ماذا لو..؟! – محمد أبو رمان

Article  •  Publié sur Souria Houria le 23 novembre 2015

ماذا لو..؟! – محمد أبو رمان

بدأنا نقرأ آراء راديكالية غربية، أمنية ومحافظة، تطالب بالقضاء المبرم على تنظيم « داعش » حتى لو أدى ذلك إلى محو الرقّة من الوجود، مصحوبا ذلك باشتداد الهجمة الجوية الغربية على معاقل التنظيم في سورية. فأمس، كانت هناك غارات عنيفة على دير الزور، فيما أعلن « المرصد السوري » (وهو ليس « داعش » كما تعلمون) بأنّ الروس استخدموا القنابل الفسفورية المحرّمة في هجماتهم الجوية على ريف الرقّة.
من الواضح أنّنا أمام ما يشبه « هستيريا » أصابت العالم بعد الهجمات الإرهابية في فرنسا، وضد الطائرة الروسية فوق سيناء وفي الضاحية الجنوبية، ممزوجة بحالة من القلق باتت تسكن العواصم الغربية خشية من أعمال أو شبكات أو خلايا أو ذئاب منفردة ما تزال في الطريق لتنفيذ عملياتها.
يمكن تفسير ذلك وتبريره إلى درجة معينة، لو كانت هذه الهجمات تطاول فقط أعضاء « داعش » المحاربين. لكن التقارير المحايدة التي تأتي من الرقة، مثلاً، تؤكد أنّ هناك أعداداً كبيرة من المدنيين هم من يقتلون ويصابون بهذه الغارات من جهة؛ ومن جهة أخرى فإن النتائج المرتبطة بانقطاع الكهرباء والماء وتدمير البنية التحتية بالكامل، يدفع ثمنها المدنيون بدرجة رئيسة أكثر من الارهابيين، الذين يتوارون في الأرياف أو بين المدنيين.
المشكلة الكبرى في الغارات الفرنسية والروسية الانتقامية اليوم، تتمثّل -كما تذكر تقارير غربية- بأنّ بنك الأهداف العسكري بشأن « داعش » استُنفد في غارات التحالف سابقاً، ولم تبق هناك نقاط معروفة إلا وتم استهدافها، وأن أي هدف يبرز يتم قصفه سريعاً. لذلك، فالمشكلة في هذه الغارات أنّها أشبه بالعمياء؛ بلا أهداف دقيقة، وقد تؤدي إلى أضرار بالمدنيين أكثر من العسكريين.
حسناً، لو تجاوزنا هذه القصة، وسألنا السؤال التالي: ماذا لو فرضنا جدلا أنّ الروس (أو التحالف الغربي) نجحوا في القضاء المبرم على تنظيم « داعش » في سورية والعراق، وإزالة هذه « الدولة المارقة »؛ هل سيكون ذلك نهاية المطاف، إذا لم ينجح الحل السياسي بصورة جدية وفورية؟!
الجواب: لا. لأنّ الشروط والظروف التي أدت إلى إنتاج « داعش » وصعوده في العراق وسورية ما تزال فاعلة وقوية ومؤثرة، وتتمثل في الأزمة السُنّية، أو شعور السُنّة بتهديد وجودي، وبإقصاء لمصالحهم من المعادلة السياسية. وطالما لم يقبلوا بخريطة طريق سياسية تعطيهم أملاً كبيراً وتحمل ضمانات دولية في التنفيذ، فهذا لن يؤدي حتى لو ذهبت « داعش »، إلى السلم في سورية والعراق.
المشكلة تبدأ هنا، تحديداً؛ عند من يقولون بأنّ الأولوية مقاتلة « داعش » لا رحيل الأسد، أو الذين يفكون الاشتباك بين رأس الأسد ورأس « داعش ». فإذا تمّ القضاء على « داعش » بداية، من دون وجود « بديل سُنّي » قوي في العراق وسورية في آن، وهذا أمر غير ممكن حالياً، فإنّ هذا التحول في ميزان القوى سيشجع الإيرانيين والنظام السوري على تغيير شروط التفاوض السياسي في المرحلة القادمة، كما حصل سابقاً في سورية عندما تغير الميزان، وفي العراق عندما ظهرت الصحوات وامتلك رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، القدرة على الفتك بالخصوم.
لذلك، من الضروري أن تتزامن الجهود العسكرية الحالية مع رسائل وخطوات سياسية حقيقية، تحمل ضمانات عميقة وحقيقية للسُنّة بمستقبل آمن، وبانتصار رمزي لهم يتمثّل في رحيل الأسد، حتى لو عبر نزع صلاحياته في المرحلة الانتقالية ومنعه من الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
اليوم، الروس يمكن أن يضمنوا مصالح الطائفة العلوية في سورية، والغرب يحمي الأقليات، وإيران تدافع عن مصالحها أيضاً. لكن هناك فراغ حقيقي بشأن من يحمل مصالح المجتمعات السُنّية في سورية والعراق، ويمثّل بديلاً عن .خيار « داعش » الدامي العدمي!

http://www.alghad.com/articles/905136-