سلام الكواكبي : الثورة السورية ترفض العنف والطائفية والتدخل العسكري

Article  •  Publié sur Souria Houria le 25 août 2011

يوما بعد الآخر يتعقد المشهد السوري في ظل إصرار السوريين على إسقاط نظام بشار الأسد، مهما كان الثمن الذي يتكبدونه يوميا خسارة في أرواح أبنائهم، بعيدا عن حقيقة ما يجري على الأرض من إخلاص وتفان لدى الشباب السوري على إسقاط النظام

ولكن في تلك المقالات والتحليلات التي تخرج هنا وهناك داخل سوريا وخارجها في محاولات لإحداث شروخ داخل القوى الشبابية الثائرة وبين مؤيديهم في الشارع السوري، محاولات للتخوين والعمالة طبقا لرؤية المؤامرة الخارجية، والتخويف من انعكاسات وتأثيرات سقوط النظام على مستقبل سوريا والتعايش بين طوائفها ومختلف فئاتها

الباحث السوري سلام الكواكبي مدير الأبحاث في مبادرة الإصلاح العربي أكد أن السوريين ملتزمون في ثورتهم بمبادئ مقدسة ثلاث تتمثل في « لا للعنف، لا للطائفية ولا للتدخل العسكري الخارجي »، وقال « أثبت السوريون مستوى عال من الوعي ومن النضوج السياسي رغم حرمانهم لمدة عقود من ممارسة السياسة بمعناها الفعلي ».

وأضاف « المظاهرات والاعتصامات تتواصل وبأشكال عدة ومبتكرة ومليئة بالخلق والإبداع، في مواجهة آلة أمنية لا ترحم. والمتظاهرون مصرون على سلمية تحركاتهم رغم أن منطق العنف المفروض عليهم يمكن أن يجذب البعض إلى الدفاع عن النفس أو عن العائلة. رغم ذلك، فهذا لم يحصل نتيجة الوعي ونتيجة التأطير الناجح

أهمية الخطابات الأربعة للرئيس السوري

الخطابات لم تأت بجديد سوى أنها كررت اعتبار ما يحصل وكأنه أزمة ناجمة عن مؤامرة خارجية وبالتحالف مع قوى سلفية حينا أو عصابات مسلحة حينا آخر من غير أن يتوضح شيء عن طبيعة هذه القوى المزعومة، لم تتم الإشارة إلى ضرورة سحب الجيش والأمن من المدن وإيقاف العنف والإفراج عن المعتقلين، ودعوة جميع السوريين إلى اللقاء والحوار في سبيل إيجاد أرضية مشتركة وطنية تفضي إلى انتقال سلمي للسلطة نحو الديمقراطية التي ينشدها الشعب والبعيدة كل البعد عن الاتهامات بالعمالة أو بالارتباط بمخططات أجنبية. كان الكثير ممن يسعون إلى أن تجد « الأزمة » طريقها إلى الحل بأقل الخسائر، والمتأملون بسماع قرارات حاسمة نابعة عن وعي حقيقي بجسامة الأوضاع، يعولون كثيراً على ما سيرد في هذه الخطابات التي أتت الواحدة تلو الأخرى لتحبطهم ولتدفعهم إلى إعادة النظر في مواقفهم الرمادية وغير المحسومة لصالح مطالب عادلة بالحرية وبالكرامة

خطاب الأحزاب المعارضة والسياسيين

لم يعرف السوريون العمل السياسي منذ خمسة عقود، والمعارضة السورية كانت تعاني من اضمحلال مساحات التعبير والنشاط السياسي طوال هذه الفترة. وحتى المجتمع المدني السوري حرم من المساهمة في المشهد العام الذي سيطرت عليه مؤسسات حزب واحد سمت نفسها بالمنظمات الشعبية وهي أقرب ما تكون إلى مفهوم الأجهزة الأمنية من مفهوم التنظيم الحرفي أو الطلابي أو ما شابه ذلك

وبالتالي، وجدت هذه المعارضات نفسها فجأة أمام واجب التوحد والابتعاد عن الصغائر وعن الأنا الذاتية التي أصابت بعض رموزها. ويجب التنويه إلى أن الحراك الشعبي كان بعيداً عن أحزاب المعارضة التقليلدية في بداياته كما كانت عليه الحال في مصر وفي تونس. مهمة المعارضة الآن حساسة وهامة بحيث تتمكن من التوصل إلى قواعد وطنية أساسية تمهد لعقد اجتماعي جديد، والعمل أيضا على مساعدة الحراك الشعبي بالتصدي لمهمة بناء رؤى مستقبلية لمجموعة من الملفات السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية

إن سوريا الدولة الحديثة قامت بعد الاستقلال على مبدأ المواطنة والانتماء الوطني لا الديني ولا الطائفي ولا العشائري، ولكن أنظمة ادعت الاشتراكية والتقدمية أعادت إنتاج سوريا ما قبل الدولة، وبالتالي أضحت المهمة الآن صعبة للغاية وتحتاج لتضافر الجهود والعمل المنهجي المستند إلى أبحاث علمية قادرة على أن تترجم على أرض الواقع في مختلف المجالات

