لثورة ومهام اللحظة الراهنة – بشار العيسى

Article  •  Publié sur Souria Houria le 30 mai 2011

بشار العيسى

خاص لسوريا حرية

اكتبت الي صديقة من الوطن السوري: « …. ونعرف أيضاً بأن النظام يلعب على وتر الطائفية أولاً و على فوضوية الفراغ برحيله وكلا الخيارين يخيف نسبة كبيرة من المواطنين، وبرهن الشعب السوري على وعيه بمؤامرة النظام وتجاوز مرحلة الطائفية والاثنية والمذهبية بحيث اجتمعوا تحت راية واحدة وهذا ما يحدث لأول مرة برغبة داخلية من الشعب الذي جمعته هموم الوطن هموم المستقبل ». وتتابع…. ، فنحن بأمس الحاجة إلى رص الصفوف خارجياً وداخلياً، كم نحتاج إلى قيادات شعبية الآن وبغض النظر أن الشعب هو صاحب الكلمة الذي دفع بدمائه إلى ما وصلنا عليه من مرحلة اللاعودة، ولكنا بحاجة ماسة اليوم إلى أيضاً وضع خطط واستراتيجيات لمواجهة هذه الآلة القمعية (مثال : بعد شهرين من المظاهرات وسيلان الدماء أصبحوا يقومون بما يعرف بالمظاهرات الطيارة التي أثارت جنون الأمن وحقنت بعضاً من الدماء في جمعة حماة الديار) و اللعب أيضاً على الحرب النفسية في وسائل الاعلام وهنا دوركم… » أنتهى.

صار واضحا أن ثورة شعبنا دخلت مرحلة تتطلب منا جميعاـ معارضة سياسة او نخب ثقافية في ان نتحول بدورنا، اذا اردنا أن نكون فاعلين، الى مجموعة عمل واحدة موحدة وليس امزجة معارضة مختلفة تتشظى في سياقات اختلاف الرؤى والغايات والنزعات الانسانية الخارجة من قاع الاستبداد على مدى خمسين سنة، لأن حاجات الثورة وواقع الامر القاهر المحكوم بخلل موازين القوى بين قوى الثورة وسلطة الاستبداد التي تجاوزت اشد معاير الفاشية انحطاطا وقسرا وقمعا تتطلب حالة لا تخضع لأمزجتنا ولا لثقافة الأنا مهما كانت مشبعة بالرضا.

بالتأكيد ان المهام الملقاة على عاتق رجال الثورة كبيرة وجليلة وكل يوم ينحت شبابنا ثورتهم في الصخر وبالصدور العارية، ورغم القمع والقتل لم يسجل لليوم عليهم ولو خطأ بسيطا واحدا، لقد استطاعوا حقن المجتمع السوري وهم نواته الصلبة، جرعات ثقافة مواطنية حقة بمفهوم عصري للحرية والوطن والكرامة حصنت بروح التضحية الجليلة، العصيان على الانقسام أي كان شكله: طائفي، اثني، مناطقي، اجتماعي، وكلما تفننت السلطة في الترويج للانقسام، بالضغط أو الرشوة والايقاع بين شرائحه واطيافه تبدع الثورة في رفع شعارات سياسية بضبط ميداني لم ينخدع باي من خدع السلطة ومعارج الفتنة والتيئيس، ونستطيع  القول جازمين، ان الثورة انتصرت ميدانيا وها هي تنتصر اخلاقيا وسياسيا.

