فقط انظروا حولكم!- محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 18 décembre 2013

يتخيّل الصديق حازم الأمين في مقالته « رزان زيتونة في سجن الإسلاميين لا النظام »، أننا سنشاهد وفد النظام السوري في مؤتمر « جنيف2 » يحمل صور رزان، الناشطة الحقوقية المعروفة، ويطالب بإطلاق سراحها من سجن المجموعات الإسلامية. بالطبع، مثل هذا السيناريو كان بالأمس أقرب إلى الفنتازيا، وأصبح اليوم أمراً واقعاً!
ما الغرابة؟! ألم يكن الربيع العربي يؤذن بنهاية « القاعدة » وتكسير أيديولوجيتها، لكن ما لحقه من تطورات وثورات مضادة، وصراعات دموية، أعاد ضخّ الدماء في شرايينها (القاعدة)، ليس فقط في سورية، بل في المنطقة العربية بأسرها؟! وإذا لم تصدّقوا، فانظروا حولكم فقط!
تعيدنا هذه الهواجس إلى الخطاب الأخير الخطر للمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأميركية، مايكل هايدن (أمام مؤتمر الإرهاب في معهد جيمس تاون). إذ يضع ثلاثة سيناريوهات رئيسة لمستقبل سورية، أقّلها خطراً، على حدّ تعبيره، هو « انتصار الأسد ». بينما يستثني سيناريو انتصار المعارضة السورية.
ويرجّح هايدن السيناريو الثاني، بتقسيم سورية بين الفصائل المتقاتلة، وفق خطوط فصل طائفية وعرقية ودينية. ما يعني، عملياً، نهاية مرحلة « سايكس-بيكو » وتفتيت سورية، بل ما يتجاوزها إلى المحيط، وخصوصاً لبنان والأردن والعراق، وانفجار المشرق.
أمّا السيناريو الثالث، فيتمثّل في استمرار المعارك والصراع الدموي في سورية إلى فترة طويلة، يقوم خلالها المتطرفون الإسلاميون السنّة بقتال المتطرفين الشيعة. وهو سيناريو يحمل كلفة إنسانية وأخلاقية كبيرة جداً، على حد تعبير هايدن.
بمناسبة الحديث عن الكلفة الإنسانية والأخلاقية، وربما هذا آخر ما تأخذه الدول الغربية والعربية بالحسبان؛ فبالرغم من أنّ ما يطرحه هايدن ليس أمراً جديداً، إلا أن الجديد هو اعترافه بأنّ انتصار الأسد هو السيناريو الأفضل. وهو سيناريو، أيضاً، معقّد وفي غاية الصعوبة، وليس مطروحاً ضمن المعطيات الحالية!
عملياً، لم يعد الأمر بيد الأسد، ولا الجيش السوري. فالقائد الحقيقي في مسرح الأحداث هم الخبراء والمخططون الروس، وقاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، الذي ينسب إليه مقربون منه، وفق تحقيق مطوّل ومهم لمجلة « نيويوركر »، أنّه لا يثق بالجيش السوري وقدراته، وأنّه هو الذي أمر حزب الله بتحريك آلاف الجنود، وقاد بنفسه معركة القصير؛ وهو الذي يدير الميليشيات الشيعية المتطرفة في العراق، من لواء أبوالفضل العبّاس وحزب الله العراقي، ولديه مئات من الحرس الثوري ومن « الباسيج » يعملون تحت إمرته في سورية؛ وهو أيضا من قام بتنظيم شبيحة النظام السوري في تنظيم موحّد جديد يخضع لتدريب خاص!
على الجهة الأخرى، فإنّ الائتلاف السوري المعارض لم يعد يملك، بدوره، أي مساحة من النفوذ في أرض المعركة، بعدما انسحبت القوى الإسلامية من هيئة الأركان المشتركة، فيما يبدو الجيش الحرّ في حالة الاحتضار الأخيرة، مقابل سيطرة القوى الإسلامية المختلفة، سواء الجبهة الإسلامية (طابعها الغالب سلفي محلي)، أم جبهة النصرة أم « داعش » ومعهم الآلاف من المقاتلين السوريين والعرب والأجانب الذين يحلمون بالجنة وبإقامة دولة الخلافة الإسلامية.
المعركة اليوم في سورية تقع بين قاسم سليماني وقادة الميليشيات الشيعية من جهة، والبغدادي والجولاني وعمر الشيشاني من جهة أخرى. وهي معركة عنوانها التطرف والتكفير وقطع الرؤوس والقتل على الهوية، واستباحة الدماء. وهي وإن كانت معركة تدور رحاها في سورية، فإنّ امتداداتها تصل إلى المنطقة جغرافياً، بل وسياسياً!
في حال فشلت الشعوب العربية في تحقيق حلم الديمقراطية والدخول إلى المستقبل، فإنه ليس ثمّة خيار ثالث أمام هذه الشعوب؛ إمّا الانعتاق من المرحلة الهشّة المفكّكة الراهنة، أو الدخول في نفق الصراعات الدموية والتطرف. وليس بين هذين الاحتمالين بقاء الأسد أو ما يعكسه من صيغة مفكّكة بائسة للنظام العربي!