سلام كواكبي – الحل المفروض على سوريا سيكون على طريقة البوسنة والهرسك

Article  •  Publié sur Souria Houria le 21 octobre 2016

[L'entretien] Salam Kawakibi : « La base sociale de Daech en Syrie est très limitée »ساعة تلو الأخرى، تزداد تعقيدات المشهد السوري حتى ضاعت أسئلة أولية عن بدايات الحراك، وطبيعته وطبيعة العناصر الفاعلة فيه. واستمرت التعقيدات السياسية والعسكرية والأمنية في التزايد حتى باتت قراءة المشهد الحالي مهمة صعبة، تحتاج لخرائط كاملة لفهمه.

“مدى مصر” حاور الباحث السوري في العلوم السياسية ونائب مدير مبادرة الإصلاح العربي، سلام كواكبي، ليجيب على تلك الأسئلة الأوّلية، منطلقًا منها لتحليل المشهد الحالي.

  • مدى مصر: في تعقيدات المشهد السوري غابت الكثير من الأسئلة الهامة، دعنا نعود قليلًا للبدايات: كيف تشخّص ما يحدث في سوريا الآن، ثورة أم حرب أهلية؟
  • سلام كواكبي: ثورة مستمرة. ولو أنها تحوّلت في جزء منها إلى حروب عبثية أدت إلى حالة الاقتتال السوري، التي لم تحرك إلا مشاعر ضحاياها.

في سابقة كونية، شكّل النأي بالنفس والصمت العلامتين الأبرز لردود فعل القريب والغريب. وفي أثناء حوارنا هذا، يموت المئات من المدنيين في سوريا عمومًا وفي مدينة حلب خصوصًا، في ظل صمت متواطئ وشريك لن ينساه المؤرخون، وسيجدونه أكثر قبحًا من صمت بعض الأوروبيين على المحرقة النازية في الحرب العالمية الثانية.

  • مدى مصر: في بدايات الأحداث السورية كان ثمّة مشهد اجتماعي قوي، خاصة بالنسبة لحراك طلاب الجامعات وبروز المطالب الاقتصادية والاجتماعية. مع الوقت بدأت هذه المشاهد في الخفوت، وصعدت بدلًا منها أصوات طائفية ذات تحيزات سياسية إقليمية. كيف ترى ذلك؟ أين البعد الاجتماعي في الحالة الراهنة؟ وكيف استطاعت هذه الأصوات الأخيرة التغلب على الطابع الأوّلي للأحداث؟
  • سلام كواكبي: المطالب الاجتماعية والاقتصادية لم تكن هي الأساس رغم أهميتها، بل كان البحث عن الكرامة الإنسانية، بكافة أبعادها، والحرية هما محفّزا الحراك. ويكفي ملاحظة عناوين المظاهرات ومتابعة تطور الخطاب عبر الشعارات المعتمدة. بالمقابل، الاستقطاب الطائفي والمذهبي الذي برع فيه النظام، ككل الأنظمة الأمنوقراطية في العالم، حاول، ونجح نسبيًا، في تحويل حراك سلمي لا يحمل أي بعد طائفي، إلى شبه صراع طائفي من خلال تجييش الناس بعضها ضد بعض، ومن خلال اختطاف ما يسمى بالأقليات وجعلها تعتقد، عبر زعماءها الفاسدين، بأنها في خطر ماحق إن لم تدعم السلطة.

لقد عرف التاريخ الحديث والقديم، كيفية تمكن المستبد من الملف الديني وتوجيهه بما يخدم مصالحه. كما طبّق المستبدون القاعدة الاستعمارية : “فرّق تسد” بإتقان يُحسدون عليه. وبالتالي، فالقضاء على المواطنة وتحويل الناس إلى رعايا مع تشبثهم الخفي، أوالمعلن، بانتماءاتهم ما دون الوطنية، كان شغلًا شاغلًا لكل المستبدين وقد نجحوا فيه بنسب متفاوتة. وتعددت المؤشرات على أن دفع الثورة الوطنية التي بدأت بشعار “الشعب السوري واحد” إلى التخندق الطائفي والمذهبي، كان جزءًا هامًا من استراتيجية المواجهة. ولا أجزم بأنه نجح، ولكنه استطاع على الأقل أن يُعطي صورة مشوّهة عن الحراك السوري مما أبعد عنه الكثير من المتعاطفين المحتملين خصوصًا في الغرب. أما قولك بأن الغالب على التحركات الجماهيرية اليوم هو الشعارات الطائفية، فأنا أختلف معه بالمطلق. لنتذكر بأنه بعد وقف قصير للقصف والتدمير منذ عدة أشهر عاد الناس للتظاهر السلمي مع شعارات شديدة الوضوح حول الانتماء الوطني المشترك.

