شهادة الدكتور ملاذ الأتاسي في البرلمان الأوروبي 2 أيار 2012

Article  •  Publié sur Souria Houria le 23 juin 2012

شهادة الدكتور ملاذ الأتاسي في البرلمان الأوروبي 2 أيار 2012

شكراً جزيلاً لكم. أريد أن أصحح خطأً ورد في الترجمة الإنكليزية: في الحقيقة إن ابنه فقط هو الذي مات في الحادثة ولم يمت أحد آخر، بينما أصيب آخرون إصابات بالغة. فمن بين الأشخاص المصابين والمسعفين، لم يمت أحد غير ابنه في تلك الحادثة.

في البداية أريد أن أشكركم جميعاً على منحي الوقت والفرصة. فكصوت من سوريا، وشخص يعيش ليساعد البشرية، أتوقع من العالم أجمع أن يساعدنا في أشد أوقاتنا سوءاً. كما أنني أريد أن أنقل إليكم تقدير الشعب السوري الذي يقدر في هذا الظرف كل من يمد له يد المساعدة أو يقدم كسرة خبز لمساعدته.

أنا الدكتور ملاذ الأتاسي، طبيب، مؤسس وعضو مجلس إدارة مؤسسة الشروق السورية، وهي مؤسسة في الولايات المتحدة تعنى بمساعدة السوريين.

على الأرجح أن جميعكم قد شاهد المشاهد والصور المريعة على موقع اليوتيوب YouTube وشاشات التلفزة. ففي كثير من الأوقات، عبر لي الكثير من الناس عن عدم قدرتهم على مشاهدتها. فهي مريعة، وشنيعة، وعديمة الإنسانية لدرجةٍ لا يستطيع أحدٌ مشاهدتها، لكن الواقع أسوأ بكثير. ففي تقرير صادر عن الأمم المتحدة منذ عدة أيام، يورد أن أكثر من مليون ونصف إنسان سوري حالياً بحاجة ماسة للغذاء والمساعدات الإنسانية والطبية. إنها كارثة بكل المقاييس، مشكلة كبيرة نتوقع رداً عالمياً أشد صرامة عليها.

منذ بضعة أيام أو ربما أسبوعين، تلقيت اتصالاً من ناشط في حمص. وهي المدينة التي أنتمي إليها و أفتخر بهذا الانتماء. وكباقي السوريين، قرر أهل حمص منذ أكثر من عام، المضي قدماً في المطالبة بحريتهم وكرامتهم، والنضال حتى النهاية لنيلهما.

اتصل بي هذا الناشط من هناك وأخبرني بأن مدرسة تتسع لـ200 طالبٍ عادةً، يملؤها الآن أكثر من 1500 إنسان. فمياه الشرب غير متوفرة، ولا توجد مراحيض، ولا كهرباء، ولا أفرشة للنوم. ولديهم الأطفال الذين فقدوا ذويهم، والجرحى، والنساء المغتصبات، بينما لا تتوفر لديهم الأدوية، ولا الدعم الاجتماعي ولا الإنساني; إضافةً إلى أنهم يعانون من أمراض الجرب والإسهال، لعدم توفر أماكن للاستحمام. و أضاف أن ما يحدث في حمص كارثة بكل المقاييس. فلم أستطع إكمال الاتصال، وقلت له: “أرجوك توقف، لم أعد قادراً على الاستماع”. حتى الحقيقة لم أعد قادراً على سماعها.

كما اتصلت بي طبيبة نسائية منذ يومين، وكان يوم الجمعة قبل مجيئي إلى هنا من دمشق. فأخبرتني: “لدينا حوالي 2000 امرأة جاؤوا من مختلف أنحاء سوريا إلى دمشق، وقد تعرضن للاغتصاب. أصغرهن تبلغ من العمر سبع سنوات، وقد توفيت على طاولة غرفة العمليات. فالكثير منهن حوامل، والكثير منهن مصابات بمرض نقص المناعة”.

هؤلاء النسوة لا يحظين بالعناية الطبية الكافية، ولا الدعم النفسي، ولا الاجتماعي. والكثير منهن فقدن أهلهن، أو لا يعرفن مكانهم; أو فقدن أزواجهن، وربما أكثر من ذلك.

