سورية ونهاية الحرب الأهلية – مصطفى خليفة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 17 avril 2012

                                               

بعد حوالي ثلاثة عشر شهراً على الانفجار السوري , لايبدو في الأفق أن لحظة الحسم قد اقتربت , فالضباب لايزال يلف المشهد فيما يبدو أنه توازن من الصعب أن يستطيع طرف ما كسره الآن  , فنظام بشار الأسد أظهر شهية غير إنسانية على القتل , وفي الطرف المقابل إصرار وعزيمة غير عاديتين , وقد رأينا من خلال فيديو كيف يقوم الثوار بتجهيز الأكفان للقتلى الذين سيسقطون غداً . !!! في منظر يبدو أقرب ما يكون إلى محل يقوم بلف الهدايا التي سيبيعها في عيد الحب أو عيد الأم  .                                           .                                                      

إن الخروج اليومي للمتظاهرين وهم يعلمون إن قسماً منهم سيتحول إلى شهداء , وقوات الأسد التي لاتخيب ظنهم ابداً , يبدو للمشاهد الحيادي وكأنه مشهد من مسرح العبث .                                                                                                     

وفي ذات الوقت تبدو جميع الأطراف وكأنها تتلهى بالعد والحساب , فقسم من الثوار على الأرض يقضون يومهم بإحصاء عدد القذائف  المتساقطة عل هذا الحي أو ذاك , إضافة إلى عد وحساب الشهداء اليومي , أما الجرحى فلا يملك الثوار ترف الوقت لعدهم , فما أهمية أن يفقد طفل ٌ أو شابٌ يده أو رجله في ظل الموت اليومي الذي أصبح في خانة العادي ..؟!                                                

أما المسؤول الأول في الدولة السورية  » رجل الدولة المسؤول , رئيس الجمهورية بشار الأسد  » ودفعاً للملل الذي يشعر به , فإنه يقضي يومه في حساب وعد الفتيات الجميلات اللاتي سيضمهن إلى بلاط حريمه كمستشارات … في مشهد تبدو فيه رواية الغريب للكاتب البير كامو وكأنها لعب أطفال ..!!  بينما زوجته البريطانية السيدة إيما تحسب وتعد المحلات الأوربية الفاخرة التي تستطيع أن تتبضع منها أحذيتها وملابسها ..!!  

وبينما المعارضة السورية التقليدية تختلف فيما بينها على عدد التدخلات الخارجية التي تستطيع تأمينها لحماية المدنيين السوريين , فإن السادة ممثلي الدول الخمس الكبرى , القادرة على حماية السوريين يتبارون فيما بينهم على تطمين النظام السوري في التصريح : إن التدخل الخارجي في سوريا غير وارد , وهم يعلمون جيداً أن التدخل الدولي هو الشيء الوحيد الذي يخيف النظام وأن مجرد التلويح به كفيل بتعديل سلوك الأسد ,فهل هذه التطمينات المجانية بريئة ؟ أم كما يظن الكثير من السوريين أنها تقع في خانة التواطؤ ومباركة المجازر التي يقوم بها بشار ضد الشعب السوري ؟  ,  فالسيدة كلينتون قد حددت لبشار  منذ البداية عدد السوريين الذين يستطيع قتلهم يوميا ً دون أن يحرج الولايات المتحدة أو يثير غضبها , لذلك تقوم السيدة وزيرة الخارجية بإحصاء عدد القتلى السوريين , ونرى ابتسامتها الجميلة والمشرقة عندما يلتزم بشار بالعدد الذي حددته , أما إذا تعداه فإنها تجمد أمواله التي لاوجود لها في الولايات المتحدة . !                                                                                                          

أما القيصر السيد بوتين فقد اجتمع إلى أركان نظامه المؤلف من بقايا ال  » ك . ج . ب  » وزعماء المافيا الروسية , وفي حمى المناقشة أفهمه هؤلاء أن النظام الأسدي خط أحمر ..! لأن تجارتهم معه في الخدرات والأسلحة والرقيق الأبيض وغسيل الأموال القذرة تفوق بأضعاف مضاعفة تجارة الدولة الروسية مع الدولة السورية , فأصدر أوامره إلى لافروف لحساب : كم فيتو يستطيع الروس أن يساهموا به في مذبحة الشعب السوري ؟ بعدها ذهب لافروف إلى دمشق مع رئيس استخباراته وزاود على السيدة كلينتون طالباً من الأسد مضاعفة عدد القتلى السوريين مرتين أو ثلاث دون أن يخشى لومة لائم .

