عشرة أسئلة لزياد ماجد حول « الثورة اليتيمة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 26 février 2014

لنبدأ بعنوان الكتاب. ماذا تعني بعبارة « الثورة اليتيمة »؟
اخترت هذا العنوان (الذي استخدمه فاروق مردم بك في أحد مقالاته قبل عامين) لأنه يصف برأيي حال الثورة السورية بدقّة. فهي ثورة لم تحظ منذ انطلاقها بالدعم أو التضامن الكفيلين بنُصرتها، أو على الأقلّ الموازيَين لحجم تضحياتها ولحجم الأهوال التي لحقت بالشعب السوري جراء ردّ النظام وحليفيه الإيراني والروسي عليها.

 

ويكفي أن نقول اليوم إن 130 ألف قتيل وأكثر من 150 ألف معتقل و8 ملايين مهجّر وقصف كيماوي وجوّي وصاروخي وصوَر عن « صناعة الموت » داخل السجون الأسدية، جميعها، لم تحرّك ردود أفعال شعبية وحكومية قضائية وديبلوماسية وعسكرية على قدر المسؤولية في العالم، لنفهم معنى اليُتم ومعنى ترك شعب يواجه آلة قتل شديدة الوحشية وغنيّة التجهيز.
ولماذا هذا التخلّي برأيك، أو هذا الموقف الدولي المتفرّج؟
للأمر عدّة أسباب حاولت شرحها في الكتاب. فيها واقع العلاقات الدولية اليوم، وفيها المصالح الإقليمية المتضاربة، وفيها تراجع الاهتمام « الغربي » بالشرق الأوسط، وفيها تقدّم المذهب الثقافوي الذي يحمل في طيّاته عنصرية تجاه منطقتنا ترى في العنف أمراً « عادياً » في سلوك جماعاتها، وفيها « إسلاموفوبيا » يكفي أن يقتنع معتنقوها أن الإسلاميين هم بديلٌ لنظام يظنّونه رغم استبداده علمانياً تقدّمياً حتى يتموضعوا دفاعاً عنه أو حياداً تجاه جرائمه. وفيها أيضاً أتباع « نظريّات المؤامرة » وهم كثر، ويفسّرون العالم بوصفه مجموعة مكائد تقع في مصيدتها شعوبٌ بأكملها!

 

صورة الغلاف لافتة. ما سبب اختيارها؟

الصورة هي بعدسة « شاب مزّاوي ». وأجدها معبّرة جداً، إذ تُظهر تعانُق أحياء يواجهون الموت خلال تشييع شهداء للثورة سقطوا في مظاهرات محلّتهم، المزّة. وفيها أيضاً حركة وانسجام بين أجساد متراصّة تتقابل صفوفها وتتموّج تماماً كما كانت الحال طيلة عام ونصف من الثورة. اختياري لها هو إذاً لهذين السببين، وهو أيضاً تعبير عن تقدير وإعجاب بتجربة « العدسات » في سوريا (المتّخذة غالباً أسماء مناطق) التي وثّقت الحياة والثورة على نحو مذهل.

تهدي الكتاب إلى « الناشطات والناشطين الإعلاميّين والقانونيّين في سوريا »… من هم هؤلاء، وأين هم من الثورة اليوم؟

 

هؤلاء هم الآلاف من الشباب والشابات الذين نشطوا منذ اليوم الأول للثورة في أكثر من منطقة. فنظّموا التظاهرات والاعتصامات وشاركوا في تشييع الشهداء وصوّروا بهواتفهم المحمولة وبكاميراتهم الأحداث من حولهم، وعملوا في الدفاع عن المعتقلين ثم في توثيق الانتهاكات وفي تسجيل قوائم الشهداء وفي الكتابة الدورية عن الأوضاع السورية وعن السجون كما عن الفرح باكتشاف القدرة على التعبير والكتابة الحرّة.

 

