….. لم يبق للشعب غير خيار المقاومة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 9 mai 2011

بشار العيسى

خاص لسوريا حرية

مضت أيام كثيرة وسالت دماء، والعقلاء ينتظرون من سلطة بشار الآسد الاحتكام الى صوت العقل بالجنوح الى السياسة في معالجة المأزق الامني الذي قادت البلاد اليه فئة فاسدة متسلطة بالقمع الذي رفعت به سقف الصراع الى نقطة اللّاعودة، بين الحاكم والشعب، بين الثورة الديمقراطية السلمية وثقافة الالغاء والتسلط، بين زنازين الاستبداد ورياح الحرية.

تُحمَل الدبابات صباح مساء على القاطرات السريعة، في طول ابلاد وعرضها، ويجول فيها شبح القتل والاجرام ما بين مدن وارياف حوران وصولا الى بانياس وحمص مرورا بدمشق واريافها ولا صوت للعقل ولا بادرة توحي باننا نعيش في دولة تحترم المعايير الدنيا للمدنية، سلطة تحارب شعبها بغير الحد الادنى لمعايير وقوانين الحروب بين الاعداء تنتهك كل المعايير بخصوص الجرحى والحصار والهدنة الانسانية نكون غير منصفين لو قلنا انهم يتصرفون بقانون الغاب فحتى الحيوانات المفترسة اذا شبعت تسكن شهوتها للدماء والقتل اما هؤلاء الأشباح المتكاتفون من الرئيس الى بطانة اسرته، متأزمون حتى النخاع بشهوة القتل للقتل ،ونشر الرعب وسيلة وحيدة لممارسة السياسة.

ورغم اللائحة التي اعلنها الاتحاد الاوربي بعقوبات على فئة ممركزة لعناصر السلطة القمعية فان المواقف الدولية تبدو اقرب ما تكون الى رفع العتب في ظل غياب كامل لموقف عربي ولو خجول، يظهر كم ان منظومة الحاكم العربي موحدة في العداء للشعوب والعقل والسياسة لقد استسلموا بكليتهم لشهوة مصالح ومآرب لا مكان للشعوب فيها غير القتل والتغييب ولا نستثني احداً، ولا حتى السيد عمر موسى.

نحن اذاً، امام واقع ميداني فاحش التأزم بل شديد الخطر فرغم آلاف المعتقلين واكثر من الف شهيد وحصار مدن ونهب ممتلكات الأبرياء وتصيدهم بالقتل والقمع والترويع لا يبدو أن في الافق احتمالاً ولو ضعيفا بإمكانية لجم هذا العنف العاري للرؤوس الحامية المتعطشة للدماء، وما اكثرها في هذه السلطة! انه مشهد فاشي بامتياز، شبح الموت والرعب يسيطر على كل قرية وبلدة ومنزل يقتحم غرف النوم واحلام الاطفال واكباد النساء.

المجتمع السوري في غليان، يسوده قلق متوتر وتطرح يوميا آلاف الاسئلة بحثا عن مخرج. لقد اظهرت المعارضة الرسمية كم هي غائبة وعاجزة حتى عن تقديم رأي في الأحداث او مبادرة شجاعة تلاقي ثورة الشعب بالفعل الى منتصف الطريق لآنها اخذت على حين غرة، ما لتكون لو انها كانت قادرة على استيعاب دروس الماضي.

والشرائح الملحقة بالنظام مرغمة بتداخل المصالح والخوف والضغوط تعمل مثل طاحونة فارغة للترويج لخطاب السلطة ببغائية ممجوجة توفر للمجرمين التمادي بسكرة الانتصارات العسكرية بدبابات ت 72 في مواجهة شعب اعزل واطفال ونساء تزرع البلاد حيث تدور عجلاتها ترمي للحفر بأشلاء قتلى وجرحى لا فرق انها ممارسة للسياسة بفجور المنتقم.

