لتصبـح عظامهـم أكثـر رِقَّـة مـن أرواحهـم – عيسى مخلوف

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 août 2011

إلى سمر يزبك

«لا يعود بإمكان الآلهة أن تفعل شيئاً ضدّ إنسان تفجّرت في نفسه الحرية»
سارتر

لا يحتمل الزعيم أن يعارضه أحد
يحرّك يديه ويقولُ بحدّة: ينبغي على المغضوب عليهم أن يستكينوا ويلتزموا العتمة، وأن لا يفارق صدأ الحديد أياديهم وأقدامهم
المستشار: هكذا سيكون
الزعيم: على المغضوب عليهم، الأذلاّء، المعدَمين، الذين ولدتهم أمّهاتهم ضعفاء وفقراء، أن يعرفوا نعمةَ الموت قبل الموت
المستشار: سيعرفونها. سيعرفون النّعمة
الزعيم: لنسلخ جلودهم فيصـبح لحمـــهم بلا غطاء، نسقـــيه ملحَ البحـــر ونطعـــمه لسعات الهواء
المستشار: لنسلخ جلود المتآمرين المندسّين
الزعيم: لا طاقةَ لي بعدُ على الاحتمال. أريد التخلّص من وجودهم. أخرجوهم من أوكارهم واجعلوهم يرقصون الرقصَ الأخير
المستشار: سيرقصون الرقص الأخير
ها هم يخرجون ويرقصون. يراهم الزعيم من بعيد ويحتقرهم أكثر. يفكّر في رفسهم وسحلهم بقدَمَيه، لكنّه يرفع صوته قائلاً: أبعدوهم عنّي. أنهكوا أجسادهم ولتصبح عظامهم أكثر رقّة من أرواحهم
المستشار: وُلِدوا لكي تتكسر عظامهم ويتعذّبوا. لكي يُذيبوا الحديدَ الصَّلبَ في الأفران ويصنعوا الأسلحةَ التي بها سيُقتَلون
الزعيم (وهو يضحك لإحساسه بالنصر): وُلدوا لكي يُقتَلوا. أيّ قتل ألَذّ من هذا القتل؟ أيّ فضيحة أجمل من هذه الفضيحة؟ لنقتلهم ونتهمهم بأنهم هم القتلة. نلعب بالمصائر ونقلب الموازين. بإشارة منّا، نجعل العشبة الخضراء شَوكة ونحرقها، نحوِّل العصفور وحشاً ونقتله
المستشار: نقتله لنحميه من نفسه
الزعيم: نقتل كلّ ما هو إنساني فيه. نمعسه كالحشرة. نجعله يشمّ رائحة دمه طوال الليل
المستشار: نقتلع الأظافر، نجزّ الحناجر ونقطع الأوصال
الزعيم: حين تتلاشى الأجساد ولا يعود بإمكان أصحابها الحراك، اجمعوها كما تُجمع الخرق البالية، واربطوها على مشابك حديدية مرفوعة عن الأرض، وأضرموا تحتها ناراً خفيفة، ثمّ اتركـــوها في العراء لأطول وقت ممكن
المستشار: هكذا كان وهكذا سيكون
الزعيم: ليأتِ الحَرَس ويبلّلوا بالماء شفاه المصلوبين على أسياخ الحديد، ليس لإرواء عطشهم، بل لإطالة أمد عذابهم
لا يكتفي الزعيم برؤيتهم عبر منظاره من بعيد، يتململون ويحرّكون رؤوسهم ألماً، لا يكفيه أن يرى أفواههم وهي تصرخ بدون أن يسمع صراخهم، لكنّه يوعز إلى مساعديه أن يسجّلوا هذا الصراخ الذي يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى أنين خافت ومكتوم

يطلب من بعض المقلِّدين المَهَرة أن يقلّدوا أوجاعهم. أن يزحفوا أمامه على بطونهم ويئنّوا كالحيوانات المريضة
المستشار (وهو ينظر إلى الزعيم بدهشة وإعجاب): الجميع يعبدك. الجميع يقبّل الأرض التي تسير عليها
الزعيم: أطلقوا عليهم النار بقوّة الآن، وادفعوهم إلى التراجع. اجلدوهم بالرصاص الحيّ
المستشار: نطلق النار ونجلدهم
الزعيم: لا تعفوا عن الأطفال حتى لا يكبروا. الأطفال بالأخصّ. أبيدوهم كلّهم
المستشار: نبيدهم لكنّهم لا يبادوا
الزعيم: أرعبوهم
المستشار: نرعبهم ولا يرتعبون
الزعيم: بنو آدم خَوَنة
المستشار: أعداء الداخل
الزعيم، (متحدّثاً إلى نفسه): سنتوّج رؤوسهم بالأحذية، أولئك الذين لا يقبلون المذلّة خبزاً يومياً. وإذا ما حرّكوا قليلاً تلك الرؤوس وحاولوا أن يرفعوها، نلقّنهم الدرس الذي نسي أن يلقّنهم إياه آباؤهم. نطاردهم وندفعهم إلى الهرب. نتجسس عليهم وننصب لهم الفخاخ. نعتقلهم ونودعهم أقبية التعذيب. نجعلهم يلعنون اللحظة التي ولدوا فيها. وإذا ما عاندت أرواحهم في الخروج من أجسادهم، نطلق عليهم رصاصة الرحمة. ورصاصنا لا يثقب الرأس فقط بل ينهشه ويفجّره من الداخل. ويفتّت القلوب.
عندما لا يعود ثمة من يشويه، يطالب الزعيم بجلب الأجساد المحروقة والمكدّسة وإحراقها من جديد. عندئذ يضع المنظار المذهَّبة أطرافه على طاولة المرمر بجانبه، وينزل من عليائه. يقترب من الموتى ليرى كيف تسيل للمرة الثانية عصارة جلودهم وأرواحهم. يحدّق في وجوههم الذاوية ويبتسم. يتأكّد أنّه حيّ
هل هو لا يزال حياً بالفعل؟

السفير – 12/08/2011
http://www.assafir.com/WeeklyArticle.aspx?EditionId=1920&WeeklyArticleId=82135&ChannelId=10841&Author=عيسى-مخلوف