عن الشعب والدولة – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 janvier 2014

يقطع وزير الإعلام السوري، عمران الزعبي، قبل أيام، بوجود « قرار شعبي سوري » بترشيح بشار الأسد في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ما يستدعي ابتداء السؤال عن ضرورة الانتخابات ودلالتها، طالما أن « الشعب » قرر سلفاً، من دون إفصاح عن الآلية وبغض النظر عنها أصلاً، أنه يريد الأسد رئيساً لسورية! أما السؤال الحقيقي، فيتمثل في: من هو الشعب فعلاً؟
على امتداد عهود الدكتاتورية التي وسمت تاريخ الدولة العربية عموماً منذ الاستقلال، كان واضحاً تماماً أن الشعب ليس إلا مؤيدي الحكام وأنظمتهم. وبذلك، تكون قرارات هؤلاء الحكام تعبيراً عن « إجماع » من تقرر أنهم مواطنون دون غيرهم، فلا مجال أبداً حتى للحديث عن معضلة « طغيان الأغلبية »، التي استخدمت فقط في زمن « الربيع العربي »، وفقط ضد الإسلاميين من الحكام الجدد. وبفضل سياسة الشعب « المنتقى » تلك، وليس سواها في الحقيقة، تم إنتاج شعوب الجماعات والطوائف التي تختبئ الأنظمة اليوم خلف مزاعم استئصالها باعتبارها « إرهابية »، أو حمايتها كونها « مستضعفة »، وذلك على حساب مفهوم « الشعب » ذاته الذي يفترض حمايته مجتمعاً، في كل دولة سليمة تستحق هذا الوصف.
وهذه النتيجة الأخيرة، تعيد في الواقع طرح مفهوم « الدولة » ذاته أيضاً.
فعن ذكاء يتضمن إشارات تحذيرية لمن يعنيه الأمر، أو انطلاقاً من صدق عفوي في تشخيص الواقع، لطالما أصر المواطن العربي/ الشعب على المماهاة بين النظام/ الحكومة وبين « الدولة »، مقصياً ذاته تماماً (المواطن/ الشعب) من التعريف البدهي لهذه الأخيرة، والذي هو باختصار: « شعب يقيم على إقليم معين، ويخضع لسلطة منظِّمة ». لكن سواء كان هذا الإقصاء عن ذكاء أو عفوية، فإنه كان يعني انهياراً حتمياً، ولو بعد حين، لركن من أركان الدولة المسلم بها، والتي لا تقوم إلا بها.
لكن إذ تحقق هذا السيناريو البشع في عدد من بلدان « الربيع العربي »، فقد بقيت الأنظمة ونخبها ومؤيدوها ممسكين على مبدأ إنكار الشعب.
وفق هذا المنطق فقط يكون مفهوماً استحضار الحفاظ على « الدولة السورية » -باعتبارها نظاماً ثم أرضاً فقط، إنما بلا شعب- مبرراً لدعم النظام هناك، من دون أي وجل أو خجل لا مما ارتكبه هذا النظام بحق الشعب السوري على امتداد عقود مضت، بل وحتى ما يرتكبه الآن من قتل وتشريد وإخفاء لملايين السوريين، بينهم رموز للمعارضة التي يعتبرها النظام ذاته « وطنية سلمية »! ووفق هذا المنطق أيضاً فقط، يكون ممكناً مواصلة دعم المذابح الجماعية بحق الشعب، مع الاحتفال ببقاء « الدولة السورية »، رغم تقسيمها فعلياً، أو جعلها ركاماً على أقل تقدير! ففي الحاضر كما في الماضي؛ الدولة هي النظام، والنظام هو الدولة! وتبقى سورية الدولة فقط ببقاء النظام وحده!
لكن الحقيقة الجامعة الجلية التي يمكن استخلاصها من « الربيع العربي »، بما يفسر نشأته وحتى تبايناته بين بلد وآخر، فهي: « الشعب أو لا أحد »؛ وأن الانحياز الصادق للدولة لا يكون إلا بالانحياز للشعب، كل الشعب، متمتعاً بكامل حقوقه وإنسانيته.