كي لا ننسى – رزق عيسى

Article  •  Publié sur Souria Houria le 8 janvier 2012

مع كل ما يجري حولنا من قتل و دم جنباً إلى جنب مع اليقظة و تكسير جدران الخوف الواحد تلو الآخر. من تنظير و تحليل، من شباب تمردوا على موروث أهلهم و رضوخهم لأربعين سنة من الظلم و التنكيل و القمع

بدأنا نعتاد على أمور لطالما اعتبرناها بعيدةً عنا، فمن أعداد الضحايا إلى إغفال أسمائهم، إلى التدرج في الثورة من السلمية إلى المطالبة علناً بعسكرتها، و من رفض أي تدخل أجنبي إلى الاستجداء من القوى الغربية للتدخل عسكرياً قبل إنسانياً في سوريا. تتعدد الآراء مرة أخرى، و ينقسم الشارع مرات و مرات. و نخوّن بعضنا البعض، و نحتكر الثورة و نرفض من نشاء و نقبل من يحاكي أهواءنا. يطل علينا سياسيون لم نسمع بهم من قبل، و يفترضون أنهم أوصياء على ثورتنا. يرمون من يشاؤون من السوريين خارج مستقبل سوريا، و يقررون مستقبل علاقاتها مع جيرانها قبل أن يتم الإجماع على أحقيتهم في تمثيل جزء من الشارع، و يكتفي بعضهم الآخر بالهدوء بينما يعصف بالناس و أهل البلد البرد و الجوع و القتل و الدمار

ثمة من عليه أن يصر بأن هؤلاء الذين تتبجح الجزيرة و أخواتها بتعداد أرقامهم في كل نشرة، هم بشر و ناس عاشوا و كان لهم قصصهم و حياتهم التي لم يتخيلوا أن تنتهي برصاصة، لهم أسماء و عائلات،  وربما أطفال و زوجات، وأمهات و آباء،  إخوة و أخوات. لهم أحلامهم و تصوراتهم عن مستقبل انتهى فجأة

ثمة من عليه أن يصر بأن أولئك الذين يطلون علينا من الجانب الآخر، هم أيضاً سكنوا هذه الأرض كما فعلنا، و ذاقوا من هذا النظام القمعي ما ذقناه جميعاً، عانوا من المحسوبية و الرشوى و الفقر و انعدام الشعور بالانسانية و المواطنة كما عانينا. لهم أيضاً تصوراتهم و مخاوفهم من مستقبل البلد، و لهم عائلات و أطفال و لهم أيضاً فقدهم

ثمة من عليه أيضاً أن يذكرنا على طول الطريق بأن ثمة بلداً كالهند قدم شعبه مئات الآلاف من الشهداء كي يحافظ على وحدة أرضه من التقسيم، و عندمت انقسم القادة نشبت حروب أهلية  أدت لانقسام الهند و باكستان إلى ما نرى اليوم

ثمة من عليه أن يذكرنا أن بلداً كالجزائر بقيت محتلة 150 عاماً و عاشت ثورة من أطول الثورات التي عاشها شعب على هذه الأرض، و قدمت مليون شهيدٍ ارتوت بهم أرض الجزائر و نبتت منها شخصية مستقلة عرفت ماذا يعني أن يريد الشعب و يقدم التضحيات ليصل إلى ما يريد

هناك أيضاً من عليه أن يبقى صاحياً بقلبه و روحه ليقول لنا و يذكرنا على طول الطريق أيضاً بأن الحياة لنا، و بأن الحياة هي للعيش، لا للموت. مهما حاول الطغاة سرقة الحياة منا فالحياة لنا، و لنا أن نعيشها. أحراراً متى استطعنا، و متمردين متى حاول أحدهم أن يأخذ منا حريتنا. و أن يسرد علينا قصص الشهداء و الأحياء الذي قدموا الغالي و الرخيص لحريتهم و حرية الآخرين

و لنا أيضاً أن يكون بيننا من يتمسك بالعقل، ذلك العقل المتنور و الذي ينظر إلى المدى المفتوح، ليرى و يضيء لنا الطريق و ينبهنا إلى مطبات قد تأخذنا الحمية و الانفعال نجوها دون وعي أو إبصار، يدرك مخاوف الناس و أملهم، خوفهم من الموت، خوفهم من مرارة الذل، خوفهم من المستقبل الغامض، خوفهم من مستقبل سوريا، أملهم في الحياة، في العيش الكريم، حقهم في المواطنة، في تساوي الفرص، حريتهم المفقودة، استعادة إحساسهم بإنسانية مفقودة

لي أنا أيضاً أن تكوني إلى جانبي الآن، لتخبريني بأن الوقت قد تأخر و أن علي النوم كي أستيقظ غداً لمواجهة يومٍ آخر، و أن أشعر بيدك الدافئة تمسح عني عناء اليوم و تعبه، و نظرتك الحنونة التي تجعلني أؤمن بأن لنا في الحياة أملاً

