لماذا خسرنا الشيعة العرب؟! – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 13 avril 2015

لماذا خسرنا الشيعة العرب؟! – محمد أبو رمان

هذا هو السؤال الذي من المفترض أن نطرحه على أنفسنا في العالم العربي، قبل أن نوجّه اللوم إلى الشيعة العرب في أيّ مكان؛ بأنّهم أصبحوا أداة أو غطاءً للنفوذ الإيراني. فنحن من دفعناهم دفعاً إلى إيران، وبنينا جداراً كبيراً بيننا وبينهم. وهو ما حدث مع المواطنين العراقيين الشيعة، كما قدّم لنا الدكتور والباحث المتميز حيدر سعيد، في محاضرة مكثفة ومهمة حول شيعة العراق، في مركز الدراسات الاستراتيجية (بالجامعة الأردنية) الأسبوع الماضي.
سعيد، وإن كان حمّل، في محاضرته، القوى السياسية الشيعية العراقية مسؤولية فشل بناء نموذج تعددي ديمقراطي في العراق بعد العام 2003، واستبداله بنموذج أحادي احتكاري تسلطي عبر الأعوام الثمانية من حكم نوري المالكي، إلاّ أنّه أشار إلى ملحوظة مهمة ورئيسة، تتمثّل في أنّ العرب رفضوا الاعتراف بالقوى الشيعية الصاعدة في العراق بعد الاحتلال الأميركي العام 2003. ولا يعود السبب فقط إلى « المقاربة الإقصائية » تجاه الشيعة العرب، بل أيضاً إلى خوف العرب من المشروع الأميركي الذي كان يتحدث عن التغيير السياسي في المنطقة العربية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001.
من الملاحظات المهمة التي تحدّث عنها سعيد (في محاضرته القيّمة)، هو أنّ هناك مسؤولية مشتركة على القوى الشيعية العراقية والأنظمة العربية في إفشال بناء نموذج متعدد الهويات في العالم العربي، بديلاً للنموذج الاحتكاري والإقصائي للسلطة. وبدلاً من أن يتحول العراق ليصبح « جسراً » في بناء علاقات متوازنة إقليمياً بين إيران والعرب، وفي تقديم نموذج متميز في الأنظمة التعددية، فقد أصبح « خندقاً » في المواجهات بين الإيرانيين والسُنّة العراقيين.
ويلفت صديقنا الانتباه إلى التحول في الاستراتيجية الإيرانية نحو العراق. فبعد الاحتلال، كان الهدف الإيراني يتمثّل في إيجاد نظام شيعي صديق في العراق، يكون تابعاً لإيران، بينما تعتبر الاستراتيجية الإيرانية اليوم تنظيم « داعش » امتدادا للمحور السعودي-القطري (العربي) في العراق، ولذلك تهدف إلى هزيمته عسكرياً، وهو ما تناقض به المقاربة الأميركية التي تعتبر « داعش » نتيجة لسياسات المالكي وتهميش السُنّة، وإقصائهم من العملية السياسية، بينما الإيرانيون لا يهتمون بالمجال السياسي بقدر ما يسعون إلى تحقيق انتصارٍ عسكري.
اليوم، يأخذ صراع النفوذ السياسي والمصالح بين إيران والأنظمة العربية الأخرى بعداً طائفياً، يتم فيه توظيف المصطلحات والمفاهيم الدينية-الطائفية عبر المنابر الدينية والإعلامية والسياسية بصورة مكثّفة. ويتم استحضار هذه الرموز الطائفية المتبادلة في المعركة العسكرية الجارية، ما يجعل السلم الأهلي والاستقرار المجتمعي العربي بأسره في مهبّ الريح.
السؤال المهم اليوم فيما إذا كان بإمكاننا « استعادة الشيعة » العرب؛ ليس فقط في العراق، بل في الدول والمجتمعات الأخرى؟! وهذا يعني البحث عن نموذج آخر غير المقاربة الأحادية الإقصائية؛ مقاربة تؤمن بتعدد الهويات والمذاهب وقبول الآخر، تستدعي قيم المواطنة والقانون والعدالة والدولة، بديلاً للقيم الطائفية الهويّاتية الصدامية.
لا يمكن لإيران أن تبيد العرب! ولا العرب كذلك! ولن يشعر الشيعة العرب بانسجام كامل مع إيران ذات التراث الفارسي! فهي لن تستطيع أن تحتويهم إلاّ بتحويلهم إلى مجرّد توابع-هوامش طائفية وسياسية. لكنّ إذا كان الشيعة وجدوا أنفسهم في بيئة ومحيط عربيين نابذين لهم غير معترفين بهويتهم ووجودهم، فمن الطبيعي أن يبحثوا عن مرجعية إقليمية أو مصدر قوة لهم.
كيف يمكن أن نقدّم خطاباً عربياً حضارياً متقدماً، يفصل بين العلاقة مع إيران والشيعة العرب بوصفهم مواطنين؟!
ذلك لا يمكن إلاّ بنموذج تعددي. وهذا لا يحدث إلاّ ضمن مقاربات ديمقراطية مدنية كبرى.