كأس للعالم من الدماء ـ سلام الكواكبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 juillet 2014

تُختتم قريباً مسابقات كأس العالم لكرة القدم في البرازيل بعد شهر تقريباً من المباريات التي جمعت فرقاً من أربعة أصقاع الأرض، ومثلّ المنطقة العربية فيها بلد وحيد هو الجزائر. وقد ألهبت مجريات هذه المباريات ألسنة وأفئدة الملايين من متابعيها ومحبي هذه الرياضة. كما أنها أثخنت جيوب شركات الدعاية ومحطات التلفزة ومؤسسات الرهانات على مختلف جنسياتها وأنواعها. وبدا جلياً بأن عيون أكثر اللاعبين المشاركين مع منتخباتهم الوطنية كانت مركّزة على شاشات الملعب الكبرى وعلى سماسرة الأندية الكبرى الذين تربّصوا بهم وحلّلوا لعبهم واحداً تلو الآخر.

من جانبهم، حاول بعض المثقفين إضفاء أبعاد سياسية وسوسيولوجية وانتربولوجية على اصطفافاتهم، حتى لا يبدون، كما خُيّل لهم، سطحيي الاهتمام. فنجحت هذه المحاولة حيناً وفشلت في أحايين. فاختار البعض تشجيع منتخبات الجنوب « النامي » على حساب الشمال « المستعمر ». أو أن يتمثّلوا بلاعب أسود « مضطهد » على حساب الأبيض « العنصري ». وفات على من شجّع فرقاً بعينها أن فشلها ستتحمله منفردة أما نجاحاتها فستستقطبها سلطات بلادها غير الديمقراطية.

في هذا الملعب العالمي المليء بالضجيج وبالفرح المؤقت وبالخيبات الآنية، وجد السوريون أنفسهم منسيين تماماً. واستمرت مقتلتهم « ازدهاراً » وتتالت أخبار « مقتضبة » تتحدث عن سقوط برميل هنا أو هناك، أو عن قطع رأس وصلب جسد هنا أو هناك. كما مرّت أخبار غرق وموت لاجئيهم في عرض البحر المتوسط مرور الكرام. وتغاضت وسائل الإعلام عن الإشارة إلى المواقف العنصرية لبعض الساسة في المنطقة العربية تجاه أصحاب التغريبة السورية. إنه إذاً مسارٌ يومي مأساوي فيه خليطٌ من الموت والبكاء والتشرّد والتدمير، لمأساة أجمع الموضوعيون من المراقبين على أنها الأكثر قساوة منذ الحرب العالمية الثانية.

لم يعد يُثر واقع « القيامة الآن » هذا اهتمام رأيٍ عام عالمي وجد في كأس العالم جرعة هروب تُشفي من ظمأ الهم الاقتصادي اليومي. ولا رأي عام عربي، هرب من مسؤوليته الأخلاقية نحو الحماس لمنتخب الجزائر والإشادة بتصريحاته المعادية لإسرائيل وشكره على تبرعاته لأطفال غزة المحاصرة. و لا رأي عام إسلامي، تغنّى وأشاد بصلوات اللاعبين قبل دخولهم الميادين. فهو أساساً لا يُمكن لحميّته أن تُثار إلا عبر رسومٍ كاريكاتورية « مُسيئة » لرموز دينية لم تطلب منه العزوة، أما مقتل الآلاف من أفراد الإنسانية، فمسألة فيها وجهة نظر.

بالمقابل، من عليه أن يحمل صرخة الإنسان السوري ويوصلها إلى الآخر المنهمك بهمومه أو بكرته أو برسومه، فهو مشغولٌ عن هذا كلّه إما بالصراعات الفيسبوكية أو التحزّبات الوقتية أو بالمماحكات التحضيرية لإعادة انتخاب هيئات قائمة أو في مؤامرات ميكيافيلية لتكوين هيئات جديدة، أو في اعتزالات للمسؤولية حرداً وطمعاً في الاسترضاء العاطفي أو المادي من هذه الجهة أو تلك، أو في البحث عن مكان تحت الأضواء وإرضاء الذات المتضخمة.

الدم السوري بدأ يملأ كأس العالم ولا يجد من يوقف نزيفه. والسوريون مطالبون بأن يُعيدوا تلاحمهم الإنساني، بعيداً عن السياسة وعن الحرب، لكي يتعاونوا في التخفيف من منعكسات الموت على مستقبل يُعلن منذ الآن بأنه سيكون قاتماً. ففي حين تتدحرج الكرة بين أقدام اللاعبين ومعها الحماس والعواطف، تتدحرج رؤوس السوريين بين أقدام القصف والذبح والصلب، ومعها الألم والخيبة.

ذكرت الصحافة البريطانية بأن « الخليفة » الصاعد كان ماهراً في لعب كرة القدم وكان أصحابه يشبهونه في مهاراته إلى الارجنتيني ميسي. هو الآن يُشارك باللعب بحيوات السوريين وبرؤوسهم من دون أن يرفّ جفن « الآخر » المنتظر لحلٍّ من « السماء » و »النحن » المقصرين حتى العهر بحق وطننا الشهيد.