تحدثت كثيراً عمن أتخيل ضرورة في وجودهم في حياتنا الآن، في هذه الظروف، في هذه الثورة التي ستقلب مفاهيمنا جميعاً عن كثير من مسلمات الحياة في الخمسين سنة الماضية

الوطن، الدولة، القانون، الدستور، الانتخاب، المواطنة، الإنسان، الآخر، الاحترام، الحرية، المعتقل، السجن، السياسة، الاقتصاد، المجتمع، العادات، التقاليد، الدين، اليسار، اليمين، الأحزاب، توزيع الثروة. مفاهيم قد تكون فرصتنا الأولى لنعيشها و نربي عليها جيلاً جديداً

لنكون واقعيين علينا أن نطلب المستحيل

لنحصل على حريتنا، علينا أن نكون حذرين جداً من مسار ثورتنا، فلا إقصاء الآخر ولا رفض وجوده، لا سلمية الثورة لنذبح كالخراف ولا الاستقواء بالخارج، لا القتل الطائفي ولا الخطف الطائفي، لا حملان السلمية ولا صقور العسكرة، هي مفاهيم مطلقة ولا هي حل وحيد و مضمون. لنا عقول، و علينا واجب استخدامها، علينا فهم متغيرات الوضع من حولنا، وضعنا النفسي الداخلي أولاً و المجتمعي ثانياً و معطيات الواقع المحيط داخلياً و إقليمياً و دولياً. لنا وعلينا أن نسأل أنفسنا عن خياراتنا في الثورة و خيارات من حولنا، علينا أن نعترف بالخطأ عند قيامنا به، و علينا أن نشير إلى الخطأ عند قيام من حولنا به

رأيي صائب يتحمل الخطأ و رأيك خاطئ يتحمل الصواب، فلننتبه ونحن نقيم أخطاء من حولنا ولا ننسى أخطاءنا

الرحمة لكل الشهداء الذي سقطوا و سيسقطون، الصبر و الشجاعة لكل الذين اعتقلوا و سيعتقلون، المحبة و الإجلال لكل الذي نزلوا و سينزلون إلى الشوارع و الحارات و الساحات، لكل من يحمل في قلبه وطناً يشاركه مع جيرانه، الحرية قادمة، سنتلمس حريتنا و نفتح أعيننا لأول مرة ربما على ضوء الشمس، الطريق طويل، و نحن بحاجتنا جميعاً فلا إقصاء ولا تخوين، سنحتاج لكل السوريين لبناء سوريا أكثر حرية و مواطنة و جمال. « يا جمال »

لنكون واقعيين علينا أن نطلب المستحيل

مستحيلي هو الحفاظ على مدنية و حضارية ثورتنا، الحفاظ سملية الثورة مع الحفاظ علينا من القتل، الحوار مع الآخر حتى لو رفضني، الحفاظ على وحدة الأرض و استرجاع المستلب منها، الحفاظ على خيار المقاومة ضد الاحتلال و استرجاع فلسطين، الحفاظ على مكانة سورية العربية و الإقليمية و الدولية دون أن يكون الثمت طأطأة الرأس، الحفاظ على ضمير صاحٍ دون أن يكون ساذجاً أوجاع و انفعالات قد تغيب العقل عن وعيه

مستحيلي هو أن يعود المبعدون قسراً أو خوفاً و أن يكون لنا ساحة للحرية نسهر فيها حتى ساعات الصباح مع أصدقائنا الذي سجنوا أو عذبوا و تكون مساحة لجميع أبناء سوريا، ليجربوا فيها طعم الحرية حتى لو كانوا ضيوفاً لمراتٍ أولى
مستحيلي أن نبتعد عن الإقصاء و التخوين، و عن الاستقواء بالخارج، لأن ما نفعله بيدنا هو ما سيبقى لنا و سيكون مصدر عزٍ و فخرٍ لنا على مر الأيام، وهو ما سنكون فخورين بقصه في حكايات ماقبل النوم على أطفال أجيالنا القادمة

مستحيلي أن نصل لدولة مدنية ديمقراطية برلمانية فيها احترام المواطن و المواطنة و احترام و مسؤولية كل فرد في المجتمع لحريته و حرية الآخر بالتعبير عن الرأي، و تحويل المؤسسات الأمنية و فروع و مقرات الأمن إلى حدائق يلعب فيها الأطفال و يسهر فيها العشاق لساعات متأخرة يحادثون فيها القمر و النجوم

مستحيلي أن يفرز الشارع قيادات و شباباً قادرين على بناء الدولة و المؤسسات و الجيش بطريقة تحفظ أمننا و عيشنا الكريم، ومستقبلاً أفضل للجميع دون خوف من أقلية أو تسلط من أكثرية

هذا جزء من مستحيلي، و قد أقضي و أنا أدافع عن حقك في الاختلاف معي، و قد أقضي في تفجير يقوم به أحدنا، و قد أضطر لترك كل ما عشته يوماً خوفاً

على أهلي أو حتى على نفسي، و لكن هذا المستخيل، هو ما علي البقاء خلفه، حتى يحقق، أو أقضي في سبيله
8/1/2012