عن مسألة ميشال سماحة – حازم صاغية

Article  •  Publié sur Souria Houria le 11 août 2012


إذا صحّت التهم الموجّهة إلى النائب والوزير اللبنانيّ السابق ميشال سماحة، وإذا صحّ خصوصاً أنّه اعترف بها، كنّا أمام حقائق ساطعة تنضح بالمعاني والدلالات.

أولى تلك الحقائق أنّ النظام السوريّ ينوي فعلاً تصدير أزمته إلى لبنان. فإذا كان «حزب الله»، بوصفه الحليف الوحيد الوازن لذاك النظام، يمانع في مثل هذا الاستيراد، ويتحسّب لأكلافه، جاز الافتراض أنّ المهمّة أوكلت إلى الحلفاء الصغار، كما أمكن الظنّ أنّ طبيعة السلعة المصدّرة ليست أزمة وطنيّة عامّة بقدر ما هي توتّرات أمنيّة موضعيّة لا يُستبعَد إفضاؤها إلى كوارث. وفي الحالات جميعاً، دلّت نيّة كهذه على طبيعة الودّ والحرص اللذين يكنّهما النظام السوريّ المأزوم للبنان واللبنانيّين.

ثانية تلك الحقائق، وبالنظر إلى موقع سماحة من الرئيس بشّار الأسد، أنّ توقيفه قد يقلّ إحراجاً، بالمعنى الرمزيّ، عن انشقاق رئيس الحكومة السوريّة السابق رياض حجاب. لكنْ فعليّاً، وتبعاً للدور العمليّ لسماحة في الجهد الحربيّ للنظام السوريّ، وأدواره الفرنسيّة وغير الفرنسيّة في خدمته، فإنّ اعتقاله يتعدّى الإحراج الذي شكّله انشقاق حجاب إلى هزيمة تطاول خطوط إمداد النظام المذكور وتفعيل علاقاته.

ثالثة تلك الحقائق أنّنا لا نتعامل، هنا، مع ديتليف ميليس والتهم الموجّهة إليه من الأطراف التي تمسك اليوم بالحكومة اللبنانيّة. إنّنا نتعامل مع طرف رسميّ لبنانيّ بما يُخرجنا من نظريّات المؤامرة إلى الواقع السياسيّ الفعليّ. وما يقوله الواقع المذكور أنّ قوى 14 آذار التي يمكن أن يؤخَذ عليها ألف نقد ونقد، لم تتورّط في أيّ عنف منذ اتّفاق الطائف. أمّا قوى 8 آذار فهي في أغلبها حالات تقاطع عريض بين السياسيّ والأمنيّ. وهذه حقيقة يُفترض ألاّ تمرّ مرور الكرام في نظام يسمّي نفسه ديموقراطيّاً.

ورابعة الحقائق أنّ سماحة، بفعلته تلك في حال صحّتها، يتجاوز السلطة التي هي سلطته. وهذا من الأعمال التي تذكّر بسلوك الميليشيات و «الفيجيلانتي» التي تظنّ أنّ الأنظمة البرلمانيّة لا يمكن أن تكون صالحة لإنجاز المهمّات التي ينبغي إنجازها، لأنّها محكومة بالسياسة وبتوازناتها، ولهذا ينبغي أداء هذه الوظائف من خارجها. إنّ في ذلك شيئاً من النيابة عن «العجز» الذي تنسبه الحركات الفاشيّة والمتطرّفة إلى أنظمة حليفة لها.

وخامسة الحقائق، وبالنظر إلى تقديم سماحة في بعض التلفزيونات بوصفه المحلّل الاستراتيجيّ والجيوبوليتيكيّ، أنّ ثمّة ما يوجب الحذر من هذه الشطارة اللفظيّة المسمّاة معرفة وتحليلاً أو فرعاً منهما، والتي تشيعها برامج تلفزيونيّة من صنف معيّن. ذاك أنّ «موضوعيّة» التحليل على الشاشة الصغيرة لا تلغي احتمال الانحدار، على الشاشة الأكبر للحياة، إلى سلوك لا يمتّ بمطلق صلة إلى ذاك المظهر «المحترم».

وأخيراً يبقى أنّ ميشال سماحة ليس فرداً بقدر ما هو حالة: ذاك أنّ الشابّ الكتائبيّ بالأمس هو الذي نقلته ذميّته العميقة إلى العمل مع «الأقوياء» والتظلّل بقوّتهم، علّه يتستّر على ذاك الشعور الحارق بالذميّة. وإذا كان سهلاً، في هذا العبور، إشهار العشق لـ «العروبة»، والعداء لـ «اليهود»، فأسهل منه ذاك التعالي على ملايين الضعفاء الذين يشبهونه ضعفاً، للتماهي مع قبضة من الجلاّدين. وهذا، كما نعلم، تيّار عريض في لبنان اليوم.

المصدر http://alhayat.com/OpinionsDetails/425577