سلام الكواكبي – الثورة الحقيقية

Article  •  Publié sur Souria Houria le 6 novembre 2012

أفرج فصيلٌ من «الثوار» فى شمال سوريا عن الصحفى اللبنانى المختطف لديهم فداء عيتانى بعد عدة أيام مما أسموه بالإقامة الجبرية. وقد شجب عدد كبيرٌ من السوريين عملية الخطف هذه مبينين بأنها وقعت بحق من هو داعم للثورة ونصير لقضاياها العادلة. وأدانوا بالمقابل عدم قيام هؤلاء «الثوار» بمتابعة ما سبق لفداء وكتبه بشكل إيجابى عن نضال السوريين من أجل الحرية والكرامة.

للوهلة الأولى، ما قام به المتضامنون إيجابى وفعّال، وانتقاده، لا يمكن أن يُعتبر من البعض إلا فلسفة لا مجال لها فى ظروف مماثلة. بالمقابل، وبعد انفراج الأزمة وعودة فداء إلى الحرية، من المفيد أن تتم مراجعة هذه الطريقة فى الدفاع عن حرية الصحافة التى تعتبر على رأس الحريات التى ينادى السوريون بها منذ اليوم الأول لثورتهم.

●●●

فإن كان السوريون قد عانوا من التعتيم المبرمج على أخبارهم ومآسيهم ونضالاتهم، وطالبوا فى أكثر من مناسبة بفتح الأبواب أمام الإعلام العربى والعالمى لرصد أحوالهم بشكل صريح بعيداً عن البروباجندا الحكومية، فالحادث الأخير ومبرراته لا يعكس معرفة واضحة بالمصالح الحقيقية للراغبين فى التغيير.

بالتأكيد، الخطف وحجز الحريات مُدان وبلا أى بعدٍ طوباوى وثورى. والتبريرات التى «أفتى» بها الخاطفون من أنهم يخضعون فداء للإقامة الجبرية لا تحجب حقيقة نقص وعيهم بمصلحة الثورة الحقيقة والتى هى أولاً وآخراً ثورة على القمع وعلى حجز الحريات وعلى استلاب السلطة وعلى التحكم بمصائر المواطنين واستغلالهم…

وعند الحديث عن الوعى، ينفتح صندوق العجائب الذى يُرينا أبعاداً مختلفة للموضوع ولمعالجته. فممارسات أو تجاوزات بعض «الثوار» محكومة بأبعاد متشابكة يحضر فيها الجغرافى والطبقى والدينى والإقليمى. وليس من الغريب حصول بعض التجاوزات هنا وهناك فى خضم فوضى عارمة من التبعيات ومن الانتماءات ومن المصداقيات. الأمثلة التاريخية عديدة منذ الثورة الفرنسية وعبورا بالحرب الأهلية الإسبانية وليس انتهاءً بالمقاومة الفرنسية ضد النازية. ولكن هذه القراءة التاريخية للثورات لا يجب أن تمنع الوعى وتحجر عليه فى أطرٍ نصائحية معطّرة بتمنيات ودية تتوجه إلى «الفاعلين».

●●●

من المؤكد بأن تهدئة النفوس ومحاولة النأى عن الشحن والتجييش هى من أساسيات السعى إلى حلّ سعيد لحدثٍ من هذه الطبيعة، إلا أنه من الأساسى تسمية الأمور بمسمياتها والابتعاد عن المجاملات الثورية. ثقافة القمع والاقصاء مترسخة فى المجتمعات العربية بدءاً من النواة العائلية ومروراً بالعمل اليومى وانتهاءً بالثورة. ورشة عمل صعبة تنتظر الجميع فى المرحلة الانتقالية لبناء ثقافة مختلفة وترسيخ مفاهيم الحرية.

العقلية التى دفعت بهؤلاء «الثوار» لاحتجاز فداء عيتانى وللتصريح بلغة ركيكة بأن «عمله الصحفى لا ينطوى تحت المعايير والقوانين الدولية للصحافة»، ليست حكراً بأفراد بل هى متجذرة فى أوساط ثقافية ثورية وأقل ثورية، ومعارضة وأقل معارضة، وسلطوية وأقل سلطوية. إن العمل على تحريرها كلها هو الثورة الحقيقية.