دعم إيران وحزب لله للنظام السوري

أعتقد بأنه يجب التميز بين موقف إيران وموقف حزب الله على الرغم من الارتباط الإيديولوجي واللوجستي بينهما. حزب الله، مجموعة سياسية لبنانية تحظى بقبول من فئات واسعة في المجتمع اللبناني الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية، وهم لبنانيون قبل كل شيء، وعليهم بالتالي أن يديروا عملهم السياسي بالأخذ بعين الاعتبار مصالحهم ومصالح المنتمين لهم أو المتعاطفين معهم

أضف إلى ذلك، أن شعبية الحزب المرتبطة لدى الرأي العام العربي بمساهمته في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي تتراجع بشكل هائل نتيجة تمييز قبادات الحزب بين الثورات التواقة إلى الحرية بناء على معايير بعيدة عن المبادئ الوطنية والإنسانية. ويبدو أن الحزب تتنازعه تيارات مختلفة منها من يؤيد الذهاب بعيدا في تأييد عمليات القمع والعنف تجاه الاحتجاجات السلمية، ومنها من يفضل الابتعاد عن التصريح بانتظار توضح الأمور بشكل جلي

أما إيران، فمصالحها الاقليمية تحدد لها مسار مواقفها، وبالتالي فهي تعتمد بشكل كبير على الورقة السورية في تحركاتها ودبلوماسيتها، وهي تعي تماماً أنها غير مرتبطة استراتيجيا بمستقبل السوريين، بل هي تستخدم الملف السوري كورقة تكتيكية لتعزيز موقفها التفاوضي في مختلف الملفات. بالنتيجة، تغيير موقفها لن يكون مفاجئاً

دور المعارضة الخارجية

كما سبق وذكرت، المعارضة الأساسية هي في الداخل وهي التي تحمل راية السعي للحرية وللكرامة، ما يقوم به السوريون في الخارج لا يتعدى كونه دعماً معنويا غالبا وإعلاميا أحيانا لهذا الحراك، ودور التكنوقراط في الخارج سيكون هاما جدا في عملية الانتقال إلى الجمهورية الديمقراطية بحيث يساهمون بخبراتهم في مختلف المجالات بشكل عملي وبعيدا عن التحزبات والإيديولوجيات، وهناك أيضا ظاهرة سلطويو الأمس ومعارضو اليوم وهي ظاهرة موجودة دائما في التاريخ السياسي ولكن يجب التنبيه إلى خطورتها والابتعاد قدر الإمكان عن التحالف معها أو عن أبرازها كصوت إيجابي في الحراك المعارض السلمي

سقوط النظام ومخاطر التقسيم والطائفية والفوضى

من خلال قراءة تاريخ سوريا، يتبين للملاحظ الواعي أن خطر الانقسامات والصراعات على أساس طائفي ومذهبي بعيد عن التقاليد السياسية والاجتماعية والثقافية في سوريا

هناك تقوقع على أساس ديني أحيانا لدى بعض الفئات ولكنه لا يتعدى العلاقات الاجتماعية في أسوأ الأحوال

إن التجييش الذي تقوم به وسائل الإعلام الرسمية خطير للغاية ويؤثر في بعض النفوس الضعفة، ولكن مستوى الوعي الذي توضح مع الأيام لدى الشباب السوري قادر على تجاوز هذه البروباغندا التدميرية البعيدة عن أي حس بالوطنية وبالانتماء لحضارة أو حضارات هذا البلد

دور النظام في تأجيج القتالي بين السوريين

لا أعتقد أن يسعى شخص سوري مهما كان سيئاً إلى مثل هذا الخيار النيروني، وبصورة أدق، تسعى المعارضة السورية بشكل صريح وواضح إلى عملية انتقال سلمي وتدريجي للسلطة وبالتالي، إن تحقق هذا البرنامج فهو سيتحقق من خلال عملية توافقية تزيل أية خطورة لنزاعات أو صدامات من أي نوع كان.

التدخل العسكري في سوريا

السوريون متفقون على سلمية حراكهم وعلى نبذ الطائفية ورفض التدخل العسكري الخارجي وبالتالي، لا يمكن أن تجد جهة ما في سوريا أو في خارجها من الموطنيين السوريين تسعى لمثل هذا التدخل.

بالمقابل، يطالب السوريون بضغوط دبلوماسية واقتصادية محدودة تسعى إلى التأثير على من هم ضالعين في عملية الفساد والإفساد وتدمير الاقتصاد الوطني وإفقار البلد. وأيضا، السعي إلى فتح المجال أمام المنظمات الحقوقية الدولية في التحقيق على أرض الواقع في الانتهاكات والتجاوزات والجرائم التي ارتكبت في الداخل السوري.

إن الأساس فيما يجري في سوريا هو إرادة الشعب السوري التي أثبتت خلال الأشهر المنصرمة على أنها على مستوى عال من الوعي ومن النضوج. ونبذ الفرقة الطائفية المبرمجة والمحرض عليها، ونبذ الخلافات الإيديولوجية والعمل بشكل علمي وممنهج على بناء مستقبل أكثر إشراقا بالاعتماد على مبدأ المواطنة الحقيقية بعيداً عن أية أجندات خارجية حقيقية أو متوهمة

القاهرة – من محمد الحمامصي (مقابلة
ميدل ايست أونلاين – 2011-08-24

http://www.middle-east-online.com/?id=116388