لا شيء يجري في حمص! – عيسى الشعيبي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 15 février 2012

القول أعلاه ليس من عنديات واحد من الناطقين باسم النظام السوري المعدودين على أصابع اليد، ولا هو من بنات أفكار شبيح إعلامي خفيف الوزن، ممن تستضيفهم فضائية دنيا العجائب لساعات طويلة، يغردون على هواهم في تمجيد نظام الممانعة، يتملقونه بلا حياء، ويبصمون على صواب نظرية المؤامرة المعتمدة رسمياً منذ أحد عشر شهراً بالتمام والكمال.وصدق أو لا تصدق أن نفي وجود مجزرة مروعة في حمص هو تصريح بالصوت والصورة، أطلقه السيد حسن نصر الله في إطلالته التلفزيونية الأخيرة، نافياً حدوث شيء في المدينة السورية الباسلة، ومؤكداً في الوقت ذاته أن ما يحدث في عاصمة ثورة الكرامة ما هو إلا مجرد حملة إعلامية، أطلقتها فضائيات التحريض والفتنة بالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الأمن
وليس زعيم حزب الله كأي واحد من الذين يهذرون بما لا يعرفون في الشأن العام، ولا هو بلا رصيد كبير من الصدقية والشجاعة واحترام الكلمة، كي نمر على تكذيبه للوقائع الرهيبة في حمص، مرورنا على كلام شخص من جوقة المنشدين اللبنانيين للمذابح الأخوية الحميمة في الجوار الذي لا يرون فيه غير بشار.من هنا، فإن الصدمة أكثر مما يحتملها وجدان مواطن سوري، أو عقل إنسان عربي يروعه حمام الدم المتواصل في حمص ليل ونهار، حين يحتقر سيد المقاومة الإسلامية وعي الناس، وينفي ما يملأ الفضاء الإلكتروني من مشاهد مبثوثة من عين المكان، بلا أي تحفظ على رواية الإعلام السوري ولا استدراك، إذا ما كان قد تم تضليله، وأمعن مساعدوه في حجب الحقائق عنه، أو غير ذلك من سوء فهم للوقائع الساطعة سطوع الشمس في كبد السماء
فمن ذا الذي كان السيد حسن نصرالله يخاطبه بمثل هذا الحكم الجائر بحق نفسه أولاً، وبحق الذين محضوه التقدير والاحترام، خصوصاً بعد بلائه أحسن البلاء في حرب العام 2006؟ فمعاذ الله أن يكون الرجل مجنوناً، وحاشا أن يكون مستمعوه كلهم غير عقلاء، فكيف إذن يتحدث هذا السيد الرزين الحصيف، آسر الأفئدة حتى الأمس القريب، بهذا الحديث الذي ما كان لنا أن نصدقه لولا أنه جاءنا عبر فضائية المنار؟لقد أفاض السيد نصرالله من على شاشة عملاقة في كلام مسهب صريح عن علاقاته بإيران التي أغنت بمالها الوفير حزب الله عن الاتجار بالمخدرات وغسل الأموال، وعرج على شؤون محلية عديدة في بلد الطوائف والمصارف والاغتيالات، فكان كلامه كأي كلام لمسؤول، له ما له وعليه ما عليه، يثير إعجاباً هنا واعتراضاً هناك 
إلا أن الرجل القابض على لبنان وقع على وجهه تماماً عندما قال لا فض فوه: أن لا شيء يجري في حمص.ذلك أننا في عصر الصورة التي لا يمكن تكذيبها إلا بصورة أوضح، وفي زمن بات فيه كل مواطن مراسلاً إعلامياً إذا شاء، بل نحن في عهد سلطة الإنترنت وشبكات التفاعل الاجتماعي والهاتف المحمول، فكيف يخاطبنا السيد نصر الله هكذا كأننا قطيع يهش علينا بعصاه من بعيد، ويجادلنا في ما نراه رؤية العين، ويدعونا إلى تصديق إعلام لا يصدقه حتى العاملون فيه، مقامراً بكل ما تبقى له من رصيد وثقة واحترام سبق أن ناله عن جدارة واستحقاق تامين؟وعليه، فإن ما تفوه به السيد حسن نصرالله بحق ثورة الحرية والكرامة، وما أبداه من استهانة بحق دماء أبناء حمص وشقيقاتها الباسلات، لا يمكن إدراجه إلا في باب عماء البصيرة التي هي أشد سواداً من عماء الأبصار، ولا نستطيع فهمه إلا من زاوية التمترس بشدة في الهلال الممتد من طهران إلى بغداد ودمشق ولبنان، وكأن السيد الذي كنا نصدقه القول بلا نقاش قبل عهد قريب، قد أفتى بهدر النفس التي هي عند الله أشد حرمة من الكعبة، فيا لهول هذا الكلام

الغد – ١٣/٢/٢٠١٢
http://www.alghad.com/index.php/afkar_wamawaqef/article/28486.html