وهم عملوا أيضاً على رفع الصور والأفلام في مواقع التواصل الاجتماعي وزوّدوا بها محطات الإعلام وأصدروا البيانات الدورية والتقارير وسمحوا لنا بمتابعة مجريات الثورة مؤسّسين بالتالي ذاكرةً سورية ومانعين نظام الأسد والنسيان من ابتلاع وجوه الناس الذين قضوا أو الذين نهضوا من أجل انتزاع حرّيتهم والدفاع عنها. علماً أن المئات من هؤلاء الناشطين دفعوا حياتهم ثمناً لذلك، والمئات الآخرين هم اليوم في السجون أو في المنافي أو في حياة التخفّي، ومعظم الذين ما زالوا قادرين على العمل بينهم يستمرّون في مهامهم، أو يعملون في مجالات تنموية أو إغاثية. لكن طبعاً تأثيرهم القيادي في مسار الثورة تراجع منذ صيف العام 2012 بعد أن تحوّل الكفاح المسلّح الى العامل الطاغي في مواجهة النظام.
تبقى إشارة الى أنني حين أنهيت الكتاب في آخر تشرين الثاني 2013 لم تكن رزان زيتونة، وهي التي في عملها تجسّد كل ما ذهبت إليه آنفاً، وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم حمادي قد خُطفوا بعد. وخطفهم هو بالنسبة لي من أكثر الأحداث قساوة، لمدلولاته ولموقع حدوثه (في دوما في قلب الغوطة الشرقية) وللمسؤولية المعنوية (وعلى الأرجح أكثر) عن خطفهم التي يتحمّلها فصيل عسكري (إسلامي) كبير يسيطر على المنطقة. لذلك عدّلت الإهداء في النسخة الفرنسية التي ستصدر بعد أسابيع في باريس، فصار « الى رزان وسميرة وفائق المير ». والأخير لعب أدواراً هامة جداً في الثورة، وسبق وأمضى إثني عشر عاماً في سجون الأسدَين، واعتقله النظام في 7 تشرين الأول 2013.
لكن هل ما زالت تسمية ثورة تصحّ اليوم لتوصيف الصراع في سوريا؟ وهل يمكن القول إن الثورة سُرقت كما يردّد ناشطون سوريّون من الذين ذكرتهم للتوّ؟

 

يتكرّر هذا السؤال، وسبب تكراره برأيي تعريف « مثالي » للثورة باعتبارها تمرّداً عاماً نبيلاً وسلمياً على نظام ظالم. لكن التعريف هذا منافٍ تماماً لتاريخ الثورات.

 

فالثورات فيها عنف، وفيها انتهازيّون، وفيها تبدّلات في النخب القيادية، وفيها أخطاء، وفيها – حين تكون جذرية كما هي الثورة السورية – إخراج لأحشاء المجتمع بأبهى ما فيه وبأبشع ما فيه أيضاً. الثورة إذاً ما زالت قائمة ومستمرّة، ودخولها الكفاح المسلّح دخول تراجيدي فرضته همجية النظام واستقالة « المجتمع الدولي » من مسؤوليّاته، ولا شكّ أن هكذا دخول يعدّل الكثير من الأمور ويدفع بأمراء حرب الى الواجهة، خاصة حين يطول، ويُتيح للاعبين خارجيّين التدخّل وبناء النفوذ وشراء الولاءات وتصفية الحسابات.

 

وهذا كلّه يجري اليوم في سوريا، لكنّه لا يغيّر من جوهر الصراع مع نظام استبدادي يستعبد الناس، ولا يغيّر من جوهر النظام نفسه ومن فاشيّته التي يترجمها عنفاً مهولاً كل يوم. أمّا الحديث عن سرقة الثورة فلا معنى علمياً له. وإن كان المقصود هو طغيان الإسلاميين وممارساتهم، فالأمر مردّه حضورهم العسكري وقتالهم، وجلّهم من الأرياف السورية وضواحي المدن المهمّشة.

 

أنا أتحدّث هنا بالطبع عن إسلاميي الثورة وليس عن داعش أو عن الجهاديّين الوافدين من الخارج الذين لا علاقة لهم بالقضية السورية والذين قاتلوا الثورة ونكّلوا ببعض أهلها – لا سيما في الرقة – أكثر بكثير ممّا قاتلوا النظام، المسرور أصلاً بوجودهم…. وهذا في أي حال شأنٌ يستحق البحث المتأنّي وأظنّ أن الباحثين السوريّين هم الأكفأ للقيام به.

تذكر في كتابك أن مواقف قسمٍ من اليسار المعادية للثورة غير مفاجئة. بأي معنى هي كذلك؟

 

حاولت أن أشرّح مواقف بعض القوى اليسارية المناهضة للثورة السورية، في البلاد العربية – لا سيّما سوريا ولبنان – كما في بعض الدول الغربية. وما ذكرته بعد ذلك، أنه وعلى عكس صدمة كثر من الأصدقاء السوريّين بمواقف قوى وشخصيات عربية يسارية، فإن الأمر غير مفاجئ لأنّ هذه القوى والشخصيات لم تجعل الحرّية والديمقراطية مرّة في صلب أولويّاتها، ولأنّ نظم المعسكر الشيوعي التي كانت قبلتها (من الاتحاد السوفياتي الى الصين فكوريا الشمالية) كانت أيضاً قبلة النظم الاستبدادية العربية التي بنت مؤسّسات أمنية وقمعية مستوحاة من الستالينية وأخواتها.