نقولها صراحة، لليوم لم تبرز قيادة ميدانية موحدة للشارع الثائر على الظلم والقهر تضبط ايقاعه وتلملم اشلاءه على متحد وطني يبرز في الميدان لا في الكتب والخطابات، ومع ان الشارع يتحرك باستقلالية عالية الاحساس بالمسؤولية الوطنية، ولكن الى متى سيبقى الشارع منضبطا والموت يتحرك بين المنازل وفوق الرؤوس ويشحن القلوب بالقهر والبغضاء نقطة حتى يطفح الكاس، فالمثقفون الى الانكفاء بعمومهم بالانسحاب من المسؤولية، الا البعض المسيس والحاسم امره من سنوات، ورغم ظاهرة الحراك النسائي عالي الحيوية المتقدم على غيره، فانه حراك يبقى في حدود الادانة والتحدي والجهر بالقول الصح لكنه لا يستطيع وحده مواجهة الآلة الجهنمية لإعلام النظام وبطش اجهزته الامنية في غياب تمثيل شعبي ، مثلما تبدى في الايام الاولى في الحراك العقلاني لرجالات ومشايخ حمص والحوران. يبدو ان الشرائح الاقلية في المجتمع السوري ما عدا بعض الكردي تميل كلها الى الاستكانة والتريث بانتظار معجزة ترد الطغاة عن غيهم او تحل مشاكل البلاد بهزيمة كبيرة للشارع والشعب والحرية، تقوم بعدها سلطة الموت بمكافأتهم بعضا من عيون شهداء اقتلعت واظافر اطفال واشلاء نساء مرمية على الخيانة بالصمت.

اليوم والمدن تستباح بغير عقل وبغير احساس بالمسؤولية صار واضحا ان المعالجة الامنية ذاهبة الى نهاياتها المشبعة بغرور القوة والفساد والثروة والدبابات تحتل المدن واحدة تلو الأخرى وكأنه الجيش الاسرائيلي يجتاح الضفة الغربية او يحتل لبنان والغزوة الامريكية للعراق، تحول البلاد السورية الى جزر معزولة عن بعضها والمدن ممزقة بخرائط ميدان (ايرانية) احتلالية ،لكسر الارادة الشعبية وكسر الثورة، لكن احلام الطغاة قصيرة وعقولهم لا تقرأ التاريخ ولا تستطيع استيعابه ولا الانتفاع بدروسه فإسرائيل هُزمت في لبنان وتألقت المقاومة وفي فلسطين انهزمت اسرائيل ثانية وسلمت بالتفاوض وفي غزة انسحبت مهزومة وامريكا تهزم بالعراق كل لحظة وفي كل مكان يكون احتلال تكون المقاومة، وتكون شرعية، وتصبح قوية في الحاضنة الشعبية .

نعم ستحتل دبابات ماهر الاسد وشبيحة رامي مخلوف المدن السورية كلها، وهي قادرة وسيعم القهر والقتل والمجازر وهم فيها خير ابناء لاب قاتل وستمتلئ مستودعات رامي مخلوف بالألاف من انبل واشرف بني سوريا من المعتقلين وستتلو قوافل الشهداء والمعتقلين، لكن هيهات ان تكسر الثورة، هيهات ان يهزم الشارع الحرّ، هيهات ان يُغلب الشعب على امره وثورته ونهضته، مخطئة فوهة البنادق وسبطانات المدافع ورشاش الدبابات، مخطئون المجرمون في غزوتهم الكاريكاتورية لإخضاع الشعب الذي قدم بسخاء الشهداء من اجل الحرية نعم سيحتلون الشوارع والمفارق ويغلقون الحواري ولكن الثورة انتصرت من زمان، من اليوم الذي ركب القتل دباباتهم من اليوم الذي سمحت لهم اسرائيل بتجاوز اتفاقات فك الارتباط بإدخال دبابتهم المتطورة الى محاذاة الجولان المشمولة باتفاق صريح، وحكمت شهابي خير من يعرف هذا، نعم سيحتل ما هر ورامي وبشار الاسد المدن والفضاءات السورية وسيحظى الشعب السوري بشرف قيادة مقاومته لتحرير المدن والبلدات والهواء، وستخرج الجماعات السورية كلها المسلم والمسيحي العربي والكردي، العلوي والسني والدرزي والاسماعيلي عن ترددها والانحياز الى خيار الثورة خيارة استعادة الوطن من القتلة الفاسدين .

الكلمة الاخيرة ستكون للمقاومة الديمقراطية الوطنية السورية في كل حي وشارع ومنزل ومفرق طريق، وتتحرر البلاد السورية كلها، للبلاد السورية كلها، ولن يكون للطغاة واتباعهم وعملائهم ومستشاريهم غير الحجرات الباردة لمحاكم الجزاء الدولية ملتفين في اكفان شهدائنا مكللين بالعار.