سنـة حلوة يا•• حرية على الطريق – سلام الكواكبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 3 janvier 2012

عام مضى تقريباً على بدء التغيير في المشهد السياسي العربي الذي عاش صدمات إيجابية متتالية حملت جرعات متفاوتة من الأمل وجرعات كبيرة من الألم الذي كان ثمنه الآلاف من الضحايا. لكن هذه الانتفاضات المتعاقبة، التي أخذت أشكالاً مختلفة، أتت أكلها من حيث تحقيقها للخلاص في بعض الدول العربية من أنظمة شمولية ديكتاتورية أمنوقراطية عفنة. ودفعت بهذه الدول إلى الدخول في مرحلة التوجه نحو التحوّل الساعي إلى الديمقراطية، متيقنة بأنه طريق أمل مليء بالأشواك الطبيعية والمستقدمة والمستحدثة والمستنبطة. ليست سذاجة وطفولية البتة أن نعتبر بأن ما تحقق هو عظيم للغاية رغم عدم قطفه لثماره بعد أو على الرغم من أن ثماره المقطوفة ما زالت في مرحلة النضوج ولم تصل إلى واقع مبتغى

وبمعزل عن التوقف أمام كل تجربة تحوّل على حده وتقييم مسارها وتحليل معوقاتها والتبصر في مآلاتها، وهو عمل بحثي بامتياز مدعو للقيام به جيش من الباحثين في المنطقة والباحثين عن المنطقة، فإن الاحتفال بهذه المناسبة حق يراد به حق، ولن يؤثر في فرحته نمو تيار فكري وسياسي تشكيكي أو تخويني أو انهزامي. فهذا التيار، أو هذه التيارات لضرورة التمييز، تنأى بنفسها عن جدلية التاريخ وتضع على أعينها، بعدما جفت قلوبها وتهتكت أدمغتها، عصابات سوداء تمنعها من رؤية الواقع والحقائق

إنها تيارات تبحث عن مخرج  »إيديولوجي » لعجزها، فتراه تارة في مؤامرات خارجية أو ثورات مصطنعة أو انتفاضات محرض عليها أو حركات شعبية ساذجة. مهما اختلفت الأسباب أو اختلقت، فأصحاب هذه التيارات يمارسون رياضة تبرير العجز بعد أن عايشوا العجز عقوداً لم يفلحوا خلالها في تطوير أي مشروع فكري أو سياسي أو حتى فني، فوجدوا أنفسهم وقد تجاوزهم التاريخ وفاعليه، وبالتالي، فعليهم إما اللحاق به، وهم إلى ذلك عاجزون بسبب السن والسنن، أو انتقاده وشتمه وتسخيفه وتسفيهه، وهو نشاطهم اليومي بامتياز

