طائفتي سوري، لماذا؟ – *NationalityZero

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 août 2011

تكاد تكون تلك العبارة أكثر ما يستفرني منذ بدايات الأحداث في سورية وخاصة بعد أن أصبح البعض يستخدمها كصورة لبروفايله على الفيس بوك أو عند التسلح بها لإنهاء نقاش ما بعد أن يصل، بحسب المتحاوين، إلى طريق مسدود.

ماذا يضير أن تكون كاثوليكياً، علوياً، أرثوذوكسياً، سنياً، شيعياً أو حتى لا دينياً سورياً؟

لا أشك أن من يستخدم هذه العبارة إنما يستخدمها بدافع من حسن نية، لدفع أي إيحاء بانتماء طائفي. ولكن ما المشكلة في انتمائك لطائفتك وانتمائك لسورية في آن معاً؟ لماذا يُصر البعض على إلغاء تنوعنا؟ هل أصبحنا عاجزين عن قبول الانتماء الطائفي إلى هذا الحد، ونحن المتنوعون منذ الأزل.

ربما يقول أحدهم أنما دفعه إلى ذلك هو استخدام البعض للانتماء الطائفي بطريقة تُلغي أوتُضعف الانتماء إلى سورية. حسنٌ، هل الحل إذن أن نستسلم بهذه السهولة؟ هل نسمح لفرقة شاذة أن تسرق جزءاً من هوياتنا بكل بساطة؟ هل نسمح لهم باستخدامنا أو أن ننساق وراءهم لننكر ذاتنا؟ لا يا إخوتي، ما هكذا يكون الرد.

إن تلك الفرقة الشاذة -التي تسعى لنشر الرعب من “المستقبل المجهول” بين صفوف من هم بعرفها “أقليات”- هي الأقلية الحقيقية وهي الأقلية الوحيدة بالمعنى السلبي لكلمة “أقلية”.

أجزم أنني لست بحاجة إلى سرد الأمثلة الكثيرة الكثيرة من حياة سورية الاجتماعية عبر التاريخ والتي تدحض أي احتمال لوقوع سورية في فخ ذلك “المستقبل الطائفي الأسود”، فكلكم يعلم أكثر مني في هذا الخصوص. أما أنا فسأركز هنا على الواقع الذي نعيشه الآن فلعله يكون أكثر ارتباطاً بحالاتنا العاطفية والنفسية التي نعانيها في سورية اليوم.

ليس سراً أن بعض إخواننا المسيحيين الكرام يخافون من مستقبل تحكم سورية فيه دولة إسلامية متطرفة تطردهم “ع بيروت”، وهو الأمر نفسه الذي ترفضه الأغلبية الساحقة من مسلمي سورية الذين لن يقبلوا أن ينتقلوا بعد كل هذا النضال ضد ظلمات الاستبداد إلى ظلمات أشد حلكة. وليس سراً أيضاً أن بعض إخواننا العلويين المحترمين يخافون من قيام دولة “تشرد بهم من خلفهم”، ذلك بالإضافة إلى مخاوف أخرى مشابهة لدى شرائح متعددة من المجتمع، وقد لمسنا هذا في بعض الشعارات التي انحصر ذكرها على نقاشات الانترنت وفي المجالس العائلية وجلسات الأصدقاء نقلاً عن مظاهرات مزعومة. غير أن كل من سمعتهم يتناقلون رواية تلك الشعارات لم يستطيعوا الإقرار بأنهم سمعوها بأنفسهم خلال المظاهرات ولم يقدروا أن يثبتوا ذلك من خلال أي تسجيل صوتي أو مقطع فيديو موثوق حتى الآن، أي بعد ما يزيد على أربعة أشهر من انطلاق الاحتجاجات. ولم يعد مقبولاً على أيه حال تقديم أي شيء من هذا القبيل الآن بعد أن مُجّت تلك العبارات وغدت للكثيرين خرافة من خرافات الأولين. ثم إنه لو افترضنا أن ذلك حدث فعلاً، فضعف الرواية ومحدودية التكرار جديرٌ بإسقاط تلك الشعارات المعدومة الوزن. في المقابل نرى كل أسبوع عشرات الفيديوهات التي تصور اللافتات الداعية لوحدة السوريين والشعارت الرائعة التي تؤكد اصطفاف الجميع في خندق واحد.

أنا لا أطلب، بطبيعة الحال، من أحد أن يصطف إلى جانب الموالاة أو المعارضة، ولكنني أرجو من الذين يتخوفون مما سبق أن يمعنوا النظر في كافة أشكال الحراك القائم اليوم في سوريا؛ في حراك الشارع المعارض، في الحراك السياسي المعارض بمختلف أطيافه، في الحراك الموالي، وفي الحراك السياسي الموالي. هل بإمكانك أن تحصر أي شكل من أشكال الحراك تلك في طائفة واحدة؟ ألا ترتكز المعارضة السياسية في أهم تجمعاتها على مسيحيين وعلويين؟ وفي الوقت نفسه، ألا يشكل كثير من أبناء الطائفية السنية أهم دعائم النظام؟ ثم ألم تقرأ بعد شيئاً من مشاركات الكثير من الشباب المسيحي على الشبكات الاجتماعية ومساهماتهم في دعم حراك الشارع وتبريئه من التهم الطائفية البغيضة؟ أعجبُ من أين تسرب هذا الداء إلى السوريين.