في كل يوم تأتي حافلات من عدة أماكن من سوريا تحمل معها أطفالاً فقدوا أهلهم. أيتام، أو ربما يكون ذويهم على قيد الحياة لكنهم فقدوهم في هذه الحرب. يفِدون إلى مركز مدينة دمشق ومن يريد أن يأتي ويأخذ طفلاً أو اثنين أو ثلاثة فذلك مسموح. في حين عدم توفر التوثيق لشيء (من يأخذ من)، فهناك فقدان للهُوية وليس هناك نظام للمتابعة. حتى أصبح لديهم حوالي 40000 يتيم حتى الآن، في سوريا.

عبد القادر، طبيب موجود الآن في لبنان، كان يعالج الجرحى في بابا عمرو في حمص، أصيب بطلق ناري في رجله اليمنى وتم نقله إلى خارج سوريا محملاً على أظهر الحيوانات. وقد كان محظوظاً بنجاته من عملية النقل تلك، في حين يقضي الكثير من الناس في طريقهم إلى خارج البلاد. الآن، قد يفقد عبد القادر رجله بسبب غلاء تكاليف علاجها، فالقيام بعملية بتر أقل تكلفة بكثير من توفير العلاج الطبي.

لا أستطيع لوم الدول المجاورة لأن حجم الكارثة كبير جداً، ولا نستطيع معالجة الجميع، ولكني أستطيع أن ألوم المجتمع الدولي للوقوف مكتوف الأيدي والمشاهدة دون القيام بأي شيء.

كطبيب، إنه من المخالف للقانون أن تساعد المرضى في سوريا الآن. فعقاب ذلك يكون القتل أو التعذيب أو السجن. وقد وثّقنا بالاسم والصورة والتاريخ حالات لأكثر من 50 طبيباً ومسعفاً فقدوا أرواحهم أثناء تأدية واجبهم. في حين تم اعتقال أكثر من 500 مسعف، وربما فارق أكثر من نصفهم الحياة حتى الآن. وفي أثناء عملية نقل الصحفي بول كونروي Paul Conroy من بابا عمر إلى لبنان بعد أن أصيب، قُتل أكثر من عشرة أشخاص في الطريق، عشرة أشخاص تركوا عوائلهم وحدها لإنقاذ رجل واحد لأنه كان يحاول إيصال الحقيقة إلى العالم. الناس في سوريا مستعدون للقيام بأكثر من ذلك لإيصال صوتهم.

إن السؤال الأهم الموجه إلى المجتمع الدولي: كيف يمكنك المساعدة؟ وما الذي يمكنكم ويمكننا فعله، لمساعدة الشعب السوري؟ أنا لست في مركز يسمح لي أن أملي ذلك عليكم. هناك الكثير مما يمكننا القيام به: رسمياً، لوجستياً، ودعماً.

إن السياسة أمرُ معقد، وأنا لست رجل سياسة، لكنني أفهم شيئاً واحداً: الإنسانية والأخلاق. الإنسانية تأتي أولاً، ويجب أن نخدم الإنسانية أولاً. عندما ترون أطفالاً، طفلاً صغيراً فقد والده عندما كان يحاول أن يوفر خبزاً لعائلته، وترون والدة ذاك الطفل تغتَصَب، ولا أحد يفعل شيئاً إزاء ذلك، يدور في فكر ذلك الطفل سؤال واحد: أين العالم؟

لقد أخبرني أبي بقصة عندما كان مراهقاً في سوريا، عندما كانت سوريا ترزح تحت الانتداب الفرنسي. كان أبي يتظاهر ضد الفرنسيين لينال الشعب السوري حريته. فاعتقل من قبل جندي فرنسي. فسأله أبي، “إلى أين تأخذني؟”

رد الجندي، “إلى السجن”.

فقال له والدي، “أليس عقاباً كافياً لي عدم وجودي أثناء الثورة الفرنسية لمساعدة الشعب الفرنسي على نيل حريته؟”. فعانقه الجندي الفرنسي وقال له، “اذهب واستمرّ في القتال من أجل حريتك”.

الحرية والإنسانية والكرامة، هذه هي المبادئ التي تقوم عليها وتمثلها فرنسا، وأوروبا، والولايات المتحدة. إذا لم يقم الغرب بأي ردة فعل تجاه نداءٍ إنساني، فذلك يعني أن الغرب قد فشل. أرجوكم لا تخذلونا ولا تخذلوا الشعب السوري. أرجوكم افعلوا شيئاً الآن قبل فوات الأوان.

 شكراً جزيلاً لكم.