والصينيين كعادنهم يمارسون السياسة بعقلية البقال أو المرابي , ويعكفون حالياًعلى حساب أرباحهم والدولارات التي سيربحونها مع كل  قتيل سوري , وكم من المبادرات التي لايقرأها أحد يستطيعون أن يقدموا .        

والسيد وليم هيغ أعلن عن مساعدة للشعب السوري تتناسب وعظمة بريطانيا العظمى مقدارها نصف مليون دولار !! ولذلك فهو متعب جداً بعد أن أمضى يومه في عد هذا المبلغ الضخم . 

والمفاجئ في موقف الدول الكبرى كان اكتشاف السيد آلان جوبيه بأن الأقليات في سوريا في خطر داهم , وهي ذات المقولة التي لم يمل النظام السوري من تردداها دون أن يجد من يصدقه !!فبعد أكثر من 1400 سنة من العيش المشترك بين جميع مكونات الشعب السوري يبحث السيد جوبيه عن أفضل الطرق لحماية الأقليات !! ونخشى أن يتم تبني رأي الأسد الذي يقول : أن أفضل طريقة لحماية الأقليات هي في إبادة الأغلبية . !

أما والحال هكذا فإلى أين تسير سوريا ؟ وما هي النتائج المحتملة للصراع بين النظام والمناهضين له ؟   

بداية لابد من الإشارة إلى أن أي حل سياسي للأزمة يكون النظام طرفاً فيه أضحى مستحيلاً لسببين : الأول أن النظام نفسه يرفض هكذا حل رافعاً شعار : أنا أو الفوضى , وشعار الأسد أو لاأحد . والسبب الثاني أن المعارضة سواء منها الميدانية أو السياسية ترفض رفضاً قاطعاً أي حل سياسي مع النظام بعد كل هذا القتل والمجازر والتدمير .

وخارج الحل السياسي وعلى أرضية لزوم الحسم بين طرفي الصراع طال الزمن أم قصر , نجد العديد من الاحتمالات , ولكن يمكن إدراجها جميعا تحت احتمالين رئيسيين :

الاحتمال الأول : يتمثل في نجاح الحل العسكري وانتصار آل الأسد عبر اخضاعهم للمناهضين لهم بقوة الحديد والنار , ويرى الكثيرون أن هذا الاحتمال هو الأكثر كارثية ومأساوية على سوريا كوطن وشعب .

الاحتما ل الثاني  : هو أن تستطيع المعارضة من تحقيق هدفها المعلن وهو إسقاط النظام بكل رموزه وركائزه ومؤسساته , وهو الاحتمال الذي لم يستطع أحد حتى الآن أن يؤكد ما سيأتي بعده , فبينما الكثير من أطراف المعارضة ومن بينهم الأطراف الإسلامية الرئيسية يطرحون بناء الدولة المدنية الديموقراطية نرى بعض الساسة والمحللين وعلى الأخص الأجانب منهم يحذرون من الفوضى أو التقسيم , أو من إنزلاق البلد نحو هاوية الحرب الأهلية . وهو الاحتمال الذي تجدر مناقشته الآن لما يحمله التهويل به من مغالطات كبيرة أغلبها غير برئ .

فهل التخوفات التي تبديها بعض الدول من احتمال الحرب الأهلية في سوريا هي تخوفات حقيقية أم أنها كما يقول الكثير من السوريين هي مجرد ذرائع لتغطية التواطؤ مع الأسد ؟ أو في أحسن الأحوال هي محاولة لتغطية العجز عن تقديم المساعدة للشعب السوري الذي يتعرض إلى ما يشبه الإبادة الجماعية .

ولكي يمكن الإحاطة بالكثير من تفاصيل الوضع السوري لابد من تناول مسألة الحرب الأهلية أولاً كماهية ومفهوم بشكل عام , ثم محاولة مقاربة هذا المفهوم مع ما جرى ويجري في سوريا في ظل حكم آل الأسد .

فالحرب الأهلية هي النزاع المسلح بين مكونين أو أكثر من مكونات مجتمع ما , تنتج عن تصادم المصالح بين هذين المكونين إما بدوافع قبلية أو مذهبية أو دينية أو عرقية أو اجتماعية, يحاول كل طرف فيها أن يحوز أكثر من الآخر على وسائل القوة ليحقق بواسطتها إما الإنفصال عن الآخر إذا كان هذا هدفه أو رفع الظلم عن كاهله ومساواته مع المكونات الأخرى للمجتمع إذا كان هناك إجحاف بحقوقه , أو من إحاز النصر وتأمين الغلبة والسيطرة على الطرف الآخر بهدف الاستئثار بالسلطة واستتباعاً بالثروة المجتمعية أوالقسم الأكبر منها .

