عائلات… – حازم صاغية

Article  •  Publié sur Souria Houria le 30 octobre 2011
هناك تعبير شهير: «عائلات عريقة». والعراقة التي تُنسب إلى تلك العائلات مصدرها، في أغلب الحالات، ملكيّة الأرض أو امتلاك مصالح تجاريّة أو صناعيّة رافقت ملكيّة الأرض أو تفرّعت عنها.
و«العائلات العريقة» لأنّها امتلكت هذا الموقع الاقتصاديّ، كانت منبع العمل السياسيّ فظهر في أوساطها السياسيّون. وللسبب نفسه، فهي كانت الأبكر في التعلّم والصلة بالفنون والثقافة.
وإذ مال العقل المحافظ إلى تمجيد تلك العائلات وإسباغ الأمجاد عليها، مال العقل الراديكاليّ إلى تحقيرها والتعامل مع مصدر قوّتها بوصفه نهباً محضاً.
كائناً ما كان الأمر، فإنّ سلطة تلك العائلات قد سقطت في جميع البلدان العربيّة: في مصر عام 1952 وفي العراق عام 1958 وفي سوريّا عام 1963 وفي ليبيا عام 1969. هكذا وصل إلى السلطة في هذه البلدان قادة كاريزميّون أو أنصاف كاريزميّين آتون من بيئات اجتماعيّة متواضعة. لكنّ هؤلاء، وبعد عبور المرحلة «البطوليّة»، خلّفوا «شرعيّة» ثوريّة أنتجت، بين ما أنتجت، عائلات حاكمة من نوع آخر.
في هذه الخانة يمكن أن نُدرج عائلات صدّام حسين في العراق وحافظ وبشّار الأسد في سوريّا ومعمّر القذّافي في ليبيا. فهؤلاء امتلكوا الأوطان والشعوب بمعنى يكاد يكون حَرفيّاً. ولئن تضاعفت على أيديهم أحجام النهب الذي نسبه الراديكاليّون إلى «العائلات العريقة»، فإنّ إنجازاتهم كانت، بلا قياس، أقلّ من إنجازات تلك «العائلات العريقة». يكفي هذه الأخيرة أنّها أسّست الدول والإدارات والتعليم والبُنى التحتيّة ممّا تهدّم معظمه على أيدي العائلات الثوريّة.
وفي انتظار اتّضاح المصير الذي سترسو عليه العائلة الحاكمة في سوريّا، يمكن القول إنّ نهاية العائلة القذّافيّة تحمل أوجه شبه كثيرة بنهاية العائلة الصدّاميّة. فهؤلاء أحلّوا الاستيلاء محلّ المُلكيّة: وحتّى لو كانت تلك المُلكيّة نهباً فإنّ القوانين ما لبثت أن نشأت لضبط هذا النهب وجعله، مع الزمن، أصعب فأصعب. أمّا مع العائلات الجديدة، فلا قانون عندها ولا من يحزنون. كذلك، بدل القمع الجزئيّ لحكم «العائلات العريقة»، والذي يقبل الاعتراض عليه والتظاهر ضدّه، بات القمع كلّيّاً شاملاً، كما بات المعترض عليه خائناً جاسوساً.
بلغة أخرى حلّت القوّة الغاشمة والنهب من دون قانون في ذروة السلطة، وكان التوريث أعلى أشكال هذا التملّك للبلدان وشعوبها. فإذا ما شئنا البحث عن شبيه لهذا النمط من السلطة، وجدناه في المافيا التي تقوم على رابطة دمويّة تميّزها عن سواها وتجيز لها التحكّم بهذا السوى ونهبه. بيد أنّ النمط المذكور أسوأ من المافيا كونه يتسلّم السلطة السياسيّة ولا يخاف سلطة أخرى، فيما يمنح نفسه شرعيّة يُحمل الآخرون على طاعتها والعمل بموجبها.
في الحالات جميعاً، فإنّ ما يبدأ برابطة الدم ينتهي بالدم. وهذا ما تقوله النهايتان المأسويّتان لعائلتين كاملتين تعرّضتا للفناء: عائلة صدّام وعائلة القذّافي.
لقد كانت «العائلات العريقة»، على كلّ عيوبها ونواقصها، أفضل بلا قياس.
الأسبوعية – 30/10/2011