  • مدى مصر: في الشهور الأولى للثورة عرفنا تنسيقيات الثورة السورية، ومجالس الأحياء التي أدارت الحياة اليومية في أكثر من منطقة.. ثم بات استهداف مثل هذه المجموعات هدفًا مشتركًا للنظام وللجماعات المتطرفة على حد سواء. أين هذه التنظيمات الآن؟ وفي رأيك لماذا اتفق الطرفان على استهدافها؟ 
  • سلام كواكبي: أول أهداف أدوات القمع الرسمية كان القوى المدنية والكوادر الإعلامية كما المجموعات الطبية. أي كل ما هو مساعد في استمرار الاحتجاجات السلمية بعيدًا عن العسكرة التي أتت لاحقًا من ضمن مجموعة ظروف موضوعية. واللجان (لجان التنسيقيات) كما المجالس (مجالس المدن) لم تنتهِ من الساحة. لقد تطور عمل اللجان لتكوّن المجالس أحيانا، أو توجه بعضهم إلى العمل الإعلامي في إطار صحافة المواطن. المئات من قياداتها الشابة اختفت واستشهدت تحت التعذيب، مما دفع المئات من زملائهم إلى اللجوء إما إلى المناطق غير الخاضعة لسيطرة النظام أو إلى خارج سوريا.

استهداف المجالس المحلية جاء أيضا من قبل النظام خوفًا من هذه الظاهرة الجديدة في سوريا التي استطاع من خلالها المواطنون التعبير عن خياراتهم الديمقراطية بانتخابات نزيهة نسبيًا بعد خمسة عقود من التعيين. أما الاستهداف من الجماعات المتطرفة فهو أساسا استهداف داعش للعمل المدني والخدماتي في أماكن سيطرتها. بالمقابل، وبصورة متفاوتة، تركت القوى المسلحة الأخرى للمجالس المحلية المنتخبة عملية إدارة الشأن الخدمي. هذه الحرية النسبية ربما لم تنتج عن قناعة هذه الأطراف بالعملية الديمقراطية البحتة بقدر ما هي ناتجة عن قناعتها بعدم تمكنها من أن تقدم البديل. وهناك نماذج شديدة الإيجابية، كما تحمل التجربة بعض النماذج المحبطة. في المطلق، عندما تسود لغة السلاح، ينحسر العمل المدني، كما كان الحال إبان العقود الماضية من سطوة السلطة بالخوف والقمع مما أزاح المجتمع المدني عن المشهد، كما عطّل طاقات مختلف العاملين في الشأن العام بمختلف تجليّاته.

  • مدى مصر: لنتحول إلى الوضع الراهن، ماذا تريد تركيا الآن في سوريا؟ بات واضحا أن ثمّة مراجعة كبرى تمر بها الدبلوماسية التركية تجاه المنطقة، ماذا عن أجندتها في سوريا؟ لماذا لم يتذمر النظام السوري كثيرا من عملية درع الفرات؟
  • سلام كواكبي: تجري مراجعة كبرى على كافة الأصعدة في تركيا، والعلاقات الخارجية جزءً منها. بالمقابل، لا أعتقد بأن تركيا ستتراجع عن مواقفها بشكل كامل عموما. أما في الشأن السوري، فتركيا صار لديها أولويات تتجاوز مسألة العداء مع نظام دمشق: المسألة الكردية والإرهاب الداعشي. هذان الملفان يؤثران على الخيارات الجديدة للخارجية التركية. وفي ظل تخلٍ دولي شامل عن إيجاد حل عادل للاقتتال ، فإن تركيا وجدت نفسها وحيدة بعد مطالباتها التي قوبلت بالرفض لإيجاد مناطق آمنة في الشمال السوري.

عملية درع الفرات تمت بعد زيارة أردوغان إلى موسكو، وبالتالي، حصل الرئيس التركي على ضوء أخضر روسي لا تستطيع دمشق في أي حال من الأحوال مناكفته. مقابل هذا القبول الروسي، طلب الروس من الأتراك المرونة في ما يتعلق بمصير القيادة السورية في المرحلة الانتقالية وهذا ما عبّرت عنه تصريحات رئيس الوزراء التركي مما أثار الشك لدى بعض المراقبين حول تحول جذري في السياسة الخارجية التركية.

