كيف نكمل صنع الثورة السورية؟ – مازن كم الماز

Article  •  Publié sur Souria Houria le 31 mars 2012

لا شك أن ما فعله السوريون طوال العام الأخير شيء خارق بالفعل وإن نسبيا، كما كل الشعوب التي ثارت وتثور على طغاتها .. لا شك أن كل الكلام عن التغيير، عن غد أو مستقبل مختلف وربما أفضل، كان مجرد هراء قبل الثورة، لا شك أن كل التنظير وكل المنظرين، كل السياسيين وكل المعارضين، الذين ينتظر أن يكون منهم سادة سورية المستقبل، كانوا أشبه بنكرات قبل الثورة، إذا كان من فعل أو حدث أقرب للمعجزة في هذا العالم فإنها الثورة ..
وحدهم الثوار، ليس فقط بتضحياتهم، بل أساسا بجرأتهم وبشجاعتهم، هم من يمنح كل الكلام عن الغد والتغيير، عن الحرية وعن العدالة، معنى واقعيا بالفعل أكثر من مجرد كلمات قيلت وتقال فقط، لكن الموضوع لا يقتصر فقط على قيم العدالة والحرية التي طالما داعبت النخب وخاصة الفقراء والمضطهدين في أحلامهم المستحيلة، اللامعقولة، بل أيضا قيم أخرى لسادة قدامى وآخرين جدد، في هذا العالم عدد هائل من الأشخاص المولعين بالسيادة ومن الخطابات المولعة بالسيادة لدرجة أنهم يطرحون المشكلة على الشكل التالي: من يستحق أن يكون السيد، أو من هو السيد الأفضل، طبعا يطرح السؤال بحيث أن هذا الأفضل يفترض أن يكون لصالح من سيخضعون لهذا السيد.. من الصعب أن ينصب المرء نفسه قاضيا على الآخرين، أو حكما عليهم، هذا ينطوي على ممارسة سلطوية واضحة، ليس فقط أنه يعرف أكثر، بل أنه يستطيع تقرير حياة الآخرين أفضل مما يمكنهم هم أن يفعلوه، ليس هذا إلا زعم سلطوي تافه رددته كل الديكتاتوريات في كل مكان وزمان.. إن هذا الحكم يصح أكثر عندما نخاطب ثوارا يصنعون التاريخ، لا أدري أي صنف من البشر يمكنه أن يمارس مثل هذه الفوقية مع الثوار لينصب نفسه سيدا ‘مطاعا’ على بشر يناضلون ويموتون في سبيل الحرية، لكن البعض يقول مع ذلك: إن هناك من يفعل هذا وبنجاح كبير مع الثوار السوريين، الذين يبدو أنهم لا يقدرون حقيقة وضخامة ما فعلوه ويفعلوه
يجب ألا ننسى أننا ما زلنا نعيش في حضارة أو ثقافة أو مجتمعات الاستعراض أو الفرجة Spectacle كما كان يسميها المفكر الراديكالي الفرنسي غي ديبورد أو الإيهام كما سماها الفيلسوف جان بوريارد، حيث تبدو الصورة الافتراضية أكثر واقعية من الواقع اليومي المعاش، بل ومسيطرة أو متفوقة عليه، لقد أنتجت ثقافة الاستعراض صورها أيضا فيما يتعلق بالثورة السورية، هذه الصور الافتراضية التي قد تبدو لنا وللثوار أنفسهم أكثر واقعية من مشهد الموت الذي يلاحق المتظاهرين السوريين حتى بيوتهم، بينما هي تعبير عن مصالح وثقافة سائدة ليس إلا، إنها تعيد إنتاج الواقع وتزيفه في نفس الوقت، إنها تحاول انتزاع البطولة الحقيقية من الثوار الفعليين بجعلهم ملحق لصورها، لشخوصها (لأبطالها) الافتراضيين، وفي النهاية لأولوية مصالحها
أحد مشاكلنا اليوم هو أن الكثيرين باتوا يقبلون ذلك الخلط بل ذلك التشويش، بين مصالح الجماهير السورية وبين مصالح القوى المعادية لنظام الأسد أو مؤيديه الروس أو الإيرانيين، بين البطل الحقيقي للثورة السورية وبين ‘الأبطال’ الافتراضيين بحيث بات انتقاد الأخيرين يعتبر انتقادا للثورة ولأبطالها الحقيقيين
إن جزءا مهما من الدفاع اليوم عن الثورة السورية وعن ثوارها يقوم على مواجهة هذا الخلط بالتحديد .. لا شك أيضا أن الكثيرين، خاصة ممن هم خارج سورية أو من ‘الثوار الفيسبوكيين’ يضطرون، باحثين عن خلاص ‘افتراضي’ أو عن كبش فداء لإحساسهم بالعجز وجزئيا بالذنب، إلى الهروب إلى الأمام عبر لعبة ذهنية يحاولون فيها التماهي مع الثورة، مع الثوار، عن طريق محاولة إظهار الثورة السورية خالية من الشوائب، شيء ما أشبه ب’كائن أسطوري’ ‘فعل أو حدث فوق إنساني’، ‘فوق تاريخي’، هكذا يمسخون هذا الفعل الإنساني بامتياز والتاريخي بامتياز لكي يعبروا عن ‘إيمانهم’ به .. إن الثورة في الحقيقة ليست إلا فعل دخول الناس إلى التاريخ، إلى حيز الفعل الحقيقي، المؤثر والتاريخي، إنها فعل جماهيري بالأساس، وبالضرورة، تحدث الثورة فقط عندما تصبح مقاومة أي نظام استبدادي أو استغلالي جماهيرية أكثر ما يمكن، عندما تتحرك غالبية المجتمع مقاومة للسلطة التي تضطهدها، وأي شيء، سياسة، تكتيك أو مشروع أو خطاب أقلية فيها، يفقدها أو ينزع عنها هذه الصفة يعني اختزالها إلى صراع بين أقليات من أجل السيطرة على الغالبية السلبية، الأمر الذي لا يمكن بحال أن يسمى ثورة
الثوار على حق أيضا لأنهم ينهضون في وجه جلادهم لينتزعوا حريتهم، الثورة لا تجعلهم معصومين، إن عملية اكتشاف الأخطاء والنضال لإصلاحها من خلال نضالهم وبحثهم الشجاع والدؤوب عن الطريق إلى حريتهم الحقيقية هو الذي يحدد لهم هذا الطريق … أكثر من ذلك، في وجه نظام فاشي بالدرجة التي كشف عنها نظام الأسد وفي ظل تواطؤ صامت أو مشاركة مباشرة في قمعها من قوى هذا العالم الفاعلة، لا يمكن للثورة السورية أن تنتصر على خصمها الدموي دون أن تحتفظ بطابعها الشعبي الجماهيري، دون أن تبقى وتتسع كفعل مقاومة تشمل معظم الجماهير السورية

كاتب سوري

القدس العربي – 2012-03-30
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\30qpt477.htm&arc=data\201233-30\30qpt477.htm