بالمقابل، من الضروري بمكان أن يتنبه أصحاب الثورات أو أصدقاءها أو أهلها أو أقرباءها إلى أن المجهر مسلط عليهم وكذا الأضواء والعدسات والأقلام ذات النيات الصافية أو المغرضة. فهم، كفئران المخابر العلمية، كل حركاتهم وتصرفاتهم وتصريحاتهم مراقبة وبشدة مع حسٍّ نقدي متطور ومتشعب. فما أسهل من أن تنبري أقلام خافت لعقود بأن تنتقد رئيس الحي أو رئيس فريق عمال النظافة إلى أن تهاجم رؤساء جدد انتخبوا ديمقراطياً أو تهاجم رؤساء مجالس انتقالية أو مجالس وطنية لم تحقق أهدافها التغييرية بعد. من اللافت، دون حكم قيم، بأن أول من يمارس الديمقراطية في الكلام المباح في الرئيس المتاح هم صامتو القهر والذل والخوف لفترات طويلة. هذا حقهم بكل تأكيد، بل هذا واجب الجميع في ظل الديمقراطية وحرية التعبير. والأهم في مثل هذه المرحلة أن يتبلور في وعي من يجري بحقهم النقد إلى أن هذا الفعل ليس سلبياً وتدميرياً، وبالتالي، فعليهم أن يتعايشوا معه إن هم قبلوا مبدئياً الخوض في العمل العام. إن مفهوم العمل العام قليل التطور في الثقافات التي خضعت إلى القيادة الحكيمة والراشدة والفذة لمجموعات سياسية أتتها بلبوس الأحزاب العقائدية وأخفت من خلالها عصابات فساد وإفساد وخوف وتخويف وخيانة وتخوين، وهذا المفهوم غائب حتى في المجال الاجتماعي على مختلف مستوياته، حيث تغيب المسؤولية الاجتماعية عن أذهان أصحاب الأعمال ويختفي التطوع عن رغبات الشبان والشابات ليتحوّل إلى احتراف لا يخلو من أبعاد مالية بعيدة عن الشفافية. ويمكن اعتبار أن قصور العمل العام أو ممارسته ليسا فقط رجس من أعمال الشيطان الحاكم بل أيضا من مخلفات ثقافات مهترئة أو قيود مجتمعية معينة مرتبطة بالأبعاد الدينية أو الفهم المجتزئ لهذه الأبعاد. والخلاص من الديكتاتور لا يكفي وحده ليعطي جرعة أوكسجين للعمل العام بل يحتاج هذا الأخير إلى تراكم ثقافي وفكري وممارساتي لكي يؤتي ثماره. وهذه المرحلة صعبة وشائكة لكنها في الآن ذاته ممتعة ومليئة بالمفاجآت السارة التي تسفر عن وعي مجتمعي تم الانتقاص من مستواه طويلاً من قبل النخبة. هذه النخبة التي هي بدورها مطالبة اليوم بأن تسائل نفسها عما صنعته، أو بالأحرى، عما لم تصنعه، طويلاً خلال الفترة الماضية. لقد تحالفت في جزء من مكوناتها مع المستبد خوفاً من طغيانه أو تقاسماً لفتات مغانمه أو اقتناعاً بأهون الشرور. أما مكوناتها النقدية الفاعلة التي مارست دورها المنوط بها، فقد دفعت ثمناً غالياً تمثّل بالسجن والإقصاء والإفقار وأحياناً، الموت

مرور سنة تقريباً على كسر حاجز الخوف والقيام بثورة أخلاقية على الأقل، كما يقول الصديق الكاتب ياسين الحاج صالح، يستحق احتفالية كبرى يؤجلها الجميع بانتظار الوصول إلى شاطئ الأمان في بعض الثورات التي تمخض عباب القهر والعنف الدموي الممارس بحقها. وبالانتظار والترقب والتمني، يحق للجميع بأن يدلو بدلوه، وحتى المشككون لهم مساحة تعبير مفتوحة تجعلهم أقرب إلى دعاة بعض التلفزة المصرية الذين يبحثون عن ماركة اللباس الداخلي للبطلة المصرية التي سحلها عسس العسكر، أو هم من فصيلة ممانعون ومقاومون دائمون لكل تغيير باسم ممانعة ومقاومة متخيلة لعدو إسرائيلي هو حليف الاستبداد وحاميه الأول، أو هم ممن يتسلقون عربة التغيير في مسارها باحثين عن دور ولو ثانوي ليحموا ضعفهم وخذلانهم الماضيين، أو هم قلقون عن حق من تطورات غير ملحوظة أو أنها ظرفية لا بد منها في إطار الحراك التغييري، أو هم ممن يجدون أنفسهم في انتقاد كل ما يقوم له قائمة بعيداً عن أية مساهمة فكرية أو عملية في تصحيح المسار المنتقد، أو هم من يرغبون في أن تحمل فكرة التغيير إيديولوجيتهم وحدهم دون غيرهم، أو هم ممن يسعى إلى الإطار المثالي للتغيير وهو محال، ومنهم من يصفي حسابات آن قطافها فأينعت في ذهنيته ثمار الانتقام… إلخ

كل هؤلاء وغيرهم ضروريون لإغناء المرحلة التي تستوعبهم وتستوعب نتاجاتهم الفكرية والتعبيرية. وقد علقت على نشر صديقة عزيزة لخبر صحفي يندد بإساءة استعمال السلطة من قبل إحدى شخوص الحكم الجديد في تونس بالقول، بأن ما تقوم به الآن من خلال هذا النشر لما كانت تجرؤ على القيام به إبان حكم بن علي وزبانيته، وبأنها لا يمكن أن تخشى بعد الآن من زوار الليل ومن مساءلة عسس السلطان. بحلول العيد الأول للتغيير المستمر والمتفاعل، يبقى التفاؤل حذر، ولكنه حق مشروع ويجب الدفاع عنه بكل ما أوتينا من عقل ومن وعي، ربما

الجزائر نيوز – الاثنين، 02 يناير 2012

http://www.djazairnews.info/trace/37-trace/33047-2012-01-02-16-56-50.html