  • مدى مصر: في رأيك، هل يستطيع اتفاق كبير على شاكلة الاتفاق الأخير بين موسكو وواشنطن أن يؤدي إلى حل حقيقي في سوريا؟ أم على الناس الانتظار حتى يحقق أحد الأطراف انتصار كبير، سواء الإطاحة بشخص بشار الأسد من جهة أم تقويض إمكانات تنظيمي داعش والنصرة من الجهة الأخرى؟
  • سلام كواكبي: من يواجه السلطة ليسوا  النصرة أو داعش حتى نتوخى الدقة. داعش لم تواجه النظام، ولا هو بالمناسبة، إلا في وقت متأخر جدًا بعد احتلالها لمدينة الرقة. ولن ندخل في تفاصيل الملفات العديدة التي تشير إلى الاستفادة المباشرة وغير المباشرة لكلا الطرفين بوجود الطرف الآخر.

من جهتها، النصرة، التي تخلت عن القاعدة، اسميًا على الأقل، تواجه النظام لقناعة عقائدية بعيدة عن أهداف السوريين الذين خرجوا في شوارع هذا البلد سنة 2011، وبالتالي، فهي لا يمكن أن تعتبر جزءًا من المعارضة السورية منطقيًا.

بالعودة إلى سؤالك حول الحلول، فلا يبدو أن الاتفاق الروسي الأميركي قد طُبٌّق في ظل هلامية الموقف الأميركي وتشدد الموقف الروسي. تم نقض الاتفاق وتدمير قافلة مساعدات إنسانية للأمم المتحدة جرى الاتفاق على إيصالها إلى المناطق المحاصرة كمؤشّر على انتهاء هذا الاتفاق أو تعليقه. مدينة حلب تُباد في قسمها الشرقي في ظل صمت عربي مريب وعدم اهتمام أميركي مُنتظر إن تابعنا مجريات إدارة الملف السوري أميركيًا.

وفي هذا استحضر بعض ترّهات أعداء الشعب السوري الذين، يدينون الثورة السورية ويعتبرونها صنيعة “الإمبريالية الأميركية”. هم يفعلون ذلك إما عن جهلٍ مطبق بالواقع أو عن نية سيئة في التلظي بحجج واهية لتبرير مواقفهم المتخاذلة. الأمم المتحدة كما الاتحاد الأوروبي مهمّشان في الحل السوري المرتقب. أما ما يسمى بالجامعة العربية فهي هيكل عظمي على قيد الحياة لا ينتظر منها السوريون موقفًا. وبالنتيجة، سيُفرض على السوريين حلٌ ربما يشبه اتفاقية دايتون (إتفاقية الإطار العام للسلام في البوسنة والهرسك والمعروفة باسم اتفاقية دايتون للسلام، والتي انتهى بموجبها الصراع المسلّح الذي دار في البوسنة والهرسك بين 1992 و1995)، وسيخسرون فيه مستقبلهم، ولكن على الأقل، سيعم وقف إطلاق النار وتخمد النار وتبقى الجمرات متوقدة بانتظار فرصة انفجار لاحق.

