شهداء سورية – مانيا الخطيب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 25 novembre 2011
شهداء سورية
لا أستطيع أن أصدق، أنني بقيت على قيد الحياة، حتى أشهد هذه الأيام المباركة.
مع أنني لم أدخل بعد في سن الشيخوخة ، إلا أن ما حدث، ويحدث في سورية… من معجزة شعبية بكل معنى الكلمة، يجعلني أقول ذلك.
من كان يصدق حتى الأمس القريب…أن حكم العائلة الواحدة في سورية، الذي يغطي نفسه بكل أنواع الماكياج، منها المقاومة والممانعة والوطنية، ومنها الحداثة والمعلوماتية…
ومنها الصورة المضللة، التي كان يرسمها بشار الأسد، الطبيب الشاب، وزوجته الأنيقة « المتحضرة » التي كتبت عنها في شهر آذار من هذا العام _ ما غيره_ مجلة فوغ تقريراً « مطنطناً  » سبب لها _أي للمجلة_ بعد برهة من الزمن، إحراجاً شديداً أدى إلى حذفه من أرشيف المجلة، بعد انكشاف الوجه الدموي الرهيب لنظام الحكم في سورية، الذي « فاجأ » سكان الكرة الأرضية كلهم ! ما عدا السوريين.
يكاد قلبي يقفز من مكانه من شدّة التأثّر، عندما أرى هذه الجموع في ساحات سورية تهتف، تغني، ترقص، تتماوج بحركة متناغمة سحرية.. يصيبني جمالها بالدوار….تعزف، تؤلف النكات، ترسم، تكتب في « كفر نبل » أروع لافتات رأتها عين، أو خطرت على بال، تعيد صياغة تاريخ مشرّف لنا جميعاً.
يخاطبهم لسان حالي بكلمات الأغنية: « أناديكم.. أشد على أياديكم… وأبوس الأرض تحت نعالكم… وأقول أفديكم »
من جهة ثانية القيادات الشعبية واللجان المحلية تنسق، تصمد، تصدر البيانات والرؤى، التي فاقت بعمقها، ونضوجها، ووضوح رؤيتها للمستقبل، كل التوقعات.. وتفوقت بمسافات، على أهم المثقفين والمفكرين.
نعم… انه الجيل الذي تحول عنده العالم إلى قرية صغيرة فأغدق علينا بسخاء.
وفي نفس الوقت لا تكف آلة القتل المجنونة، التي تجاوزت كل الحدود البشرية المعقولة، وآلة إعلام النفاق والكذب، التي أسستها عائلة الأسد عن الضرب، ذات اليمين وذات الشمال، محاولةً عبثاً ابقاء العائلة في الحكم.
أرواح طاهرة تزهق، جرحى لا يستطيعون مداواة آلامهم، معتقلون في سجون أبشع من القبور، تعذيب يحتاج لجيوش من الأطباء النفسيين لفهم دوافعه ولمعالجة آثاره … وفوق كل هذا وذاك « لاجئون سوريون »…….. يا للمأساة!
فبعد أن كانت سورية وشعبها، يستقبلان كل الشعوب المنكوبة، من القوقاز، الذي اندمج شعبها في نسيج سورية…. إلى الأرمن الذين يشكلون اليوم جزءً أصيلاً من الشعب بكوادرهم المهنية الفخمة، وصولاً إلى الفلسطينيين، واللبنانيين، و أخيراً العراقيين .. في حروب محمومة طحنت المنطقة، وجودوا في سخاء سورية وشعبها ملاذاً دافئاً.
نأتي الآن إلى يوم نشاهد مخيمات « اللاجئين السوريين »… شيء يسبب ألماً نفسياً لا يحتمل، خصوصاً أولئك من يفترشون البراري في لبنان، والويل لمن يقع في براثن عملاء عصابة الحكم في سورية هناك فقد « وقع وما حدا سمّى عليه » …
في هذه الفرصة التاريخية التي لا تتكرر، لفتح كل ملفات الإجرام السابقة، التي قضيت عمري وأنا أتساءل كيف أمكن طي صفحتها بإحكام، من بيع الجولان، إلى احتلال لبنان، إلى مجازر حماة، إلى غيرها وغيرها …وغيرها….ولفتح كل ملفات الإجرام المنظم الحالية لعصابة حكم آل الأسد ولفيفه، والتي لولا دماء الأبرياء والشهداء لم تكن لتنحل عقد ألسنتنا…
ولما أعاد السوريون اكتشاف سوريتهم، ولما أعادوا اكتشاف جمال شعبهم، حتى جمعت ووحدت هذه الدماء المباركة، السوريين في مشارق الأرض ومغاربها… ليفكروا معاً يتعارفوا… يتعاونوا، تمتلئ قوائمهم على الفيس بوك بالأصدقاء السوريين، بعد أن كانوا قوماً يشكون ببعضهم … يعصف بهم فقدان الثقة، والحذر المرضي.
