كرة الثلج – سلام الكواكبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 16 février 2013

حسناً كتب من نادى بعدم التهويل إزاء صعود التطرف المستغلّ للدين في جنبات الثورة السورية وبل في صدارتها العملية، فالمبالغة في كل الأمور هي فعل غير محمود ويدفع بالعقل إلى الابتعاد عن التفكير السليم والتحليل العميق والدقيق.

ومن المقبول نظرياً التصريح لفظياً بأن بروز التيارات الغريبة عن ممارسات السوريين الدينية والاجتماعية ما هو إلا نتيجة حتمية لقسوة الحالة القائمة، وهمجية وتغوّل قوة القمع، وتقاطع مأساة شعب في داخلٍ محطم مع تجاهلٍ عربي ودولي فريد في حجمه وفي صفاقته.
ومن العلمي التطرق للأبعاد السياسية والاجتماعية التي هيأت لمثل هذا النوع من التطرف من التغلغل في الممارسات اليومية وإبعاد الناس، أو عمومها، عن المحاكمة العقلية الواعية.
ومن المنطقي تحميل النظام السوري مسؤولية تصحير المشهد الفكري ومأسسة الجهل والتجهيل عبر وسائل ثقافية وتربوية وتعليمية متشابكة تتشارك في سعيها الدائم إلى الهيمنة والتفتيت، وبأن ما يخرج اليوم من إفرازات لا يعدو كونه نتيجة حتمية لتحييد الفكر والثقافة عن التأثير في المجتمع وتأجيج الانغلاق الديني والمذهبي والقبلي والمناطقي، في ابتعاد صارخ عن فكرة المواطنة.
إن انصراف « البعض » المؤثر من « الكل » المراقب عن التوقف أمام هذا المشهد، على الأقل في التعبير أو في البوح، أضحى معياراً لقياس الارتباط « الحميمي » بالثورة ومنتجاتها وانعكاساتها. فالتشاطر في إيجاد المبررات، والذهاب بعيداً في التحليلات المركّبة، وتأجيل الإجابة عن التساؤلات، وتغيير الموقف المبدئي لمجرد التجربة الشخصية المحدودة في بعدٍ محدود في منطقة محدودة، أضحت كلها جزءاً غنياً من خطابٍ فقير يحدد بطريقة غير مباشرة مقدار التزام هذا أو ذاك بمبادئ الثورة السورية. أو أنه يشير بطريقة تشبه طرائق محاكم التفتيش (أو فروع الأمن) إلى الابتعاد عن الصراط المستقيم الذي لا اجتهاد في النص المؤسس له.
في أتون هذه الترددات المنظّر لها، والتبريرات المتاحة بكثرة هذه الأيام، والنأي بالذات عن موقفٍ واضحٍ وصريحٍ مما يجري، تكبر كرة الثلج وتتدحرج بحركة متسارعة لتدمر في طريقها أجمل معالم الحراك بشقيه السلمي والعسكري. وبعض الكلّ الباحث عن دور سياسي مستقبلي أو عن إعجاب افتراضي آني، يذهب بعيداً في تغطية الشمس بالغربال، محبذاً ليس فقط الصمت أو حتى التبرير، بل أضحى يطوّر في فرضيات سوسيوـ ثورجية.
لقد تخلى جميع الفاعلون الخارجيون من عربٍ ومن عجم عن السوريين ومأساتهم. على الرغم من ان فعل التخلي يأتي بعد الإمساك أو التبني، إلا أن تخليهم أتى بعد امساك لفظي وتبنٍ وهمي. فالسوريون والسوريات وحيدون إذاً في معركة الحرية والكرامة. وإن ابتعدت نخبهم عن التأسيس الفكري ليومٍ قادمٍ حتماً بعيداً عن الوهم الثوري العدمي، فهي تبارك بصمتها قطع رأس تمثال أبو العلاء المعري إرضاءً تكتيكياً لفاقدي العقل والدين. والثمن الذي ستدفعه هذه النخبة جرّاء تخاذلها الفكري سيكون باهظاً