كلنا سوريون… إسقاط « الأسدية » وإسقاط الطائفية معها – خالد الحروب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 25 mars 2013

هناك أخبار سورية طيبة من القاهرة: العلويون السوريون يعقدون مؤتمراً معارضاً لنظام الأسد تحت شعار « كلنا سوريون … معاً نحو وطن للجميع ». تأتي هذه الأخبار لتخفف مستويات الإحباط الناجمة عن شبه الانسداد الذي يواجه الثورة السورية لأسباب يعرفها الجميع، وأهمها التدخل الخارجي الروسي – الإيراني لدعم النظام القائم كل لحساباته الإقليمية أو الدولية الخاصة به. وليواجه الإحباط الناجم ايضاً عن تشتت صفوف المعارضة وقياداتها وتناقضاتها. انفلات الطائفة العلوية من السيطرة المفروضة عليها من قبل نظام الأسد وأجهزة أمنه توجه له ضربة قوية، وتنزع منه ورقة هامة ما زال يتمسك بها، وهي ورقة الدفاع عن الطائفة. وتحرر الطائفة العلوية من السيطرة الأسدية وانخراط مجملها في الثورة السورية يخدم المستقبل السوري بشكل كبير، ويقطع الطريق على كل الأصوات الطائفية سواء أكانت علوية، أم سنية سلفية متطرفة، أو غيرها. يشير هذا، وبرغم كل الإحباطات، إلى ان المسار العام للثورة السورية وتضحياتها الهائلة ودماء أبنائها الغزيرة تنبئ بنهاية محتومة لمنظومة الاستبداد الأسدية التي سرقت الوطن السوري، وأخضعت شعبه للقهر والقمع عقوداً طويلة، وتحت مسميات وذرائع عديدة. لم تعد أوراق التوت المتقلصة والمتساقطة قادرة على ستر الانكشاف الكبير الذي يواجهه النظام، وتوالي انتهاء الشرعيات التي كان يزعم الاستناد إليها. انتهت الشرعية المزعومة التي تتلطى وراء شعارات المقاومة ومواجهة إسرائيل. إذ يكفي هنا التأمل في المفارقة المريرة حيث الوقت والجهد والكلفة التي بذلتها دبابات وطيارات النظام الأسدي في مواجهة إسرائيل لا تتعدى واحداً في المائة من الوقت والجهد والكلفة التي بذلتها في قتال الشعب السوري نفسه خلال أكثر من سنتين. وصواريخ سكود التي لم نر لها أثراً في الجولان أو باتجاه إسرائيل طيلة عقود الصراع المديدة وخلال أكذوبة « بناء التوازن الاستراتيجي »، رأيناها تدك الأحياء المدنية وتحيل حياة السوريين العاديين إلى جحيم.
إذن ما يبدد، ولو نسيباً على الأقل، غيوم التشاؤم والإحباط هذه الأيام ان شرعية مزعومة أخرى يستند إليها النظام تتهاوى وهذه المرة يتم هذا التهاوي في قلب المنظومة الأمنية والحلقة الضيقة. إنها تأتي من داخل الطائفة العلوية التي اختطفها النظام الأسدي وحشرها في زاوية قاتلة بزعمه تمثيلها والدفاع عنها، وتخويفها من مصير مجهول إن هي تخلت عن دعمه. الطائفة العلوية في سورية، وبخلاف مزاعم ممثلي الإقطاعية الأسدية واتهامات عمومية فضفاضة تأتي من أعداء الأسد، لم تكن مستفيدة بكليتها من النظام. المستفيدون من النظام كانوا شريحة ضيقة منتفعة وبطانة ضمت في تكوينها علويين وسنة وغيرهم. وربما من الصعب الجزم بأن نسبة التأييد العلوي للنظام كانت أعلى من نسب التأييد ضمن الشرائح السورية الأخرى. ذلك أن إحدى القواعد الصلبة والعريضة المؤيدة تاريخياً للنظام تمثلت في الطبقة السنية الميسورة وغالبها من التجار وأصحاب المصالح الاقتصادية في الشام وحلب، ونعلم جميعاً أن هاتين المدينتين تأخرتا طويلاً في الالتحاق بالثورة. وممن الممكن القول، استرجاعياً، إن ذلك التأخر قد أضر بالثورة وقد يكون قد ضيع عليها انتصاراً مبكراً. غاية القول هنا هي التأكيد على أن معارضة النظام الأسدي او الاصطفاف معه لا يجب ولا يمكن ان يتم اختزالها « طائفياً »، وبالتالي تصوير الثورة على النظام على انها صراع طائفي علوي – سني، فهذا مجاف للواقع أولاً، وهو ثانياً ما يريده النظام، حتى يحشد الطائفة العلوية وراءه، ومن خلفها إيران وحزب الله، بل ويتباكى أمام العالم بكونه يمنع تطهيراً طائفياً قادماً بحق العلويين السوريين.
