عندما يبكي الرجال – * لينا موللا

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 août 2011

في مخيلتي مشهد لجنود إسرائيلين يضربون فلسطينياً بأكعاب بنادقهم فيكسرون ساعده
لصبي صغير يحتمي بجسد والده من رصاص الغدر فإذا بطلقة تنفذ جسده فترديه قتيلاً، كان إسمه محمد الدرة وأبيه يترنح غير قادر على الحراك .
في مخيلتي جرافة إسرائيلية وهي تهدم منزلاً فلسطينياً ، وبجانبه اصطفت عائلة عربية تتأمل ملكها تتحول دماراً وتنفذ صورة دمعة تنهمر واضحة رغم ستارات الغبار.
في مخيلتي قذائف مدفعية سورية  تتساقط على مدينة سورية فتهدمها وتحيلها إلى ركام وسط صمت عالمي غير مفهوم.
صور لعشرات بل مئات الجثث المنتشرة في الأزقة لأناس قتلوا دون أن يتمكنوا من الهرب والنجاة بحياتهم وقد طالتهم شظايا لقذائف كان يفترض أن توجه إلى عدو يقطن في الجهة الأخرى.
مشهد لمجموعة من الجند بلباسهم العسكري يحاصرون مدينة درعا السورية في هيجان هسنيري ، يطلقون النار على خزانات المياه ليعطشوا سكانها وهم أخوتهم، يحاصرون لتمنع عنها الخبز والدواء وحليب الأطفال وكل همهم إركاع أهلهم بعد تجويعهم هكذا يفهمون الانتصار.
هؤلاء العسكر ذاتهم يقتحمون المساجد بعد أن تحولت إلى مراكز إسعاف فتقضون على من يجدوه حياً، لتتركوا هناك أسلحة صنعت في معامل الدفاع السورية وتصورها كاميراتهم على أنها الدليل القاطع على انتصار مزعوم على عصابات أصولية.
مشهد لقوات سورية منتشية بحقدها تدخل مستشفيات سورية فتعتقل الأطباء بتهمة معالجة جرحى سوريين وتطلق النار على  من ينزف لتحيله جثة هامدة.
لمجموعة  جنود الجيش السوري يحطمون السيارت والملكيات الخاصة ويسرقون البيوت بعد تحويلها غلى خواء.
يخطفون الأولاد من أهليهن فيعيدون أغلبهم جثث هامدة، بعد أن تطالهم تهم خيالية.
مشاهد لأطفال سوريين بعمر الورد مثل بهم  في تعذيب لا قدرة لإنسان على تخيله فما بالكم بعذاباته.
مشهد لقاطرات من الجثامين لا تنتهي، والرصاص ينهمر على المشاركين بها، في طقس حزين وغريب حتى تلد الجنازة جثامين أخرى وكأن الحزن والأسية قدر لشعب لا ذنب له سوى أنه ينتفض لحقوق بديهية.
مشهد لمدن سورية محاصرة تدك بالمدفعية ومآذن تتهاوى ودور عبادة مهدمة و قد سلخ عنها هدوءها وأمانها.
مشهد لتهجير وحشي لآلاف السوريين والفلسطينيين،  وآخر لقوافل من المشردين المذهولين تاركين وطنهم وأهلهم يطاردهم الموت الأكيد، يعبرون الحدود جزعاً من رصاص صديق.
مشهد لرجال يتضرعون لله الخالق في السماء، يستنجدون بأهلهم وأصدقائهم، لكن المشهد يكمل مأساويته ويحاصرهم الموت الحاقد، فلا يحصدون سوى الصمت الكئيب.
وكأنهم كائنات من خارج العالم وكأن قدرهم أن يجلدوا وسط ردة فعل لا تتعدى الذهول.
مع مشاهد كهذه لا غرابة أن يبكي الرجال.
فهل ما زلتم تطيقون الصمت؟

قادمون
*صوت من أصوات الثورة السورية 16 آب 2011