ربما يكون من السهولة الانطلاق بثورة ما مقارنة  بصعوبة مهمة الاستمرار بها صعودا،وهي المهمة الاكبر في سيرورة العملية التحررية، وتشتمل ضمنا التوسع والانتشار عموديا وافقيا وصياغة الشعارات الدقيقة التي تقرّبها من المزاج الشعبي العام وبمعيار وطني يجدد في الناس الرؤية والقناعة بالانعتاق والصبر والتضحية والقدرة على رفد وتجديد العنصر البشري واستيعاب الضربات القاتلة من السلطة (شهداء ومعتقلين وملاحقين وجرحى بالآلاف) لقد اثبت شباب الثورة عن قدرات تنظيمية تثير الاعجاب في التنظيم والتنسيق والبقاء في حالة يقظة مستمرة بإمكانات شبه معدومة يستحيل معها الحياة في ظروف طبيعية فكيف بالوضع القائم، لقد نهض جيل الثورة بمواطنية جديدة افرزتها ميادين التظاهر بلحمة وطنية عالية، يرتقون بشعاراتهم الى حالة الابداع في التواصل مع الناس وصياغة شعارات تؤسس لمفاهيم مواطنة جديدة يواجهون به الرصاصوالدبابات: من الجمعة العظيمة، الى جمعة الحرائر، وجمعة آزادي، وجمعة حماة الديار، وجمعة حمزة الخطيب، يرتقون بثورة الكرامة ليس مدارج الحرية وحسب، بل الى بناء المجتمع الوطني الديمقراطي المنشود تتساوى تحت خيمته كل ألوان واطياف المكوّن السوري.

ورغم الخلل الكبير في موازين القوى يتقن نشطاء الثورة محاطين بمجموعات عمل تطوعي متعدد أشكال المشاركة، التنويع في اساليب التظاهر والاعتصام، غدا معهم التظاهر الليلي خاصية للثورة السورية، مثلما تتقن المظاهرات الصغيرة الطيارة في انهاك قوى الاجهزة الامنية واعطاء جرعات حيوية للمجموعات الشبابية المتقدة حيوية وتضحية بوعي ايماني يرتقي الى مرتبة الشهادة المؤجلة، يتحركون بأقدام ثابتة على الارض في تربة وطنهم واحياء مدنهم واريافهم، يلاقيهم المجتمع صعودا بحذر وإيمانية مواطنية تجمع العلوي الى جاره السني في احياء اللاذقية المختلطة في لجان حماية وحراسة مشتركة لحماية الأحياء من شبيحة السلطة وحصانة وحدة وطنية فائقة الحساسية الشعبية ترد كيد الاجهزة والفتنة الى نحورها، دفعا لكل خبث السلطة في اثارة الفتن وشق الصفوف، لأخذ الجميع رهينة سياسة هوجاء طائشة تقدم برعونتها كل يوم بجرائم تقشر لها الابدان ويندى لها جبين الانسانية بوحشية يخجل منها اشد عتاة الاجرام والمجازر في التاريخ، وكل ما تمادت السلطة في جرائمها كلما ازداد المجتمع وعيا وحرصا بالعيش المشترك والوطنية العصية على التفتيت لقد اصبح التفتيت والتفرقة والفوضى خلفنا بفضل هذا التلاقي النوعي بين الثورة والمجتمع.

يبقى السؤال الذي ينتظره المجتمع من شباب الثورة وهم من نخبهم الإجابة عليه، وخاصة النخب الخارجية، الى أي مدى استطاع المعارضون الملتفون بصدق من حول ثورة شعبهم أن يرتقوا بقدراتهم الذاتية الاعلامية والسياسية والفكرية الى مستوى سد حاجة تتطلب عدم اهمالها لانزال الضربة القاضية بالسلطة؟ ثلاثية المستويات: وحدة  المعارضة من حول شعار دعم انتفاضة شعبنا قولا وفعلا وما اكثر ما تحتاجه هذه الثورة من دعم، الثاني خلق تواصل حيوي ما بين قوى الدعم في الخارج والداخل بخلق حالة تنسيقية ترتقي بالعمل المتعدد الاضلاع والاستنسابي والمزاجي والفردي الى عمل جماعي يضبط إيقاعه على ايقاع حركة الثورة وحاجاتها، ثالثا البحث بالعمق وبالإبداع للإجابة على اسئلة أي مجتمع واي وطن ترمي اليه الثورة؟ ان الاجابة على هذا السؤال الكبير والمهم لا يكون بترف ثقافي  حقوقي نظري فكري وحسب،  بل بالتغلغل الى النسيج الوطني العام للمجتمع السوري وتلمس حجم الانهيار الذي ادت اليه سياسات النظام المتقرنة المحشوة بمصطلحات فارغة  (الاشتراكية والصمود والتصدي والممانعة القومية) من مخزون ثقافة سلطة الاسد تدميرا وتخريبا وتشويا للمجتمع والدولة افرادا، ثقافة وأخلاقا وبنية تحتية بمؤسسات سلطوية مشوهة، وقيما زائفة من خثارة الفساد والتسلط والاستبداد.

