طبائعٌ سوريّة – مانيا الخطيب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 20 mai 2012
 
الشعب السوري، من خصائصه الجميلة، أنه يحب الحياة، الفنون، الموسيقا، والحياة الإجتماعية
 يحب السوريون التفنن بالملبس والمأكل، ويتنافسون في ترتيب بيوتهم وتأثيثها … يزرعون الياسمين والنارنج والحبق والجوري، وينغمسون في العناية بنباتاتهم
أظهرت ثورة الحرية والكرامة السورية إبداعاً أدهشنا جميعنا، من لافتات كفرنبل، إلى الزبداني، عامودا، إلى الحركات الشبابية المدنية التي جادت، وأغدقت علينا أفكاراً حلمنا
طويلاً أنها ترى النور
هذا إضافة إلى خفة ظل الشعب السوري وروح الفكاهة لديه، وقبل كل شيء الأنفة وعزة النفس .. التي تُروى عنها -خصوصاً هذه الأيام- قصصاً كثيرة
مع أن الثورة فاجأت الجميع، ابتداءً بالسوريين أنفسهم، بما فيهم الجاليات المنتشرة في أنحاء المعمورة .. وصولاً إلى صنّاع القرار الإقليميين والدوليين، إلّا أنني مبهورة بالمنظمات الإنسانية والإغترابية عالية الحرفية التي أنشأها السوريون، في فترة زمنية قياسية، وهم يعملون برشاقة ودأب رائعين
 كثيرون ودّعوا مهنهم الأصلية،  للانخراط في تقديم كافة أنواع الدعم للثورة المجيدة ..حتى أنهم يخترعون حلولاً،  بسبب عدم امكانية تسجيل منظمات في داخل سورية في ظل آلة الحكم شديدة الإجرام، فيتعاون سوريو الداخل مع الخارج، ممن يمكنهم بسهولة القيام بذلك النوع من المعاملات، خصوصاً ممن هم في أوروبا
لطالما كانت العلاقة بين المغتربين السوريين وبين أهليهم تتسم بسوء التفاهم الدائم. من جهة،  لأن خروج السوري من سجنه الكبير، وحصوله على « فيزا » أو إقامة عمل، هي حالة من الرغبة التي تحولت إلى حالة مرضية، لأنها أحياناً تكاد تكون مستحيلة المنال .. حيث شُوّهت صورة السوري في عهد الأسدين البائدين،  لدرجة أنها تحولت في بلدٍ جارٍ مثل لبنان إلى ما يشبه التهمة !! ومع ذلك فقد امتلأ البلد الصغير –  لبنان، بعد اتفاق الطائف، بعدد هائل من « العمال السوريين » في مشهد يقطّع القلب، ويصف كيف تحول جزء من السوريين – وبلدهم منهوب – إلى عمال مضطهدين، خصوصاً وأن طغمة فاسدة ومجرمة قد شوهت صورة الانسان السوري في أعين جيرانه، وجعلتهم يدمجون صورة الجلاد مع الضحية معاً
أتت هذه الثورة لتبلسم العلاقة بين سوريو الداخل وسوريو الخارج … وتجمعهم في مشهدٍ أضافت عليه الثورة الرقمية التكنولوجية لمسات فنية رائعة
من أقسى الجمل التي كانت تُقال للمغتربين السوريين عندما يريدون التعبير عن موقف ما: « انزل ع البلد وفرجينا حالك » وكأن كثير من السوريين  .. يتلذذون بأوجاع الغربة، وكأن كثيراً منهم لم يُرغم على ترك سورية
ومع كل ما ذكرته عن هذا الشعب العظيم، ورغم معرفتي أن السوريين يواجهون
1- آلة إجرام مروعة يرتكب فيها بشار الأسد وعصابته أشنع وأفظع جرائم الإبادة ضد الإنسانية
2- تحالفات إقليمية شديدة التلوث والسُّمّيّة تحاول منذ اليوم الأول أن تشوّه ثورتنا -حتى ممن يقولون بنصرة الشعب السوري، ولكنها نصرة « على كيفهم » الذي هو ليس أبداً نفس « كيفنا »
3- تربص من المجتمع الدولي للانقضاض واجهاض الثورة، وأخبث كلمة يستعملها « أطراف » النزاع!!! هذا عدا عن أن « القضية السورية » صارت مادة دسمة للانتخابات الرئاسية في الغرب 
وليس أكثر من أنه مؤخّراً حتى السيد بان غي مون بشحمه ولحمه « يعتقد » (من غير لا لجنة تحقيق ولا من يحزنون) أن « القاعدة تقف وراء تفجيرات دمشق الأخيرة » !!!
إلّا أنني،  سأورد هنا بعض الطبائع غير الحميدة – المفعّلة بشكل أساسي بعيداً عن ساحات الثورة الميدانية، حيث الأخلاق الرفيعة هي التي تبسط سيطرتها على الجميع-  والتي ساهمت -أي الطبائع غير الحميدة-  بعض الشيء، في تشتيت انتباه الشعب السوري، عن أقرب هدف من أهداف ثورة الحرية والكرامة وهي: اسقاط المجرم بشار الأسد مع عصابته عن سدة الحكم في سورية.
 إنها محاولة للوقوف أمام المرآة، فلا يمكن أن نصلح العيوب، إلا بوقفة صريحة وصادقة مع النفس، دافعها الأول: الحب غير المحدود ولا المشروط لهذا الشعب الأسطوري
– كما يسخر بعض الشعوب من صفاتهم السلبية، على سبيل المثال يقول التشيكيون:  » أن الحسد هي الرياضة القومية التشيكية » كذلك ..  أجرؤ على القول:  أن الرياضة الشعبية في سورية هي النميمة، وهذه الصفة السورية غير الحميدة، والتي حتى المغتربين يحملونها إلى مهاجرهم البعيدة معهم، أدت إلى تسبيب الكثير من الأضرار في هذه الثورة.