هذه الدماء الطاهرة فتحت الأبواب جميعها، ومنها أبواب وزارات الخارجية حول العالم، وقنوات الإعلام لكل من أرادها وقصدها..
وبعد جهد جهيد، وشهور من المفاوضات الشاقة والعسيرة… ولد من رحم الثورة كياناً، ليكون جزء منه ذراعاً معاوناً، ممثلاً لها خارج سورية، حيث أن سورية، بلد يقع على هذا الكوكب… ولديه عضوية في منظمات إقليمية، ودولية يتم التعامل معها ضمن الأصول المتعارف عليها.
وقد قال الشعب كلمته، وخرج في أحلك ظروف يمكن أن يتظاهر فيها انسان ليرفع لافتات _وهو تحت النار_ ليقول، أن هذا الكيان_ الذي هو المجلس الوطني السوري_ يمثلني.
لا كلام يعلو على هذا الكلام..
ومع شدة صعوبة الظرف الذي تمر فيها الثورة والشعب الثائر، من عنف غير مسبوق… إلى بطء السلحفاة في تحرك العرب، إلى صمت دولي، إلى ذراع إيراني يمتد مروراً بالعراق إلى سورية وصولاً إلى لبنان، إلى دعم روسي، إلى تواطؤ إسرائيلي ….للمحاولة عبثاً الحفاظ على حكم مدللهم بشار الأسد ….. إلى غيرها من الصعوبات والآلام ….
وبالضبط بعد أن تحركت بشق الأنفاس جامعة الدول العربية، في خطوة إيجابية تدعم الشعب السوري وثورته…
يخرج علينا من هنا وهناك، بعض الأصوات السورية، التي لا تزيد إلا هذه الأوجاع والآهات التي مزقت قلوبنا.
مرّة للقول أنهم يعارضون التدخل الخارجي!! وكأن التدخل الخارجي ليس واقعاً بكل وقائعه وتفصيلاته…. بفصّهِ ونصّهِ!! من إيران، إلى روسيا، إلى غيرها من القوى التي يستجلبها بشار الأسد وأعوانه، ليساعدوه عبثاً على الاستمرار بالحكم…..
هل الشعب هو من يستجلب التدخل الخارجي؟ بل هل الغرب الممثل بأمريكا والاتحاد الأوروبي « مو مصدقين على الله حتى يتدخلوا »؟
ألم يبقوا لليوم متواطئين مع الأسد وعصابته، من أجل أمن إسرائيل؟
ألا ترون مثلاً أن قول كلينتون بالخوف من حرب أهلية، هو قول مسموم تساوي فيه الجلاد بالضحية؟ وكأنها تقول ليس المجرمون الوحيدين هم عائلة الأسد ولفيفها، بل أيضاً هناك أطراف أخرى تمارس العنف!!
أليس ما تقولونه، هو تحويل للأنظار عن التدخل الخارجي الحقيقي الحاصل، الذي تستجلبه عصابة الحكم ليساعدها في قتل الشعب السوري …
ألا تقدمون بقولكم هذا، خدمات لم يكن يحلم بها بشار الأسد وعصابته؟
!!!
ثم، تخرج علينا أصواتاً أخرى تقول، أنها تريد أن « توحّد المعارضة »
!!!
هل الأنشطة التي تقوم اليوم، لتنظيف سورية من هذه العصابة اسمها أصلاً « معارضة »؟
هل قبل كل هذا فك الحصار الخانق عن المدن السورية المنكوبة؟
إنها لمبادرة عجيبة حقاً!
وكأن كل مشاكلنا خلصت….. وكأن بشار الأسد وعصابته رحلوا عن الحكم!
وكأن المهجرين من البلاد عادوا إلى بيوتهم!
وكأن الجرحى تعافوا من آلامهم!
وكأنه تم تأمين مستقبل أسر الشهداء بحياة كريمة لا يحتاجون فيها أحد، أولئك الأبرار الذي دفعوا حياتهم ثمناً من أجل حريتنا، والذين تركوا وراءهم أرامل وأيتام وثكالى، لن يبرؤوا من آلامهم مدى الحياة.