على ذلك فإن مؤتمر « كلنا سوريون » يعتبر محطة تاريخية فاصلة فعلاً حيث انه يحرر الطائفة او الجزء العريض منها من التمثيل القسري المفروض عليها من قبل الأسد وعائلته. ولأنه يبني جسوراً طال انتظارها خلال السنتين الماضيتين مع الثورة السورية كي يتأكد تمثيلها لكافة أطياف الشعب السوري المعارض للنظام. ولأنه يكسر ايضاً حواجز الخوف التي بناها النظام داخل وحول الطائفة من جهتين: الجهة الأولى هي الزعم بأن سقوط النظام سوف يعني استفراد « السنة » بحكم سورية وقضاءهم على « العلويين »، وهي مقولة طائفية مقيتة بامتياز تخندق الناس بحسب طائفتهم وليس مواطنتهم، والجهة الثانية الخوف العميق الذي زرعه النظام في قلب الطائفة خاصة إزاء كل من يعارض النظام منها. إذ من المعروف ان البطش الذي يواجه به النظام أي معارض علوي مخيف ومقصود، ويهدف به ردع أي معارضة داخلية والحفاظ على « الصورة الطائفية » المساندة للنظام. حواجز الخوف هذه تكسرت الآن، ومعها تتكسر أجنحة النظام.
المطلوب من كل السوريين الآن هو الانتهاء من التخندق الذاتي او خندقة مؤيدي ومعارض النظام بحسب طائفتهم ودينهم. كل مؤيد للنظام، او ربما مجرم حرب، يجب ان يُحاسب فردياً وبعيداً عن أصوله الطائفية وسواها. واليقظة المطلوبة جداً في زخم غزارة الدم والغضب والقهر الناتج عن قمع النظام تتعلق بالخطاب الإعلامي حالياً وضرورة تنقيته من أية أبعاد طائفية. فالتعبيرات والخطابات والأوصاف الإعلامية من مثل « النظام العلوي في دمشق »، أو « حكم العلويين »، أو « جرائم العلويين ضد السنة »، وكل ما هو قريب من ذلك يقع في خانة الجرائم الإعلامية والسياسية. وإلى ذات الخانة تنتمي أية تعميمات عن « جرائم السنة »، و »حكم السنة القادم »، وسوى ذلك. هذه الأوصاف يجب ان تكون مرفوضة ومرذولة تماماً من ناحية مبدئية صرفة، لأنها تقسم المجتمع، وتضع طوائفه ضد بعضها البعض، في حين ان المعركة الحقيقية هي معركة كل هذه الطوائف مجتمعة ضد الاستبداد وتفرد أي شريحة مهما كانت أقلية أو أغلبية في التحكم في الآخرين. سورية الجديدة وبلدان عرب ما بعد الثورات يجب أن تتأسس وفق مفهوم المواطنة والدولة المدنية التي تتراجع فيها الولاءات الاثنية والطائفية إلى الخلف، ويتقدم الولاء لدولة القانون والدستور الذي يساوي بين الأفراد في الحقوق والواجبات. إن استبدلنا طائفة بأخرى، حتى لو كانت أكبر منها وتمثل غالبية، فنحن لا نتقدم نحو الأمام، بل نعيد اجترار الكوارث ذاتها. إضافة إلى ذلك فإن هذه الأوصاف وتكريسها واستمرار استخدامها هي بالضبط ما يريد ان يصل إليه النظام ويحافظ عليه. يريد النظام وبكل الجهد الممكن إبقاء الرعب مسيطراً على الطائفة العلوية في سورية، ولذلك فإن أي تعميم ضد الطائفة، ونسبة جرائم النظام لها، يحقق ذلك الهدف.

http://www.al-ayyam.com/article.aspx?did=212304&Date=