 حتى أن هناك،  من يعمل لصالح الثورة .. وبنفس الوقت،  يمارس النميمة، ضد من يعملون أيضاً لصالح الثورة ! حتى وهو يعلم علم اليقين أنها تؤذي وتضر بالهدف الذي يعمل من أجله  .. ومع ذلك يمارسها ويتعمد تشويه سمعة غيره، وهذه الصفة تعرفها حتماً المخابرات السورية الخبيثة وتتقن توظيفها بحرفية ..
يُحكَى حتى، عن مبالغ إغاثية بقيت حبيسة الجهات المتبرعة، لأن هؤلاء تلقوا الدسائس التي جعلتهم لا يعرفون لمن عليهم تقديمها
– الصفة الثانية، هي حب السيطرة، ومنها إلى… الوجاهة، وتضخم الأنا، وبعض الأحيان التشوهات النرجسية، وجنون العظَمة، وهذه الأمراض جزء منها له سبب انساني، وهي أن القمع الطويل وتلك الذات التي ظلت حبيسة لعقود…  انفلتت عند البعض بشكل عشوائي
ومن جهة أخرى فإن هذه الصفات، جعلت من العمل في الشأن السوري أمرٌ شديد الوعورة، تنتشر في أجوائه معارك المنافسة الكيدية، لدرجة أن بعض معارك « المعارضين » مع بعضهم … تكون أشد ضراوة ومرارة وقسوة،  من معاركهم مع الحكومة المجرمة  … والتي اسقاطها،  هو الهدف الأساسي الذي يجب أن تجتمع عليه كل الجهود، والتي بدورها تطرب-أي الحكومة المجرمة- أشد الطرب لهذه المعارك المجانية .
من أحد الطبائع السورية غير الحميدة – وهي قد ساهمت في تأخير الحراك الثوري للمدن الكبرى في سوريا، بل وقبلها ساهمت في مكوث عصابة الأسدين البائدين في الحكم طوال هذه المدة – وهي الأنانية و »المصلحجية »، وأذكر هنا بعض الأمثال الشعبية التي تختصر الشرح،
« اللي بيتجوز أمي بقول له يا عمي »
« إن حادت عن راسي بسيطة »
« كلب ينبح معك ولا كلب يبنبح عليك »
« الإيد اللي ما فيك تبوسها، عضها وادع عليها بالكسر » .. والخ .
لم يكن هناك ما هو أكثر ألماً … من رؤية بعض سكان الأحياء السورية،  يتنزهون، ويأركلون،  في نفس اللحظة والتوقيت .. التي تدك فيها أحياءً سورية أخرى عن بكرة أبيها.
أذكر هنا ثلاثة من الأمثلة،  التي هي وليدة الصفات أعلاه، والتي استنزفت جهوداً ما كان من داعٍ لها، حيث أنها تشتيت للانتباه عن خدمة الثورة، والعمل على نصرتها،
1- المبالغة غير البريئة في تضخيم ما يسمى « الخلاف » بين هيئة التنسيق الوطني لقوى التغيير الديمقراطي، وبين المجلس الوطني السوري، وكأنه ليس الجميع بالنهاية سوريين، ويحق لهم -كما هو الحال لدى كل أبناء الجنس البشري- أن يكون لديهم وجهات نظر مختلفة.
2- التركيز المبالغ به على ما يسمى « إعادة هيكلة المجلس الوطني » و « انتخابات الرئاسة » وكأن من يريد أن يعمل، يحتاج إلى ماهو أكثر من روح المبادرة فقط لاغير، وكأنه أيضاً هذه « الانتخابات » تجري في مكانها وزمانها الصحيح، وفي الحقيقة،  ما هي إلا تسيير وتدبير أمور بشكل مؤقت، لأنه لن يحلم أحد بعد اليوم،  بسرقة تضحيات الشعب السوري من أجل حريته وكرامته، فإن من أسقط بشار وعصابته المتوحشة، ليس بعاجزٍ عن أن يزيح، كل ما يمكن أن يعيق بعد اليوم تطلعاته إلى بناء مستقبل سوري كريم.
3- المبالغة في الشجار على أسماء الجمع، وكأن كل مشاكلنا قد انتهت وبقيت هذه.
في النهاية أحبّ أن أستعير قولاً لأحد الأصدقاء:  » أن هذه الثورة أسهل ما فيها هو اسقاط رأس النظام »
وحدها الحناجر التي صدحت للحرية والعدالة والكرامة، وحدهم من خرجوا بصدور عارية ليصيغوا ملحمة أسطورية في الاستبسال من أجل استعادة الانسانية المسلوبة …. من أجبرتنا جميعاً، على التخلص من عيوبنا، لنتخلص من الزيف والنفاق والمراءاة، ولنرم بعيداً … كل ما يبعثر جهودنا، حتى نقدّر جيمعنا معاً،  قيمة العمل الحقيقي النظيف، وأهمية التعاون، وروح المبادرة، والتواضع، والمثابرة، وغيرها …مما يلزمنا لنشمّر عن سواعدنا لترميم وتطوير بلدنا الحبيب، في ثورة مستمرة حتى تحقيق كامل أهدافها..
مانيا الخطيب
هلسنكي
18.5.2012