شعب سورية يرفض «التقسيم» والنظام يسعى إليه – عبدالوهاب بدرخان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 23 février 2012
مطلع الشهر الثاني عشر للانتفاضة الشعبية، استشرس النظام ساعياً الى الحسم العسكري، لكن الشعب استبسل وأظهر أنه ماضٍ الى أقصى تحدّيه للموت، فلا عودة الى الوراء. لا يزال العقل الأمني يعتقد أنه يملك أسباب بقاء النظام، ولذا فهو يزوّد

جنوده بكمّامات استعداداً لمهاجمة حمص بأسلحة غير تقليدية، وقد يسترشد بجريمة

نظيره العراقي البائد في حلبجة عام 1988. أما العقل السياسي، فيتباهى بأنه ضلّل

المسعى العربي، ولا يزال يتجاهل أنه بدد الفرص الأخيرة لـ «حل سياسي»، ممعناً في تجاهله أيضاً أن ثمة حراكاً شعبياً لم يُعرف له مثيل عربي تحت أي حكم استبدادي

مطلع الشهر الثاني عشر للانتفاضة الشعبية، وضع أكثر من ثلثي دول العالم النظامَ السوري في خانة النبذ والعزل، مع حلفائه، الذين باتوا جميعاً ملطخةً أيديهم بدماء الشعب السوري، وشركاءَ في القمع الإجرامي، ملوّثين بممارساته، ومتورّطين بلعنته

أما خصومه في الخارج، أولئك الذين يعتبرهم مجرد أطراف في «مؤامرة» يخوضها الشعب ضدّه، فتضاءلت طموحاتهم الى الحدّ الأدنى: اذ تقتصر «مؤامراتهم» حالياً على التسوّل لدى الروس لفتح ممرات إنسانية، بغية إيصال شيء من الغذاء والدواء والكساء لمن يفترض أنهم أبناء شعبه، ليتبيّنوا أن هذا النظام فَقَدَ منذ زمن انتماءه الى هذين الشعب والبلد، وأنه ينتمي الى ذاته، الى مصالحه، وهي ليست مصالح الشعب والبلد. ويبدي الروس استعداداً لتلبية هذا المطلب الإنساني لكنهم سيُخضعونه للمساومة، إذ تنبغي رشوتهم ورشوة النظام في آن ليقتنعا معاً بقبوله

ومطلع الشهر الثاني عشر للانتفاضة الشعبية، أخرج النظام ورقتين من قبعته السحرية، معتقداً أنه لا يزال قادراً على تمرير مثل هذه الخدع. الأولى سعياً إلى مصداقية ضائعة، إذ التقطت صورة الرئيس وهو يتسلّم نسخة من الدستور الجديد المعدَّل والمراجَع، ثم قُدّم الإعلان عن موعد الاستفتاء على الدستور، وكأنه «مَكْرُمة» من الرئيس الى الشعب. أما الثانية، فخصّصت للتخويف، إذ انتهز الرئيس لقاءه مع المبعوث الصيني ليحذّر رسمياً من أن ما تتعرض له سورية يهدف بشكل أساسي الى «تقسيمها» و «ضرب موقعها الجيوسياسي» و «دورها التاريخي في المنطقة»، فبعد التخويف من الصراع الطائفي، واضطهاد الأقليات، و «إحراق المنطقة»… ومن… ومن… ها هو التقسيم يُلاك بأفواه النظام وأبواقه، فإذا المحذّرون من رجسه والمدّعون رفضه يلوّحون به مهدّدين: إما القبول بهذا النظام و «دوره التاريخي» وإما الذهاب الى التقسيم

لم يُسمع أي صوت ولا رُفعت أي لافتة طوال التظاهرات والمواجهات للمطالبة

بـ «التقسيم» أو ما يشبهه أو يعادله، وحتى الذين قتل آباؤهم وأبناؤهم أو خُطفوا وعُذّبوا وأهينت إنسانيتهم، لم تدفعهم انفعالاتهم الى القول إنهم يريدون تقسيماً

للبلد. بلى، طالب المتظاهرون بتدخل خارجي، آملين بنهاية قريبة للظلم والظلام اللذين

فرضهما النظام على سورية. طالبوا بأي تدخل، عربي أو غير عربي، آملين بخفض كلفة الدم، لكنهم أدركوا الآن أنهم متروكون ليتدبروا أمرهم في مواجهة هذا النظام. سمعوا الجميع في مجلس الأمن يطمئنون النظام وحلفاءه الروس والصينيين، بل يرددون ما يشبه القَسَم، بأنهم لا يعتزمون التدخل. سمعوا الأمين العام لحلف الأطلسي يستبعد أي دور لـ «الناتو» وينفي «أي نيّة للتدخل في أي حال، ولا حتى لحماية قوافل