فاستناداً إلى هذا وبالرجوع قليلاً إللى الوراء متعمقين في حقيقة الواقع السوري , فإننا نرى أن الحرب الأهلية قد بدأت في سوريا منذ اللحظة التي استولى فيها حافظ الأسد على السلطة بانقلاب عسكري على رفاقه , دون أن يعلن ذلك أو يخوض أي معركة أو نزاع مسلح مع أي مكون آخر من مكونات المجتمع , فبلحظة خاطفة استولى على كل وسائل القوة في المجتمع متمثلة في الجيش والقوات المسلحة , وهو وإن كان يسعى لتكريس ديكتاتورية فردية إلا أنه خاض حربه باسم طائفته وبالاعتماد عليها وعلى نخبتها العسكرية والسياسية .

والأمانة التاريخية تقتضي التنويه إلى أن أغلبية الطائفة العلوية لم تكن راضية أو مؤيدة لحافظ الأسد وقابلت انقلابه بمظاهرات منددة , على عكس المكون السني الذي رحب ترحيباً شديداً به , وقد رفع تجار دمشق لافتة كبيرة تقول :  » طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد  »                                                                                                                                                                               وهنا نرى أن معارضة الطائفة العلوية للأسد الأب  وتأييد الطائفة السنية له بمقدار ما يحمل من مفارقة في اللحظة الراهنة فإنه يحمل أيضاً دلالات كبيرة , من أهمها أن المجتمع السوري لحظة استيلاء الأسد على السلطة كان قد وصل إلى مرحلة من النضج إلى درجة أن المسألة الطائفية لم تكن تعني له الكثير .

ولكن الأسد استطاع إخماد كل الاحتجاجات ضده , تارة بالقوة وتارة بالرشوة ,وبدأ حملة تجييش طائفي داخل الطائفة العلوية  التي لم يمر زمن طويل حتى التف معظمها حوله وخاصة بعد أن لمست الفوائد التي بدأت تنعكس عليها وعلى أبنائها , وبتأثير من نخبتها العسكرية والسياسيةالتي حولها الأسد إلى طغمة فاسدة.

وباختصار نقول : إن الحرب الأهلية التي بدأت في سوريا عبر إمساك الأسد بكل وسائل القوة ومن ثم لاحقاً التفاف المكون العلوي حول نظامه تدريجياً , باعتباره نظام الطائفة , أو بعبارة أدق : طائفة النظام لأنها هي التي أضحت في خدمته وليس العكس , هذه الحرب تكرست كنتائج على الأرض فتم الاستئثار بالسلطة بطريقة قل نظيرها في العالم , وأخضع باقي مكونات المجتمع الأخرى بما يشبه العبودية محققاً الغلبة كنتيجة للإنتصار , وأخذت ثروة المجتمع تنتقل شيئاً فشيئاً من مكان لآخر في سوريا .                                                                                                                         

وككل حرب أهلية لابد لها من ضحايا , وضحايا الحرب الأهلية على زمن الأسد الأب تتراوح بين مئة ألف ومئة وخمسين ألفاً حسب تقارير المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني وكذلك المنظمات الدولية , وتم تدمير مدينة حماة , وارتكبت عشرات المجازر ذات الطابع الطائفي , ونفذت آلاف الإعدامات بحق أبناء المكون السني , كما غادر سوريا مئات الآلاف من ابنائها إما طوعاً أو كرهاً .

وهكذا فالحرب الأهلية ليست حدثاً طارئاً أو ممكن الحدوث في سوريا كما يدعي أو يصرخ البعض , فهي مستمرة منذ اثنين وأربعين عاماً , والذين يتخوفون من وقوع الحرب الأهلية في حال سقط نظام آل الأسد هم إما واهمون أو مغرضون , لابل وعلى العكس وبعد أن لمس الجميع وبالواقع العملي ارتفاع سوية الوعي والحس الوطني العالي لدى أغلبية الثوار على الأرض فإن الأمل الوحيد في إنهاء الحرب الأهلية المستمرة في سوريا لايمكن أن يكون إلا في انتصار الثورة وسقوط الأسد , حتى لو افتعل هذا بعض المناوشات أو المعارك ذات الطابع الطائفي قبل سقوطه النهائي , هذا السقوط الذي يشكل العملية المفتاحية لبناء الدولة المدنية , دولة المواطنة للجميع دولة الحقوق والواجبات المتساوية لكل مواطنيها .