سيحدث بـ »الأمس »! – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 21 juin 2013

يبدو أنّ النخب السياسية والمثقّفة العربية ما تزال أسيرة في نظرتها وأحلامها إلى الماضي، بدل التطلّع إلى المستقبل. وحتى عندما نستدعي « التاريخ »، فإن ما نراه ليس ما تحقّق حضارياً ومعرفياً، بل صراعاته و »كولساته » وحروبه الداخلية، والأزمات الكبرى التي عصفت به!
ربما فقدنا، مرّة أخرى، اللحظة المضيئة الجميلة في تاريخ الشعوب العربية، وهي لحظة غير مسبوقة؛ عندما خرجت الشوارع التونسية والمصرية والليبية واليمنية، وتحرّك الشباب وانتفضت النساء، وصعد الشعار الجميل الرائع، الذي ردّ الاعتبار لإنسانية وكرامة المواطن العربي: « الشعب يريد ». ومتى كان الشعب العربي يريد ويتحرّك ويقدر على إزالة حاكم والإتيان بآخرين، إلاّ مع لحظة الربيع العربي الأولى المشرقة؟!
الشعوب العربية تحرّكت لتخرج من « كهوف الاستبداد »، وتعيد الأمل إلينا عبر المطالبة بالقيم التي تشكّل الشروط الأساسية للإنسانية؛ الحرية والعدالة والكرامة الوطنية. وكما يقول الصديق مارك لينش، فإنّ هذا الشعار أحدث اختراقاً؛ عندما حرّك الشعوب العربية ووحّدها وجدانياً وسياسياً، وصنع ما لم تقدر عليه كل الدعوات الأيديولوجية، ودعايات الأنظمة القومية وما رفعته من شعارات.
بيت القصيد أنّ هذه اللحظة التاريخية الاستثنائية ذوت بعد أشهر من الثورات الديمقراطية. فبدلاً من أن تنظر الشعوب العربية إلى الأمام والمستقبل؛ كيف ننهض ونتطوّر، وندخل « دورة التاريخ »، ونتقدّم في الصناعة والتجارة، ونحلّ مشكلاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ونجاري المجتمعات والأمم الأخرى، إذا بنا نستحضر أشباح الماضي وأساطيره وخرافاته، بل « أسوأ ما فيه » من دواعي التخلف والفرقة والصراع والتكفير!
في نهاية اليوم، قلبنا المعادلة تماماً. فبدلاً من أن نتفاءل بـ »المستقبل »، أصبحنا مرعوبين مما يحمله لنا، وكأنّ هذه الصراعات والصدامات السابقة هي التي سترسم لنا « الغد »؛ سواء الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين على قضية هوية الدولة، واستدعاء ميراث الأزمة والصراع بين هذه القوى السياسية، أو حتى على الصعيد الأخطر: نمو النزعة الطائفية والمذهبية إلى مرحلة غير مسبوقة!
انتبهوا إلى اللغة الجديدة التي بدأت تنتشر اليوم في السجالات العامة والإعلامية بين المثقفين والسياسيين، وحتى في الأوساط الشعبية العامة: الاحتلال الصفوي-البويهي، النصيرية الكافرة، الباطنيون، في مقابل الاحتلال العثماني، والسلاجقة، والنواصب، والوهّابية التكفيرية.
بدلاً من أن يكون التفكير اليوم في الاستراتيجيات التي يمكن أن تنهض بالمدن العربية، تنموياً وخدماتياً وثقافياً، لشعوب تعاني أزمات اقتصادية خانقة، وعلى بنى تحتية مهترئة، وتواجه معدلات بطالة مخيفة، فإنّ الحديث هو عن خطوط الاشتباك والاتصال الطائفي والمذهبي، سواء في ريف حمص أو حماة أو طرابلس أو صيدا أو بغداد والموصل.
هذا الانقلاب -الذي يحدث في مشارق العالم العربي ومغاربه؛ فبدلاً من أن نفكّر في المستقبل، ونضع أقدامنا على أول الطريق، إذا بنا نعود بسرعة الضوء إلى صراعات مذهبية وهويات مأزومة قاتلة- يدفع بنا إلى طرح سؤال جوهري، لنحاول الإجابة عنه: ما الذي حدث خطأ في الربيع العربي؟ ولماذا هذا التحوّل الكبير؟! هل نحن أمام نكوص حقّاً لنخرج من « كهوف الاستبداد » إلى « مغارات الطائفية »، أم أنّها مرحلة طبيعية تمرّ بها الثورات (كما يخبرنا التاريخ الإنساني)؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما هو المطلوب كي لا نغرق في هذه « المرحلة الانتقالية »، وتتبدّد الأحلام بمستقبل مختلف عن يومٍ بائس وعن استدعاء أسوأ ما في الأمس، لا أفضله!