عن صبحي حديدي وجميل حتمل.. عمن رأى – زياد بركات

Article  •  Publié sur Souria Houria le 6 septembre 2012

اكتشف كثيرون ممن لا يحفلون بالأدب والانشغالات الفكرية أن ثمة كاتباً كبيراً كان يقيم بين ظهرانيهم اسمه صبحي حديدي، فمنذ طل الملوحي فثورة أطفال درعا وشبابها ونسائها وشيوخها وحديدي يواصل من دون كلل، بهدوء وجذرية، والأهم بزهد نادر عن استثمار الموقف، رصد وتحليل وتفكيك الأحداث في بلاده ومنظومة القوة التي تندرج فيها.

ولا أبالغ إذا قلت إن أهم المقالات الكاشفة لآليات الحكم في سوريا، وأهم مفاصلها وشخوصها وما يمثلون في التركيبتين الإجتماعية والسياسية، كانت من إنتاج ذلك الكاتب الذي لا يعرف كثيرون صورته، ناهيك عن أن كثيرين لم يسبق لهم أن رأوه قط على شاشات التلفزة.
ميزة ما يكتب أنه لا يتوقف عند السياسي بل يتعداه الى الثقافي بمعناه الشامل، ما جعله يرصد تفاصيل صغيرة رآها عن حق لا تقل أهمية عن تلك الكبيرة والحاسمة. كتب مثلاً عن شعارات الثورة في بداياتها، وبسط وحلل وأبرز أهمية الشعار الرئيسي للثورة، وهو « الشعب السوري ما بينذل » وشقيقه « الموت ولا المذلة »، معيدا الثورة الى أسبابها الأولى، فهي ليست ثورة جياع ولا مناطق ولا طائفة تعرضت للإضطهاد، بل ثورة شعب أُهين أكثر مما يجب طيلة عقود أربعة أو يزيد، وصودر وأُقصي وهُمّش ودفع الى مخابئ النمل وحكمته المؤثرة للسلامة حتى فاض الكأس فثار ولم يتراجع حتى يصل الى مُراده.
لسبب شخصي أربط بين حديدي والشيخ أحمد الصياصنة من جهة وبينه وبين رفيقه الراحل جميل حتمل، فمن بين من رأوا كان الشيخ الضرير الصياصنة، رأى شعبه يُهان وينتفض فأعلى صوته دفاعاً عنه، منحازاً الى دوره المفترض كرجل دين لم يتلوث بالسلطة، وهو ما فعله حديدي منسجماً من الدور الحقيقي لأي مثقف. ولم يعن هذا أن من كتب عن إدوارد سعيد أو تزتيفان تودورف أو محمود درويش يترفع على جاري إدعاءات البعض عما يكتسب طابعا شعبيا حتى لو كان مبتذلاً، بل ينغمس ليرى جمال الحياة نفسها وهي تتبدل وتثور وتنتقل.
لا نخبوية زائفة إذن، كما يحرص مثقفون سوريون على الإيحاء، ولا انفصال وإنكار للواقع كما ذهب آخرون لم نسمع لهم رأياً في مقتلة أبناء شعبهم بل تماه مع الواقع وإنفصال عنه لرؤيته أفضل وتغييره تالياً وقد تخلص من إرثه القديم. هذا ما فعله وفعله برأيي صبحي حديدي ونفر قليل وشجاع من مثقفي بلادنا سوريا.
في مطلع التسعينيات أتيح لأبناء جيلي في الأردن التعرف على ثنائي سوري ترك خلفه ذكرى عطرة وصداقات راسخة، هما صبحي حديدي والقاص الراحل جميل حتمل، تابع الرجلان تجارب أبناء جيلي نقدياً وصحفياً وأثريا تلك التجارب برؤاهما. أحدهما مات وظل شابا

وجميلا الى الأبد، ذلك أن الموتى لا يكبرون أبداً، أما الثاني فنجا وكان عليه أن يحمل جمال صاحبه وبلاده وأن يحميهما. كان الثاني هو صبحي حديدي وقد قام بما عليه فعله بوفاء وإبداع ومن دون كلل أيضاً.

http://www.filmirsad.com/opinions/%D8%B9%D9%86-%D8%B5%D8%A8%D8%AD%D9%8A-%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D9%8A-%D9%88%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84-%D8%AD%D8%AA%D9%85%D9%84-%D8%B9%D9%85%D9%86-%D8%B1%D8%A3%D9%89