شبيحة في المسجد الأقصى! -عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 30 mai 2013

نشر « المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات »، في غضون العامين الماضيين، أكثر من استطلاع واحد حول ميول ومواقف المواطنين في نحو عشرين بلداً عربياً إزاء الأزمة السورية، وأظهرت انحياز الأكثرية الكاثرة لجانب ثورة الكرامة. وفيما أتاحت لي الاتصالات الشخصية والاحتكاك مع أوساط النخبة والمواطنين والقراء، التيقن من صحة الاستطلاعات الخاصة بأفضليات الرأي العام الأردني، فقد بقيت على شيء من عدم التأكد إزاء ميول الرأي العام الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة.
كان مرد الشك هذا نابعاً من عزوف الكتاب والمثقفين ورجال الدين والأكاديميين الفلسطينيين عن الخوض في غمار النقاش حول أزمة أخرى وهم يرون أن أزمتهم التاريخية أولى بالمعالجة. إذ باستثناء قلة قليلة من كُتّاب الصحف الفلسطينية صدّقوا نظرية المؤامرة الكونية، وعدد ضئيل من نظرائهم ظلوا بالمقابل ينافحون عن الثورة السورية، لم تخفق الراية الفلسطينية بقوة لمعرفة اتجاه ريح الكتلة الكبيرة، تماماً على نحو ما بدت عليه مواقف السلطة والفصائل والقوى المدنية الملتزمة بسياسة النأي بالنفس.
في غضون ذلك، كان التلفزيون السوري يستضيف بصورة شبه منتظمة رجلي دين يدافعان بشدة عن محور المقاومة؛ الأول، مطران كان يطيل تدبيج معلقات المديح لنظام الأسد الممانع للمخططات الأميركية-الإسرائيلية. والثاني، شيخ سليط اللسان في هجائه للثورة، يدافع عن الأسد كما كان يدافع عن القذافي؛ فيسب الثوار ويتهمهم بالعمالة لحلف يضم إسرائيل والقاعدة وأميركا وغيرها، ويفسر الدين بالسياسة والسياسة بالدين.
كانت أول مرة استمعت فيها إلى حديث الشيخ، ولم أكن قد سمعت باسمه، قد وقعت قبل نحو سنة، حيث شن هجوماً ضارياً ضد د. يوسف القرضاوي الذي لم أكن مغرماً به وبمواقفه الخلافية. إلا أن حدة الشيخ ومغالاته في ذم القرضاوي وقدحه بأوصاف تخرج عن أدب الحوار، جعلتني أتعاطف مع الأخير، وأتساءل عما إذا كان في الأمر عداوة شخصية، وذلك لزعرنة المتحدث من القدس عن أرفع شخصية إسلامية معاصرة.
حينها سألت مقدسياً زائراً عن ذاك الشيخ، فقال لي إنه شخصية إشكالية، ليس له مؤلفات، وسيرته غير معروفة، إلا أنه يعطي دروساً دينية في حلقة داخل رواق الأقصى، وهو مغرم بالشهرة، حتى إنه يهاجم الأئمة الأربعة. فكان هذا الجواب كافياً لي كي أكف عن الاهتمام بفك شيفرة هذا الضيف الدائم على الفضائية الخشبية، وذلك إلى أن شاهدت مؤخراً مقطع فيديو يخص هذا الذي يوظف المسجد الاقصى لتفخيم حملته الغضنفرية ضد الثورة السورية.
عندها عثرت على ما يسميه المحققون الجنائيون بالأدلة الصلبة، ليس فقط على هامشية مكانة ذاك الشيخ لدى المقدسيين، وإنما على عافية الوجدان الفلسطيني العام، وسلامة اتجاهه حيال الثورة السورية التي تذكرهم بمصابهم القديم، جرحاً غائراً لم يندمل بجرح راعف بغزارة، ولاجئين تاريخيين بلاجئين جدد، ومجازر في دير ياسين وصبرا وتل الزعتر، أين منها مجازر أشد هولاً في الحولة وحلفايا وبانياس والقائمة طويلة.
ففي هذا الفيديو المتاح على الشبكة العنكبوتية، رأيت مئات المصلين في المسجد الاقصى يحيطون بالشيخ ويهتفون ضده ويطردونه، ليس لمغالطاته الدينية، وإنما لتشبيحه السياسي ضد الثورة السورية، مرددين في واحدة: « من الأقصى إلى الشام.. أمة واحدة لا تهان »، وفي أخرى: « عل مكشوف شبيحة ما بدنا نشوف ». وفوق ذلك أعلنوا براءتهم ممن يقف مع قاتل شعبه، قائلين: « يا أهل الشام، نحن أهل المسجد الأقصى وهذا عرينكم. دماؤكم دماؤنا، وأعداؤكم أعداؤنا، ومن يقف مع الطاغية ليس منا ».
هكذا هدأ روعي، وتيقنت من صحة استطلاع المركز الذي يديره د. عزمي بشارة، وذلك بعد أن استمعت إلى هذا الهتاف الصادر من تحت سقف المسجد الأقصى، والذي كان دائماً المنبر الأرفع منزلة، والأصدق تعبيراً عما يدور في خلد الفلسطينيين وضميرهم الوطني، وذلك على نحو ما كانت عليه أولى القبلتين، منذ ثورة البراق إلى انتفاضة الأقصى.