أخي يا من تحسب نفسك أقلية، كاتب هذه السطور أخ لك فلسطيني لاجئ في سورية. أقلية في منطق الأقليات. ولعلي أملك أسباباً تجعل خوفي أكثر منطقيةً من خوفك. فأنا الذي تطرأ لذكري أحد رموز المعارضة حين قال أن الفلسطينيين يشغلون خمسين ألف وظيفة حكومية السوريون أولى بها منهم. ولا أخفيك أن تلك اللهجة جعلت الكثير من الفلسطينيين يتخوفون مثلك من المستقبل. ولكنني أثق بسورية. أثق بالسوريين. أثق بك. ومن ها هنا أقول لكم جميعاً ثقوا بشعبكم. ثقوا بالسوريين الذين لم يخذلوكم يوماً. لا ترتكبوا في سورية الخطأ الجسيم الذي ارتكبه كثير من الفلسطينيين الذين سمحوا لمختلف الفصائل بتقاسمهم من خلال العطايا المتمثلة بتأمين المسكن والمنح الدراسية والتمويل الخاص وما إلى ذلك من أشكال ’شراء الولاء‘، فبات أحدهم يشعر بالامتنان العميق للفصيل الذي “أمّن له مستقبله” إلى حدّ لم يعد يَسَعه عندها إلا أن يوافق على كل سياسات ذلك الفصيل حتى وإن تعارضت مع مصلحة الفلسطينيين العامة أو مع مصلحته هو شخصياً.

ثم انظر معي إلى حيك، إلى مدينتك، أينما كنت في سورية. ألا ترى أن تخوفك غير قائم على قاعدة صلبة؟ فهل يُحجِم أحد عن التسوق في مركز تجاري إذا كان صاحب المركز من طائفة مختلفة؟ وهل يستغني الطالب ابن المدينة عن أخذ دروس خصوصية عند مدرس متمكن لإنه قروي الأصول؟ وهل يمتنع كل السوريين عن التداوي لدى طبيب ماهر إذا كان لاجئاً فلسطينياً؟ وهل وهل وهل؟ فأي تخوف طائفي هذا الذي أنت تحسب له كل تلك الحسابات؟ ألا تر أن النسيج الاجتماعي متشابك لدرجةٍ لا تتيح انسحاب أيٍ من مكوناته؟

إخوتي، ليس لأحد فضل عليكم. إن كل ما تتمتعون به من موارد إنما هو ملككم أنتم، و لا يجب أن يشارككم به إلا إخوانكم وأخواتكم السوريين فقط. لا الحكومة شريكة في ذلك، لا الحزب شريك في ذلك، لا مجلس الشعب شريك في لك، ولا أحد غيركم أنتم. إنما وظيفة كل تلك الأجهزة أن تدير وأن تشرف على توزيع الثروة بينكم، لا أن تستغلها وتنهبها وتحرمكم أنتم وإخوانكم منها تحت عنوان المساواة. فالمساواة لا تكون إلى بعموم العطاء، لا بعموم الحجب والحرمان.

ليس لأحد فضل عليكم فأنتم أقدم على هذه البقعة المباركة من كل الأحزاب وكل النظم وكل السياسات، ولن يضيركم إلا أن تستسلموا لفكر مَرَضيّ يسعى البعض إلى غرسه لديكم ليكبح جماحكم ويزرع الخوف في نفوسكم ويفصلكم عن باقي مكونات مجتمعكم المتجانسة.

سأقدر موقفكم مهما كان، إن اتخذتموه بعد أخذ النقاط السابقة بالاعتبار، وسأدافع عنه مع باقي إخوتي حتى وإن خالف موقفي وسأستمر بحواركم  ونقاشكم لنحافظ على قاعدة مشتركة نبني عليها مستقبلنا معاً. ولكنها ستبقى حرقة في قلبي إن لم يكن وراء موقفكم إلا الخوف والخوف فقط.

في سورية، لم ولن يكون انتماؤك لطائفة ذات أقلية عددية سبباً لنبذك في مجتمع كان والداك ومن قبلهما جداك لبنة أساسية في تكونه. في سورية، الطائفة المنبوذة الوحيدة يجب أن تكون تلك الفرقة الشاذة التي تحاول صبغ الأقلية بصبغةٍ سلبيةٍ لترويج دعاية الخلاف الطائفي. ومالحل ها هنا إلا أن يضع أولئك الخائفون من المستقبل يدهم بيد أشقائهم السوريين؛ السوريين الاعتياديين الذين نصادفهم في كل شارع وكل جامعة وعند كل مسجد وكل كنيسة، ويبرهنوا للجميع صلابة تكوين مجتمعهم الذي ما فتئ عصياً على كل محاولات تفكيكه.

في سورية نحن بانتظار ولادة أقليةٍ سياسيةٍ معارضةٍ تغني الحياة السياسية وتنضم إلى كافة الأقليات الأخرى التي لطالما كانت مميزاً هاماً لكافة التجمعات الإنسانية ومكوناً رئيساً لا يستقيم المجتمع إلا بها.

في سورية، ثِقوا بالشعب… يا قرّاء مدونتي

NationalityZero