  • مدى مصر: كيف ترى الدور المصري في سوريا؟ البعض يتحدث عن تعاون بين النظامين، البعض يتحدث عن تعاون سياسي فقط، ما رأيك؟ 
  • سلام كواكبي: في مرحلة قريبة، لم تكن توجد معلومات واضحة في هذا الصدد عدا ما تناقلته بعض وسائل الاعلام، وما عززته بعض تصريحات المسؤولين المصريين، والذي يُشير إلى تنسيق سياسي ربما وصل أحيانًا إلى درجة التنسيق الأمني. ويبدو أن سياسات عهد الرئيس محمد مرسي القصير أدت إلى سياسات معاكسة في ما تلى، كما في مجمل الملفات الداخلية والخارجية. وللوهلة الأولى، كان يبدو أن الدور المصري سيسعى للبقاء حذرًا؛ سعيًا لعدم إغضاب السعودية على الرغم من بروز بعض التصريحات والمقالات المواربة التي تشير إلى التعبير عن هذا الغضب من الطرف السعودي. وبعد أن كانت بعض مواقف الخارجية المصرية غامضة، خصوصًا في بعض المحافل الدولية، حيث عارضت إصدار قرارات سعت إلى إدانة بعض التجاوزات القاتلة في سوريا، يتضح الآن أكثر فأكثر تبني السياسة الخارجية المصرية للرؤية الروسية في المسألة السورية. وقد ترسّخ هذا الموقف من خلال التصويت بالأمس القريب على المشروع الروسي المقدم إلى مجلس الأمن الدولي والذي تبناه نظام دمشق. هذا مؤشر خطير على كشف الأوراق وستكون له انعكاساته على العلاقات الإقليمية حتمًا.
  • مدى مصر: ما هو مدى قوة تأثير المجموعات السياسية المعارضة التي تشارك في اللقاءات الدولية على الأرض؟ تيار الغد السوري، اللجنة العليا للتفاوض.. هل نستطيع القول أن هذه المجموعات، والتي تختلف كثيرا في ما بينها، ممثلة للواقع الميداني السوري؟ هل تستطيع تنفيذ اتفاق سياسي ما وضمان التهدئة الميدانية؟
  • سلام كواكبي: أعتقد أن التأثير نسبي ومرتبط بالإمكانيات كما بالإرادات. ومن المؤكد بأن الهيئة العليا للمفاوضات هي الجسم المعارض الأكثر تأثيرًا لوجود ممثلين عن الجيش الحر كما المجموعات المسلحة الأخرى ضمنها. فأي حل سياسي تتوصل إليه الهيئة من المفترض أن يكون مقبولًا من قبل المجموعات الفاعلة على الأرض. أما الحديث عن خلافات كثيرة بين الجماعات المعارضة فهو صحيح في ما يتعلق بالأشخاص ولكن ليس في الأهداف عموماً. طبعا أنا أتكلم عن المعارضة الحقيقية وليس من صنعهم الروس في قواعدهم العسكرية كمجموعة حميميم (على اسم القاعدة الجوية الروسية في سوريا) أو مجموعة موسكو ايضا. السوريون الذين استعادوا الممارسة السياسية بعد تصحيرٍ استمر خمسة عقود، وقعوا في الكثير من المطبات، وسيطرت أحيانا الشخصنة وقصر النظر وانعدام الاستراتيجية على معارضتهم. كما لعبت الأنظمة الإقليمية والدولية دورًا كبيرًا في استقطاب بعض مكونات المعارضة سعيًا إلى التفريق فيما بينها وإضعاف دورها لصالح أجندات غريبة عنها وعن مساعيها.

أما في ما يتعلق بتمثيل الواقع الميداني السوري، فمن المؤكد وجود صعوبة لتحقيق هذا الأمر في الظروف الحالية مما يحصر التمثيل في أوسع مكون يمكن التوصل إليه والتواصل معه دون أن يشمل الجميع. من المهم أن يكون لدى المعارضة السياسية السورية القناعة بأن التمثيل الحقيقي نابع عن انتخابات حرة، وهذا يحتاج إلى قيام الدولة الديمقراطية المرتجاة.

  • مدى مصر: ماذا عن الأكراد؟ هل تقبل الفصائل الكردية بالعودة إلى ما كانت عليه؟ لو تدخل الأتراك واستطاعوا خوض حرب قوضت نفوذ القوات الكردية، وتَشكل الحل السياسي بما يضمن أمان الحدود التركية واخلائها من القوات الكردية، ما مدى إمكانية قبول الأكراد بهذا الوضع؟
  • سلام كواكبي: كباقي المكونات السورية، الخلافات في التوجهات موجودة وبكثرة لدى الكرد السوريين. لديهم العديد من الأحزاب ممثلة بالمجلس الوطني الكردي المتوافق نسبيًا مع سياسات وخيارات المعارضة السورية الممثلة بالائتلاف الوطني، وهناك الجناح السوري لحزب العمال الكردي وهو متوافق نسبيا أيضا مع سياسات النظام. الصراع محتدم بين الطرفين سياسيًا ولكنه محسوم عسكريًا للطرف الثاني بسبب قدراته القتالية المدعومة من الروس ومن الأميركيين مع قبول شريك من قبل دمشق.

ينفي غالب الكرد السوريون سعيهم إلى دولة مستقلة ويؤكدون بأن الفيدرالية ستكون حلاً مناسباً. بالمقابل، تم فرض الفيدرالية  من قبل الجناح السوري لحزب العمال الكردي من طرف واحد وبقوة السلاح، مما أدى إلى رفض المكون العربي وخوفه من كونها بداية لعملية الانفصال. التدخل التركي ضد حزب العمال الكردي في سوريا سيتطور إن لم يتوصل الطرفان إلى حل سياسي في تركيا. عموماً، لا يقبل الكرد، مثلهم مثل العرب ممن ثاروا حقيقة ضد الاستبداد، وكان الكرد سباقون في ذلك سنة 2004، بالعودة إلى ما كانت عليه الأمور قبل 2011. حيث انتهكت جميع حقوقهم في إطار انتهاك أعم وأشمل لجميع مكونات الدولة السورية.