لحظة الحسم » في الأزمة السورية – عريب الرنتاوي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 10 août 2011

أطواق العزلة تشتد حول النظام السوري…كل يوم يخسر حلفاء وأصدقاء…كل يوم يكسب خصوماً جدد، كانوا حتى الأمس، « مترددين » أو يضمرون العدواة من دون أن يفصحوا عنها…لم يعد لدى النظام خطاب سياسي يمكن أن يثير اهتمام أحد…خزان وعوده وتعهداته نضب…عقارب الساعة توشك على الإيذان بلحظة تحوّل كبرى في المواقف الإقليمية والعربية والدولية حياله.
لا يعني ذلك أن « لحظة الحسم » في الأزمة السورية قد أزفت…كما أن ذلك لا يعني أن النظام قد فقد القدرة على الحركة…هو اليوم، وبعد أن وجد ظهره إلى الجدار الأخير…بات أكثر خطورة وقد يصبح أكثر دموية…ربما هناك في الحلقات المُقررة من داخله من هو مؤمن بـ »خيار شمشون »، أو « خيار هدم المعبد »…ربما هناك في داخله من يفضل العمل بنظرية « من خلفي الطوفان ».
وربما لهذا السبب يبلغ التجييش الطائفي والمذهبي حداً غير مسبوق في تاريخ سوريا…أطراف كثيرة ضالغة في لعبة الطوائف والمذاهب، وليس النظام وحده…ربما لهذا السبب بالذات، يهدد ناطقون باسم النظام، بنقل المعارك إلى قلب دول ومجتمعات، ضالعة في « التآمر » عليه…ربما لهذا السبب بالذات، يستعد ما تبقى من حلفائه لخوض آخر معارك الدفاع عن الوجود، حتى وإن أدى ذلك إلى نقل ساحاتها وميادينها إلى خارج الحدود السورية، أي بلغة التجارة: تصدير الأزمة.
نظام الأسد في زاوية ضيقة، خصوصاً إن انتهت مهمة اللحظة الأخيرة (الإنذار الأخير) لوزير الخارجية التركي إلى الفشل، كما المهات السابقة…والقط حين يُحشر في زاوية يتحول إلى أسد جسور…والقذافي حين حشر في « الزنقة الأخيرة »، قاوم واستبسل في مواجهة « الناتو »…الأسد ليس القذافي، وسوريا ليست ليبيا، وإن كانت تسير على خطاها بشكل حثيث، وربما من ضمن سيناريو يجمع « الحُسنيين » أو « التجربتين »: العراق وليبيا.
هل يفعلها النظام، ويعمل على « تصدير » أزمته خارج حدوده…هل لديه الأوراق الكفيلة بتحريك المعارضات العربية، وتحديدا في بعض دول الخليج رداً على مواقفها الأخيرة…هل يتجه مع بعض حلفائه لتسخين جبهات المواجهة مع إسرائيل…هل يجري تسخين جبهة الجولان أم يكتفي بتسخين جبهة جنوب لبنان كما جرت العادة حتى الآن…هل ينجح ذلك في قلب الطاولة وتغيير قواعد اللعبة، أم أنه سيضطر هذه المرة، لدفع الثمن مركباً ومضاعفاً.
يُخيل إليّ أن النظام فقد القدرة على المبادرة والحراك السياسيين… لم يعد قادراً إلا على التنقل ما بين الحل الأمني والحل العسكري… بات جثة سياسية هامدة…إذ من غير المعقول بعد أشهر خمس من المواجهات، وألوف القتلى والجرحى والمعتقلين والمشردين…أن يأتيك بمشروع قانون للإعلام أو مسوّدة قانون للأحزاب…من يفعل ذلك، يعيش حالة إنكار، وهو منفصل تماماً عمّا يجري بداخله أو حوله…أزمة بحجم الأزمة السورية، بحاجة لمبادرة من العيار التاريخي الثقيل…تبدأ بالإعلان فوراً ومن دون إبطاء عن وقف الأعمال الأمنية والعسكرية، وإعادة الجيش إلى ثكناته، والإفراج الفوري ومن دون تأخير عن جميع المعتقلين السياسيين، وتمر بإقالة الحكومة وحل البرلمان، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من فعاليات سياسية نظيفة الكف واللسان والسريرة، تشرف على إدارة حوار وطني، يفضي إلى انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً للبلاد، تُشتق منه، وتتأسس عليه، القوانين الناظمة للعمل العام، وتنبثق في سياق هذه العملية، مؤسسات الدولة الدستورية الجديدة من البرلمان الجديد إلى الحكومة المنتخبة الجديدة.
مبادرة تاريخية تضع حداً نهائياً، مرة وإلى الأبد، لمفهوم « الحزب، قائد الدولة والمجتمع »…و »إلى الأبد يا بشار الأسد »…لا رئيس سيحكم للأبد بعد الآن في سوريا…لا تمديد ولا تجديد ولا توريث…بل تداول سلمي للسلطة، وفقاً للقواعد الديمقراطية التي تعارف عليها، سائر « خلق الله ».
مثل هذه المبادرة التاريخية، بحاجة لقيادة تاريخية، قادرة على التصرف على نحو صحيح، وفي التوقيت الصحيح…وهذا هو بالضبط، ما ثبت أن سوريا تفتقده، شأنها في ذلك شأن معظم إن لم نقل جميع الدول العربية، مع فارق أن الوضع في سوريا، كما اليمن وليبيا، ضاغط بقوة، أما الأوضاع على الساحات العربية الأخرى، فأقل إلحاحاً.
مؤسف أن القيادة السورية التي استبدلت الخيار الدموي بالخيار السياسي، قد وضعت البلاد على حافة التشظي والاحتراب الأهلي….مؤسف إنها وفرت فرصة لأعداء سوريا للتباكي على « حقوق إنسانها »…مؤسف أنها مكنت أنظمة لم تغادر بعد أنماط الحكم الأبوي / الاستبدادي في طبعاته الأكثر تخلفاً، من تقمص دور « الناصح الأمين » الذي يملي على الشام ما يتعين فعله ويتوجب تفاديه ؟!.
إن كان لا بد من « التأشير » بأصابع الاتهام إلى « الجهة الملومة » عن كل ما آل إليه الوضع السوري، فليس أمامنا إلا النظام الحاكم لنؤشر عليه، فهو الذي فتح الباب لكل أشكال التدخل والتآمر الخارجيين، وهو الذي أطال أمد الأزمة وتعامل معها بكل الخفة والاستخفاف والرعونة…وهو الذي عطّل الحل السياسي رهاناً على الحل الأمني…وهو الذي مكّن « إللي بسوا وإللي ما بسواش » من الإفتاء بمصير سوريا وشعبها وجيشها ونظامها، ودائما تحت حجج تافهة وذارئع متهافتة

المصدر: http://alqudscenter.org/arabic/pages.php?local_details=2&id1=4502&local_type=129&hid=1