تقوم قناعتي المتواضعة بعد التنسيق والتشاور مع اكثر من صديق ومثقف وناشط سياسي ان الاجابة على الأسئلة الآنفة، اثناء وبعد سقوط النظام تغدو كل يوم حاجة ملحة من حاجات انتصار الثورة يلاقي مطلبا شعبيا ويؤسس لوحدة سياسية، رغم ثغرات عديدة هنا وهناك، تكتسب حاجة ميدانية بنقلة نوعية في تحويل الكمون الصامت والمتردد الى زخم لا غنى عنه للانتصار، بفتح نوافذ امل كبيرة على شرائح وقوى متعددة ما زال النظام يستجدي صمتها وسكونها مزودا بمنظومة هائلة من وسائل سلطوية فاعلة الترهيب والتخويف والتشويش يخلخل ويؤجل بها انتفاضة الشارع العام في وجهه وتدمير بنيته الداخلية الحديدية القمعية، تفتح الآفاق لقوى فاعلة في موازين القوة ومنها في مؤسسة الجيش والأجهزة الامنية، لعزل ومحاصرة عتاة القمع وامراء الحرب ودفعهم الى الاستسلام والهزيمة؟

يمكن ولا بد لنخب الناشطين والمثقفين في الخارج بالتنسيق التام مع نخب ونشطاء ومحركي الثورة في الداخل، والقوى الداعمة لهم يستطيع ان يخلق حالة اعلامية سياسية ترفع من المعنويات الشبابية والشعبية في حال توحدها من حول برنامج وطني ديمقراطي للتغيير والبناء بشفافية الارتكاز على تأكيد سلمية الثورة كخيار ثابت لا جدال حوله، وان الجرائم المرتكبة سابقا وحاليا ولاحقا يقع وزرها على القائمين بها حصرا بمراكزهم واشخاصهم الفردية يحاسبون ويحملون جرمها دون عوائلهم او محيطهم الاجتماعي، إذ لا انتماء لهؤلاء غير الجريمة وهم ليسوا اكثر من مرضى يتكفل بعلاجهم القانون والعدالة. أن محاسبة الفعل الجرمي يحصر حكما بالقائم بالأمر بالعدالة الانتقالية تؤسس وتؤهل المجتمع لمصالحة وطنية مع ذاته المتشظية بممارسات الاستبداد ورموزه أفراد مجرمين يحاسبهم القانون وبقضاء مستقل وبشفافية توثيقية لا مكان فيها للانتقام او الكيد او الثأرية، ان مجتمعا سيصار الى بنائه بالقانون المثبت بدستور يلغي التمييز على اساس الدين او القومية بمواطنية سورية عصرية نهضوية، كفيل بتحقيق عدالة لمن تضرر من الافراد والمجتمع والوطن، ويقيم عقابا لمجرم عن افعال مثبتة قام بها او شارك في اقرارها او أمر بها، تجنب المجتمع تداعيات قهر ومظالم كثيرة بمصالحة تاريخية تتسنم رياح ثورة الحرية والكرامة والمساواة بالقانون في ان لكل فرد الحق بالوصول لمنصبي الحاكم والقاضي وأن كل جماعة دينية او مذهبية او قومية لها من الوطن وفي الوطن المئة بالمئة من الحقوق والواجبات لا حسب نسبتها العددية.