقد أن هذا هو الخيار السوري، ولا أرى انه بعيد، لان الذي يدرس بُنى السلطة يرى أنها تآكلت ماليا أيضا، وهناك إفلاس بالدولة، واضمحلت القاعدة الشعبية الموالية بما في ذلك المؤسسات الدولية، لم تعد الثقة قائمة، وتقلصت لأضيق حلقة، وهنا يصبح التغيير حتميا.
* الثورة السورية ، هي الثورة الأطول والأعنف بين ثورات الربيع العربي، وضد نظام كان هو الأشرس، برأيك ما هو تأثير الثورة السورية والتغيير الذي قد يحصل على المنطقة؟
* أكيد هناك تأثير كبير، فالثورات تفجرت في المنطقة العربية بصورة سريعة، بتونس ثم مصر، ومن ثم اليمن وليبيا، وبالطبع كان هناك بعض التظاهرات في الجزائر والمغرب والأردن، إضافة إلى البحرين التي سحقت بسرعة، ولكن حين وصلت إلى سورية بدا وكأن هذا التوسع توقف، وظلت هناك مراوحة بين اليمن وليبيا، والناتو في ليبيا كان يؤخر الانتصار لأنه كان يريد أن يدمر اكثر.
في اليمن وميلهم السلمي الشامل كان يجعلهم صبورين إلى حد دفع أميركا ودول الخليج إلى إخراج علي عبد الله صالح بطريقة سلمية ويبدأ تغيير جزئيا للسلطة، ولا اعرف لأي مدى سيستمر.
الآن كل التركيز على سورية نتيجة أن الأمور تطلبت وقتا أطول من غيرها، في سورية اصبح في بعض المناطق شيء من الاسترخاء والتخوف، والطابع الدموي الذي مارسه النظام أخاف البعض وبالتالي آخر تحركات في مناطق أخرى.
الآن الدول الأخرى بدأت تريد أن تخثر الوضع، بمعنى أن تؤخر الصراع، وان تشوه الثورة، وتدعم النظام بطريقة غير مباشرة، وبالتالي تؤخر الثورات في دولها، وهذا الدور اتخذته دول الخليج وأمريكا.
الآن، انتصار الثورة السورية سيعيد الأمل لكثير من المناطق، انه على الرغم من كل هذا العنف والدموية، الشعب قادر على الانتصار، وستفتح أفقا على تغييرات كبيرة، ومرحلة أخرى من الثورات العربية.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\18qpt899.htm&arc=data\2012\06\06-18\18qpt899.htmqpt