الاغاثة»… كل ذلك ترجمه نظام دمشق استبعاداً مطلقاً لتكرار «السيناريو الليبي»، وتجنباً لتكرار «السيناريو العراقي»، حيث عزي للاحتلال الأميركي الانقسام والاقتتال الطائفيين، وكذلك الأمر الواقع التقسيمي على الأرض

بذل النظام ولا يزال يبذل كل ما لديه من رصيد لإحباط أي احتمال للتدخل. لم يقبل سوى المراقبين العرب، بعدما تيقن مسبقاً من إمكان تدجينهم، ومن توظيفهم في سعيه الى ترويض الدور العربي ليكون دعامةً لحلّه الأمني، أما تقويض الحل السياسي العربي، فترك أمره للروس. لكنه حرص على إبقاء الأبواب موصدة أمام الأمم المتحدة ومنظماتها كافة، ولم يسهّل مهمة هيئتي الهلال الأحمر والصليب الأحمر، لأنهما لا تجاريان «شبيحته» في قتل الجرحى والمصابين وخطفهم أو في سحب جثث الضحايا للمساومة عليها، بل منع قوافل الإغاثة من الوصول الى المناطق المنكوبة أو صادر حمولاتها. لكن ظلّت هناك شكوى لدى النظام، فوحده الإعلام بقي عصيّاً عليه، يفضحه ويُنصف الشعب

من هنا، فإن الحديث عن التقسيم، رغم هذا الإقفال المحكم للبلد وعدم وجود احتلال أو تدخل عسكري مباشر، يفترض أمراً من ثلاثة

– إما أن النظام هو من يسعى الى التقسيم ويريده بمثابة انتقام من الشعب والبلد

– وإما أنه يطرح التقسيم ليحصل على «كيان ذاتي» ذي لون مذهبي واحد (منفصل ومتصل في آن)، متمثلاً بالشرط الفيديرالي لأكراد العراق

– أو أنه يضع ورقة التقسيم على الطاولة للمساومة على بقائه، إذ لم يفهم ولا يريد أن يفهم أن استمراره لم يعد خياراً منذ اختارت سورية الشعب الخلاص منه. ورغم تاريخه الأسود، كان بإمكانه أن يرحل برصيد أقل من الدم والدمار، وأتيحت له فرص ادارة الرحيل من دون أن ينشر الذعر الطائفي ويفاقم الأحقاد، لكنه تشبث بالبقاء، مستقوياً بترسانة النار، التي لم تكن تخيف أي عدو -خصوصاً العدو الاسرائيلي-، وتأكد أخيراً أنه لم يستقدمها إلا لمواجهة محتملة مع الشعب

عشية ما يسمى استفتاء على الدستور «ينتويه» النظام وسيلزم جميع موظفيه وأفراد عائلاتهم بالمشاركة، بل تحديداً المشاركة بـ «نعم»، سيكون العالم الذي نبذه قد محض المعارضة اعترافاً فعلياً وشكل هيئة دائمة -بديلاً من مجلس الأمن- منبثقة من «مؤتمر أصدقاء سورية» لمتابعة كل مساعدة ممكنة للشعب السوري وتنظيمها، فقد أدرك المجتمع الدولي أخيراً، وبفضل انفضاح الانحياز الروسي-الصيني، أن النظام وحلفاءه يسعون الى أزمة طويلة ولا يريدون حلاًّ سياسياً كما يدّعون، وإلا لكان الحلفاء أقنعوا النظام بأن هذا الحل لا يستقيم بتكليف لفيف من الموظفين إعداد الدستور وغيره من الاصلاحات (بمعزل عن مضمونها). فبهذه الطريقة استغفل النظام حلفاءه، وإذا بهم يحاولون بدورهم استغفال العالم، فيخرج الروسي لافروف، ومن بعده الصيني تشاي جون ليقولا إن الرئيس السوري لديه «خطة للإصلاح»، وإنهما يؤيدانها. لكنهما يتجاوزان -مثله- أن القتل والتدمير المستمرين منذ ما يقرب من السنة انتزعا من هذا الرئيس أهلية الحديث عن الاصلاح، لذا لم يعد لديه سوى التلويح بورقة التقسيم، الذي يرفضه الشعب كما يرفض نظامه

 الحياة – الخميس، 23 فبراير 2012
http://international.daralhayat.com/internationalarticle/365826