عروضٌ مُغرية للقتل! – إبراهيم جابر إبراهيم

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 avril 2017

وصل العالَم إلى درجةٍ مفزعة من “اللامنطق”، ومن المحاكمات الغريبة.
بحيث يبدو القتل بالسلاح الكيماوي مُحرَّماً بشكل حاسم، فيما يمكن التهاون قليلاً مع القتل بقذائف الهاون !
ثم لاحقاً، أضيفت البراميل المتفجرة، أيضاً، الى نوعية الأسلحة التي تثير “قلق” العالَم المتحضّر.
لذلك قد يكون القتل ببنادق كاتمة للصوت نوعاً من الترف في مثل هذا الوقت وفي مثل هذه الحروب، .. وقد يتم التوصل لاحقاً الى تسوية مع السكان في بعض المدن تقضي بقتلهم بهذه الطريقة، .. ويخرج ممثلو المدن من الاجتماع فرحين بالاتفاق التاريخي !
لم يعد هناك ما يمكن استغرابه او استبعاده في ظل اللامنطق الذي يحكم العالَم.
فأنا لا أعرف الفارق تقنياً بين الموت بالسلاح الكيماوي والموت هرساً تحت جنازير دبابة، بل إنني أرجِّحُ أن الأول ربما كان أقل ألما ! وربما هو “ فارق سياسي” بامتياز؛ كذلك الفارق الذي يروّج له ناشطون شرسون يشجبون “ حكم العسكر” في مكان، ويؤيدون في مكان آخر “ حكم طبيب العيون” الذي أودى بنصف شعبه بين قتلى وأرامل ونازحين !
المحصّلة في النهاية هي تضليل الناس، والتحايل على “ العامّة” بخطاب يفتقر للمصداقية، ويقنعهم أن مصلحتهم هي “ العليا”، في الوقت الذي يتصارع فيلة العالم وأحصنته الكبيرة على امتيازات عريضة لا علاقة لها بحقن الدم أو وقف المجزرة!
وإلاّ فما هو الذي يدفع العالم كاملاً أن يقف على رِجلٍ واحدة احتجاجاً فقط على “ أداة الجريمة”، دون أن ينتبه لربع مليون قتيل سقطوا قبل ذلك، وآلاف يسقطون الآن، في مفارقة ساخرة؛ كما لو أن هؤلاء تعرضوا لموتٍ غير جاد!
الأمر ليس صعباً على العقل، ولا يحتاج الى عالِم رياضيات لحلّه؛ فما يزعج العالم “ هناك” هو أن ثمة أدوات للقتل تم احتكارها منذ عقود لصالح دول معينة لاعتبارات معروفة، وأن ثمة مناطق نفوذ تم تقسيمها أيضاً بين شرطيي العالم، وأن أحد هذين الشرطيين ضعف لعدة سنوات ويحاول الآن استعادة قوّته فوجد ما يحدث هنا مباراة جاهزة ومناسبة!
الأمر لا يتعلق أبداً بالعاطفة، ومثير للشفقة من يقرأ الأحداث من باب “ أنسنتها”، حيث لا عواطف ولا مشاعر في السياسة، والحليف القوي قد يصير خصماً ضارياً إن حصل على وعود مغرية أو تنازلات ضخمة من طرف آخر.
الشعوب في آخر الأمر ليست سوى ذلك العشب الذي يتضرر حين تتصارع الفيلة كما تقول الحكمة الصينية، لكن لا أحد ينتبه للعشب وكم بقي منه حين يقام احتفال الفيلة الكبير، وحين يجري توزيع الغنائم !
لذلك تبدو مثيرة للقهر هذه المباراة التي تدور هناك بين من يؤيد ومن يعارض، رغم أن كليهما لا يفكر، حين يفكّر، بمن مات ويموت يومياً بعشرات الأسلحة الأخرى غير السلاح الكيماوي، وكأن القتلى درجات أو أن الموتى بالرصاص والقذائف لا يستحقون الرثاء!
والمؤسف، والمحزن جداً أن ينجرّ الناس لهذا الخطاب المضلل وينساقوا للفارق، وللتعامل مع السلاح الكيماوي على أنه الخطر الحقيقي المنتظر في تهاون غير مباشر مع دماء أكثر من ربع مليون قتيل بالرصاص الحي!