 

أما في الحالات اليسارية الغربية، فالسبب مرتبط بنظرية المؤامرة وبالتذرّع بالخوف على المنطقة من التمزّق لصالح الإمبريالية ومصالحها النفطية، وبالعلمانوية المفرطة المعادية للإسلاميّين (والمستثنية حزب الله وإيران من هكذا تصنيف نتيجة استهدافهما بحسبها من واشنطن).

ما هو أثر الثورة السورية لبنانياً؟ وما تبعات تدخّل حزب الله العسكري في القتال الى جانب النظام السوري؟

 

لم يتبلور الأثر كاملاً بعدُ. فهناك حالة تخبّط سياسي، وهناك حسابات وأوهام لدى معظم القوى الحزبية، ولو أنها بدأت منذ أشهر تتشارك في الخشية من مسار الأمور أمنياً. وهناك مليون لاجئ سوري في لبنان، مع ما يمثّله الأمر من تحدّيات إقتصادية وخدماتية، وما يتسبّب به من سفاهات عنصرية أو ما يثيره من نبل تضامن وتعارف وعمل مدني مشترك لبناني سوري.

 

أما تبعات تدخّل حزب الله فكانت تصاعداً في الاحتقان السياسي والمذهبي لفترة، وها هي تتحوّل منذ أشهر الى تفجيرات إجرامية تطال مدنيّين في مناطق ذات صفاء أو شبه صفاء شيعي. وعلى الذين ينفون ارتباطها بمعارك الحزب العدوانية داخل سوريا أن يشرحوا لنا ولجمهورهم لماذا لم يشهد لبنان ما يماثلها مرّة واحدة منذ اغتيال الحريري عام 2005 ولغاية غزو القصير عام 2013. وأخشى أن الآتي أعظم…

كيف ترى تطوّر الأوضاع في المستقبل القريب؟

 

لست متفائلاً بتبدّل نوعي، لأن فرص إنهاء المأساة السورية والإطاحة بالنظام الفاشي فوّتها « المجتمع الدولي » عامي 2012 و2013. لذلك، أظنّ الأمور ستستمرّ بين مدّ وجزر ومراوحة عسكرية وسياسية الى أن تنضج تسوية دولية لن يكون الأسد جزءاً منها في أي حال (وهذا ما يؤخّرها روسياً).

 إن سألناك ما هو أبرز أمر حقّقته الثورة السورية حتّى الآن، بماذا تُجيب؟

 

إستعادة « سوريا المجتمع »، و »سوريا الناس ». فسوريا بمعزل عن الوضع الراهن وعن مآلات الأمور في المقبل من الأيام لم تعد مجرّد حدود و »جيوستراتيجيا »، كما أرادها حافظ الأسد، وكما سمّاها هو وابنه من بعده، « سوريا الأسد ». لم تعد ملكاً لهما، تعيش خارج الزمن الذي أرادا إلغاءه بشعارهما الدميم « الى الأبد »… على أن كلفة ذلك كانت باهظة بالطبع، ومرعبة.

السؤال الأخير شخصي: ذكرتَ مرّة في صفحتك على الفايسبوك أنك تنتظر سقوط النظام لتعود الى حياتك الطبيعية والى كرة القدم. ما الذي تغيّر فيك وفي يوميّاتك منذ آذار 2011؟

 

منذ بدء الثورة السورية، تغيّر الكثير في حياة كل المنخرطين فيها أو المتابعين لها، وأنا منهم. من السجال مع أعدائها وبعضهم صاروا « أصدقاء سابقين »، الى متابعة ما يُكتب عنها، الى استحداث صفحة على الفايسبوك بعد اندلاعها بثلاثة أشهر وبعد تمنّع سنوات قبل ذلك خوفاً من هدر الوقت، الى التعب من كمّ الانفعالات العاطفية نتيجة المشاهد المتلاحقة القادمة من سوريا أو من جوارها حيث اللاجئين، الى التواصل مع الصديقات والأصدقاء السوريين، الى فقدان أحبّة أو الخوف على الآخرين، وصولاً الى تراجع متابعة كرة القدم التي كانت علاقتي شبه الوحيدة بالتلفزة. كلّ هذا أثّر كثيراً على يوميّات الحياة. لذلك قلت ممازحاً إني أتوق لانتصار الثورة كي تعود الحياة الى « طبيعتها »، وكي أستفيد من إشتراكي في القنوات الأوروبية المختصّة بكرة القدم، والتي أهملتها مؤخّراً…

source : https://now.mmedia.me/lb/ar/10questionsar/536194-عشرة-أسئلة-لزياد-ماجد-حول-الثورة-اليتيمة

date : 20/02/2014