عنادنا أقوى من ألمنا – رزان زيتونة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 17 mars 2013

عزيزي أحمد…

لم يتغير الكثير منذ رحيلك قبل شهرين. عدا أننا نحتفل بالذكرى الثانية للثورة بدونك. بعض أصدقائك المقربين رحلوا مؤخرا إلى حيث ترقد الآن. لست بحاجة لإخبارك على أية حال.
لا يزال معدل القتل اليومي على حاله من الارتفاع. ولا تزال الحسرات على حالها. ولم نعد ندرك هل تأقلمنا مع الموت أم فقدنا الإحساس به، أم أن عنادنا فقط ما يمنحنا القدرة على الاستمرار بصحبته.
لا تزال الصواريخ والقذائف تنهال كقيء تنين على المدن والبلدات. باستثناء « السكود » لا اختلاف في عددها وطريقة هبوطها وانفجارها في الأجساد وبها. « السكود » يخوض رحلة طويلة قبل أن يصل، يتاح للإعلاميين خلالها إصدار خبر حول لحظة انطلاقه وإلحاقه بخبر آخر حول لحظة هبوطه. عابر للمدن وأحلامها ونكباتها. وهو حين يسقط، يبتلع كل المكان ثم يعيد لفظه من أعماق بطنه النتن، دمارا كبيرا. أعرف أنك لا تحتاج لشرح ماهو « السكود »، لكن أحببت فقط أن أضعك في صورة آخر المستجدات!
أصدقاء كثر قرروا الرحيل عن سوريا مؤخرا. لكن آخرين قرروا العودة إلى المناطق المحررة. يوما ما ستتحرر دمشق يا أبو جابر ويأتي الأصدقاء من كل أصقاع الدنيا إليها. يعوضون عن غربتهم وغربتنا بحضورهم. حتى الآن لا يبدو هذا اليوم قريبا. حتى التفكير بقربه يرعبني. أنانيتي ترعبني، أن أرى مدينة أخرى تصير ركاماً. على أية حال، ليس القرار بيدنا.
خصوماتنا ونزاعاتنا لا تزال على حالها. قد تكون تطورت قليلا مؤخرا. الثورة في أولها أخرجت أفضل ما لدينا، ومع الوقت بدأت تخرج الأسوأ أيضا وبتزامن عجيب. لا ملامة.
تتذكر حالتك قبل الرحيل.. هي حالتنا جميعا اليوم. غاضبون ومتعبون ونكابر. نشعر أن الخراب أصبح فوقنا بعدة طوابق، ولا نعلم تماما ماذا نفعل في مواجهته. هل نتعايش معه؟ هل نكتفي بالاختناق ببطء؟ هل نحدث ثقبا في السقف؟
لا تغضب ولا تمتعض.. تعلم أن عنادنا أقوى من ألمنا، أو ربما يتغذى عليه. وتعلم أنني لا أتمكن من مغالبة طبعي النكد.. فهنالك دائما ما يبعث على نسمة فرح. صديقك علاء لا يزال صامدا في داعل، لا يمل من رفع لافتة « سوف نبقى هنا » ونقلها من ركام منزل إلى آخر لالتقاط صورة. علاء مدهش، ويغيظني بأنه لا يتعب ولا يشعر باليأس للحظة، وكأن الحرية على بعد ثوان منه ومنا. يوبخني كلما زادت كآبتي ويشعرني أننا بدأنا بالأمس فقط. وأسامة من داريا لا يزال ينتقد العسكرة والأخطاء لكنه يجعل لكل شيء معنى ومنطق، ولا يزال النقاش معه من أجمل ما يمكن أن يحدث مع ثائر متعب. جلال وعادل يهدونك السلام ولا يزالون كما عهدتهم. وياسمين حققت حلمها بدخول سوريا أخيرا. أبو عاصي لا يزال يضع صورتك على بروفايله، وجميع الشباب والصبايا في مكتب الحراك لا يزالون هنا، مهما قسونا على أنفسنا وبعضنا، لا يعيننا على الاستمرار إلا وجودنا سويا.
والآن دورك يا صديقي، هل تحدثنا قليلا عنك وعمن قدموا إليك مؤخرا؟ هل الرؤية من حيث أنتم أكثر وضوحا مما هي هنا؟ فمن موقعي، الرؤية ضبابية، لا أرى إلا وجوهكم، وظلال حلمنا الذي منه انطلقنا..

http://www.almustaqbal.com/storiesv4.aspx?DonotshowOtherImages=1&storyid=563231