لعنة الحضارة والتاريخ – باسم الطويسي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 1 mars 2015

لعنة الحضارة والتاريخ – باسم الطويسي

لم تمر أيام أكثر بشاعة وعداء للحضارة الإنسانية على هذه المنطقة أكثر من هذه الأيام؛ ربما منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام هي عمر الآثار الآشورية التي دمرها أعداء الحضارة من الإرهابيين المتطرفين؛ تلك الآثار التي حافظت عليها أجيال ودول، وعلى الأقل لم تمسها قبل هذا الوقت. فالصدمة التي أحدثها شريط الفيديو الذي قدم تلك المشاهد المعتمة لا تقل بشاعة عن فيديوهات الذبح التي تفنن بها تتار هذا العصر.
Aإلى هذا اليوم لا يوجد تقدير موضوعي دقيق لحجم التدمير والخراب والإبادة التي تعرضت إليها الآثار في العراق وسورية، وعلى الرغم من غضب المنظمات الأممية وعلى رأسها اليونسكو لهذه الجرائم والكوارث المتتابعة إلا أننا لم نلمس أي جهد حقيقي واضح في هذا المجال.
علينا أن نضع هذه التطورات في سياقها، فقد أصدرت حركات تدعي انتسابها للإسلام فتاوى دينية متطرفة تربط الآثار بعبادة الاوثان؛ فهذه التنظيمات هي الأكثر تورطا في حرق وتدمير هذا التراث نتيجة أعمال العنف أو نتيجة معتقدات ومواقف دينية متشددة. وهو الأمر الذي شاهدناه في تدمير تماثيل بوذا الشهيرة في أفغانستان قبل سنوات، ولعل ما حدث في إقليم تمبكتو في مالي مثال مؤلم على هذا الاستهداف، إلى جانب ما تتعرض له الآثار والمتاحف السورية يوميا، ما يضيف المزيد من السخط. والمؤسف أن هذا التخريب والتدمير يمر ببرود وبدون إدانة حقيقية وصارمة ودون أن يكتشف الناس أنهم يقادون بهذه الأفعال إلى عصور عبادة الأوثان.
إلى جانب الملاحقة العسكرية والمحاكمة السياسية؛ فإن هذه الأفعال يجب أن تكون بداية لمحاكمة ثقافية قاسية لتيارات الإسلام السياسي المتطرفة، وليس فقط إدانة العصابات الإرهابية مثل عصابة داعش وغيرها، بل ملاحقة ثقافية تصل إلى وضوح حضاري وثقافي لتيارات الإسلام السياسي التي تحتاج اليوم قبل أي وقت آخر إلى وضوح أخلاقي وثقافي محسوم بعيدا عن المراوغة والتسويف والزيف؛ فما يحدث اليوم سيكون لعنة ستلاحقنا بها الأجيال والحضارة الإنسانية.

http://alghad.com/members/40