وكأن الناس الذين يتضورون من الجوع، ويتجمدون من البرد، في حملة الإذلال التي تقوم بها عصابة الحكم، في افتعال أزمة المازوت والغاز…. قد أصبحوا ينعمون بالحياة الرغيدة!!
يكاد يغمى علي، كلما أستحضر صوت ذلك الشاب، الذي تحدث على « الجزيرة » من حماة، عن انعدام الخبز… وأن اثنين من إخوته استشهدا… وكان يقول « مش حرام نحنا مش روح »…. لا أستطيع التوقف عن التفكير بهذا.
وكأننا وجدنا إلى اليوم طريقة عملية، فعّالة، تدعم الجيش السوري الحر، الذي يسطّر ملحمة بطولية….إنه النواة لجيش وطني حقيقي، يدافع عن الشعب اليوم…. وسيدافع عن الأرض دوماً…. نحن نعرف عن ماذا نتحدث، إنها بطولة ما بعدها بطولة، وشجاعة ما فوقها شجاعة، أن يعلم هذا العسكري أو ذاك.. اي جحيم ينتظره إذا وقع في براثن عصابة الحكم… ومع ذلك، يقوم بدوره التاريخي المشرف… ليس هنالك ما هو أنبل وأرفع وأعظم من ذلك…
أليست المعارضة في علم السياسة، هي الجهة التي خسرت الانتخابات في بلد تسود فيه قيم الديمقراطية ؟
هل وصلنا إلى هذه المرحلة المتطورة، حتى نطلق مبادرات توحيد المعارضة ؟!
أتخيل مشاعر الغضب… من أهالي الشهداء، والمعتقلين، والمعذبين، والجرحى …. من هذه المبادرات!
وأتخيل كم يفرح، ويبتهج، ويقهقه، وليد المعلم، ومعه بثينة شعبان، وأمثالهم، بهذه الأفكار التي لا تصب إلا في مصلحة حكم المافيا العائلية.. الذين لا يزالون يستميتون، عبثاً في الدفاع عنها، بطرق أصبحت تحمل الكثير من الكوميدية…. ولكن ليس أكثر كوميدية سوداء، من هذا التوقيت الذي تختارونه لإطلاق مبادراتكم « التوحيدية » العجيبة!! كم شهيد، وجريح، ومعتقل، ومهجر، تريدون حتى تتحقق مبادرتكم؟
أعزائي السوريين في كل أنحاء الأرض أقول لكم:
إن هذه اللحظات الثمينة من أعمارنا، علينا أن تكون، قلوبنا…. أفكارنا… جهودنا… كلها مصبوبة في هدف واحد فقط لا غير …
إعادة سورية وخيراتها للشعب السوري…
لنستمتع معاً… بالكرامة والحرية، التي منحنا إياها شهداء سورية.. تذكروا جميع هؤلاء الأيتام، والأرامل، والمفجوعين بأولادهم، لن تتمكن بعض السكينة من الدخول إلى نفوسهم …إلا بعد أن تعيدوا الإعتبار للبلد الذي من أجله تعذبوا.. ويتعذبون..
أرجوكم اصمتوا قليلاً.. واعملوا كثيراً…
هذا المجلس عمله مؤقت، سيحل نفسه بشكل حتمي، بعد إنجاز مهمته الأساسية التي أعلن عنها…
لستم أنتم من صنع هذه الثورة، إذا أردتم اخدموها بإخلاص أو اصمتوا…!!
أرجوكم …..أصواتكم هذه تؤلمنا … ليس هذا وقتها! أنتم تشوشون، على جهود الشعب الثائر، وعلى صناع القرار في الشرق والغرب.
ليس هذا ما ينتظره الناس في سورية…… الناس في سورية، لديها رادرات فطرية عالية الدقة، للتمييز بين من يريد أن يخدمها، وبين من يريد استثمار تضحياتها..
أنتم كما يقول المثل الشعبي « عم تبيعوا المي، في حارة السقايين »
أرجوكم لا نريد أن نسمعكم.. أصواتكم حقّاً توجعنا… تطيل قليلاً، في عمر هذه العصابة الوحشية…
استعملوا جهودكم في الاتجاه الصحيح… في اتجاه مستقبل جميل ينتظر سورية… وشعبها الأسطوري العظيم.
23.11.2011