ليس المطلوب توحيد المعارضة السورية وإنما توحيد الهدف – د. خلدون الأسود

Article  •  Publié sur Souria Houria le 6 décembre 2011
أقال نظام حافظ الأسد وإبنه بشار الدولة السورية من وظائفها وفتح خاصرة المجتمع وبدأ به تفكيكا. وعندما لم يبق للقانون، المستقل عن المتقاضين، أية سلطة، أصبح الإستزلام لرجال السلطة، الذين بدورهم أصبحوا فوق القانون وخارجه أنجع وسيلة للحماية والنفوذ. الأمر الذي أدى لإضعاف ولاء الأفراد لمجتمعهم وبالتالي وطنهم. تحت هذا النظام تخلّت الدولة السورية عن حياديتها تجاه مواطنيها بالإضافة إلى تخليها عن دور الضامن لهذه المواطنة، وأصبحت الدولة أداة بيد النظام للنهب والقمع فقط. حرص النظام لضمان استمراره، الغير مبني أصلا على أي عقد اجتماعي أو شرعية شعبية، على تفكيك المجتمع إلى لبناته البدائية
ولكي يأخذ دور الضامن للسلم الأهلي حرص النظام السوري على إعادة أحياء فروق طائفية كاد المجتمع السوري يتجاوزها قبل 49 عاما. أصبح وجود النظام السوري الحالي يتعارض مع وجود مجتمع موحد يحرص على أفراده ويلهمهم منظومة أخلاقية تنبع من ذواتهم وتقف بنفس الوقت خارجهم تنظم علاقاتهم بين بعضهم. وكلما أوغل النظام بإلغاء المجتمع السوري كوحدة تكاد تكون بيولوجية كلما ضعف انتماء الأفراد المجتمعي الأمر الذي إنعكس تحللا من الكثير من القيم التي تحافظ على حاضر ومستقبل المجتمعات، مثل قيم الصدق والتعاون والإيثار والعطاء إلخ من القيم التي تنبع من الوجود الاجتماعي للأفراد وتحكم بدورها علاقتهم مع المجتمع وبالتالي يرفعها الأفراد كقيم فوقية كثيرا ما ينسبونها لقوى ما وراء طبيعية. والأمثلة على الانحدار الأخلاقي المتسارع يعرفها كل السوريين ومن أحد مظاهرها الفساد الإداري المستشري المحمي من السلطة
ليس أدل على عمق التناقض بين النظام السوري والمجتمع من أن بشار الأسد رئيس الجمهورية الذي يفترض أن يحرص على سلامة الكل بمن فيهم من حمل السلاح بوجهه، يعتبر المصالحة مع مجتمعه هزيمة ويفضل القتال حتى الموت ضد أفراد من هذا المجتمع على أن يلجأ لعملية مصالحة وطنية تستدعي اعترافا بالمجتمع وإعادة اعتبار له كمصدر للسلطة. وهو الذي لم يهدد بالقتال حتى الموت حتى من أجل السيادة الوطنية على الجولان السوري الذي تحتله ‘إسرائيل’ منذ 44 عاما. كان حافظ الأسد قد أضطر لممارسة القليل من السياسة في بداية حكمه، أما أبنه بشار فهو لا يعرف أية علاقة خارج استلاب محكوميه، الذين قرروا، ربما بدافع غريزة بقاء مجتمعية، في منتصف آذار/مارس 2011 أن بقاءهم كمجتمع يستدعي استعادة كرامتهم وحريتهم وبالتالي إعادة الاعتبار لوجودهم الاجتماعي
أحد نتائج تفكيك المجتمع كان انقسام السوريين بعد انطلاقة الثورة الحالية إلى ثائرين وخائفين، وأقلية صغيرة مستفيدة وموالية، مما أدى إلى استمرار النظام السوري لمدة تسعة أشهر معتمدا ليس على ولاء مريديه بل على خوف السوريين من بعضهم البعض، الأمر الذي يعتبر أزمة وطنية يتوجب أن تدق لها نواقيس الخطر، خصوصا أن النظام السوري بعد أن خرج منتصرا بقوة القمع في عام 1982 أهمل معالجة تبعات أزمة الثمانينات ويدفع الآن باتجاه أزمة قد تعقد الوضع السوري بما لا يقاس
ليس المهم ‘توحيد’ المعارضة في هذه المرحلة بقدر أهمية كسر حواجز الخوف التي تمنع بقية السوريين من الانخراط بالثورة المشتعلة في سورية بدون أيه إشارة إلى انحسارها بدون تحقيق أهدافها. على المعارضة أن تنشغل بتوفير مقومات إعادة الثقة مما سيعزز روح الانتماء إلى مجتمع تتناقض وحدته جذريا مع وجود النظام السوري الذي حرص على تقسيم الناس بين أزلام (جماعتنا) وحيادي إيجابي (صامت) ومعارض (ضد الوطن). العنف المرتكب من قبل النظام يوحد المجتمع، بينما عنف المعارضين سيؤدي لمزيد من زعزعة الثقة بين أفراد المجتمع وبالتالي يمد بعمر هذا النظام. يدرك معظم السوريين هذه الحقيقة التي جعلت الكثيرين يحجمون عن المشاركة في الثورة بعد أن بدت بعض مظاهر العسكرة بالتزامن مع تصعيد عسكري وأمني ضد مجتمع لازال أعزل. خصوصا بعد أن إجتاحت قوات النظام مدينة درعا عسكريا وأمعنت بإذلال المواطنين لكي تدفعهم نحو قتال تجيد إدارته بامتياز وتضمن فيه تفوقها. حرص الثوار على إفشال مخطط النظام الدافع لعسكرة الثورة وكان هذا جليا من خلال الشعارات التي رفعتها الثورة في بدايتها (واحد واحد الشعب السوري واحد، الموت ولا المذلة، وخائن من قتل شعبه)، بينما تعكس الشعارات الحالية حالة، نأمل أن تكون مؤقتة، من فقدان الثقة على إنجاز ما طرحته الثورة على نفسها في بداية الثورة (الشعب يريد الحماية الدولية، والجيش السوري الحر يحميني)، لذلك تطالب الشعارات بتدخل دولي ليس مطروحا أصلا على أجندة الدول القادرة على التدخل العسكري، وحماية جوية غالبا ما ستكلف سورية دمارا كاملآ لدفاعاتها الجوية بدون أن تستطيع إنجاز حماية حقيقية، وممرات إنسانية قد تكون إعادة إحياء لمخطط تقسيم سورية طائفيا
لا بد الآن من إعادة صياغة شعارات الثورة التي يجب أن تضع بناء الدولة المدنية اليمقراطية مرة ثانية على مقدمه شعاراتها. تكمن أهمية شعار بناء الدولة المدنية الديمقراطية من أنه يضمن للخائفين مستقبلهم وللثائرين إنتصارا حقيقيا لثورتهم

طبيب ومسؤول هيئة التنيق الوطنية في الولايات المتحدة

القدس العربي – 2011-12-05