متى سيؤخذ كلام السوريين على محمل الجد؟ – صبر درويش

Article  •  Publié sur Souria Houria le 27 septembre 2011
بعد أن استخدم النظام السوري كل ما في جعبته من وسائل قمعية لا تخطر على بال حتى أكثر العقول خبثاً, هاهو يستعين اليوم بعلي دوبا الذي لم يبق من جسده الواهن سوى رمق, لكنه رمق يكفي لارتكاب مزيد من المجازر بحق شعبنا الأعزل
بيد أن لعودة دوبا دلالات لا يخطئها التحليل, فهي مؤشر واضح لفشل القيادات الشابة في إدارة أزمة يقول العالمون في الأمر أنها الأخطر من نوعها في تاريخ سوريا, وهو دليل فشل أيضا للقيادات ‘الصديقة’ التي تم الاستعانة بها مع بدأ الأزمة؛ إذن هو بالمختصر فشل للكادر الشاب في قمعه للشعب الثائر, فلابد إذن من الاستعانة بالحرس القديم المتمرس في قمع الانتفاضات الشعبية على نموذج حماه تاريخياً. إذن كان لا بد من استحضار قادة الثمانينات لقمع ثوار اللحظة الراهنة, وهو استحضار لا يخلو من مفارقة
بيد أن السؤال لا يلبث يقفز هنا: وماذا بعد؟ متى سيؤخذ كلامنا على محمل الجد, بأن نجاحات النظام في قمع انتفاضة الثمانينات كانت في ظروف الزمان وأن هذا الزمان وظروفه كانت قد ولت من غير رجعة, متى سيدرك قادة النظام قديمه وجديده, أن لا خيار أمامنا سوى المضي قدماً في انتفاضتنا؟ لا لأننا شعب أسطوري لا يستسلم أو ينهزم, بل لأن خيار العودة أو التراجع ليس موجود أصلاً على قائمة الخيارات. كنا ندرك فيما مضى عندما كان للتحليل دور يلعبه في سياق القبض على الواقع أننا بصدد دولة يصح أن نصفها بأنها الدولة القوية الضعيفة, أي الدولة القوية على شعبها والضعيفة في مواجهة أعدائها
وأتت ثورات تونس ومصر وليبيا.. لتؤكد هذا التحليل وتذهب به أبعد من ذلك حيث لن يستغرق إسقاط هذه
النظم الهشة سوى أسابيع قليلة. إلا نظامنا ويا لسوء حظنا- كان مفاجأة للمراقبين وصدمة لنا نحن الخارجين منذ قليل من عبء عبوديتنا
فالعام الذي صنف بأنه عام ربيع الشعوب العربية, سيصنف على أنه عام الأرقام القياسية بالنسبة لنا نحن السوريين
أرقام قياسية في عدد القتلى ..أرقام قياسية في عدد الجرحى والمعتقلين والمفقودين ..وأرقام قياسية في حجم الذهول
كل شيء يدعو إلى الذهول, الشعب في تألقه البطولي وإصراره على المضي في طريق لا عودة فيه, والنظام في حجم تمسكه بكرسيّ مستعد أن يتحالف مع الشيطان في سبيل حمايتها
الشعب خائن والشعب يتآمر على مصالح الوطن المتجسدة في سلطة الزعيم الملهم والقائد الهزيل للمرحلة الهزيلة. والوطن يا سيدي ينزف من مواضع عدة
منذ بدء الأحداث الدموية في البلاد والخطاب الرسمي للجريمة لا يكف عن التحذير من مؤامرة يحيكها الخارج المتربص بنا وبثرواتنا المنهوبة أصلاً
هو الخارج إذن وراء ما يجري, والشعب لا يعدو كونه أداة للتلاعب. معادلة سهلة لا تحتاج إلى مزيد من التحليل, يقول المسحورون بخطاب الممانعة الرسمي
ولكن ما الداخل وما الخارج في معادلة اللغة السائدة؟
تبدو إيران وهي تمد الطاغية بأدوات طغيانه داخلاً وداخلاً حتى العظم. لا ضير وفق وجهة النظر هذه من أن تقدم الحليفة إيران الدعم والعون لأصدقائها السوريين في مواجهة الشعب المتآمر, لا ضير من قليل من العصي الكهربائية وبعض الشحنات من الأسلحة الغير متداولة عالمياً, وبضع جنود من حزب الله فتى إيران المشاكس
بينما يكفي أن يطالب الشعب المخذول بإعلام حرّ ونزيه, ولجان حقوقية لمراقبة ما يجري حتى تثبت تهمة التآمر والعلاقة مع الخارج. هي معايير نسبية إذن, تحددها مفردات الطاغية ومساعديه الصاغرين, حيث يتساءل هؤلاء الأخيرين عن طيب نية: عن أية حرية تتحدثون؟ ويرددوا خلف رئيسهم المعبود: من أنتم؟
لا تطرح الشعوب أسئلة لا تقدر على الإجابة عنها. يطرح الشعب السوري سؤال الحرية, ويصر على بلورة إجابة واضحة ومتماسكة. الطغيان عدو الحرية, والعبيد لا يصنعون التاريخ, والدفاع عن الأرض والكرامة لا يتأتى عبر كسر الروح المقاوم لدى الفرد. إذن المسألة ليست معضلة يصعب فهمها, والشعب يعرف تماماً طريقه, طريق يقول المنتفضون أنه يقود إلى كرامة كادت الذاكرة الجمعية أن تشكك في وجودها أصلاً
يتحدث مراسل جريدة الاندبندت عن خصوصية سوريا, التي ترتبط بعلاقات إستراتيجية مع إيران وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية المختلفة, وتجتمع مع كل من سبق ذكرهم في العداء لإسرائيل, بيد أن المفارقة تكمن في دفاع نتنياهو المستميت عن نظام الأسد, حيث لم يوفر الزعيم الإسرائيلي جهداً في الدفاع عن النظام السوري. وعندما يسأل الصحفي عن هذا الإرباك في التحليل وعن غرابة جمع هذه التناقضات في سلة واحدة يجيب ضاحكاً أنت في الشرق يا سيدي حيث التناقضات تلتقي من غير سوء
وهنا تحديداً نجد الإجابة الحقيقية حول سبب صمت العالم المتمدن عن جرائم من الصعب تخيلها يرتكبها النظام السوري بحق شعبه, فهذا النظام يحقق متطلبات الجميع بدون استثناء
إسرائيل تنعم بسلام قل نظيره, وعقود النفط تبرم مع الشركات الأجنبية بشروط تثير الأسى من كثرة ما هي مجحفة, وشعب تم تحويله إلى قطيع لا يؤذي ولا يشتكي من شيء, والجميع بخير فهل يصح بعد ذلك التشكيك
بخطاب الممانعة التاريخي؟
القدس العربي – 2011-09-26