مجزرة الغوطة.. وما قبلها وبعدها!- منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 24 août 2013

صحيح أن نظام الأسد، أباً وابناً، يملك تاريخاً موثقاً على صعيد إبادة المدن وما دونها، بأهلها وزرعها وعمرانها؛ لكنه، مع ذلك، لا يمكن أن يكون المسؤول عن مجزرة الغوطة التي حصدت أرواح مئات السوريين العزل! وصحيح أن هذا النظام قد ارتضى إحراق البلد بكل سلاح، بما فيه الطائرات الحربية وصواريخ « سكود »، كي لا يقدم تنازلاً لمن كان يُفترض به أنه شعبه، عبر الإفراج عن أطفال معتقلين أُخضعوا لتعذيب ساديّ، وإقالة قريب الرئيس الفاسد محافظ حمص، ومنح شهادات وفاة لمختفين في سجونه أو مقابره الجماعية منذ أكثر من عقدين.. لكن رغم كل ذلك يظل مستبعداً أن يكون هذا النظام هو المجرم الذي لا يُضاهى المسؤول عن مذبحة أطفال الغوطة ونسائها! وصحيح أنه النظام الذي يصر على أن الإصلاح لا يكون إلا بمزيد من الدمار والاستبداد والتنكيل، فما يزال يطارد معارضيه السياسيين في سورية اعتقالاً حتى اللحظة، كما يطارد السوريين في كل مكان في العالم بحرمانهم من كل وثائقهم؛ لكنه مع ذلك يظل بريئاً من أرواح أهل الغوطة براءة الذئب من دم يوسف!
هل يبدو كل ما سبق تناقضاً فاضحاً مستفزاً، إذ لا مجال لإثارة السخرية؟
أبداً! تفسير ذلك، وببساطة شديدة، أن هذا النظام « العاقل » -وإن أحال سورية بفضل عقلانيته، بكل تاريخها ووزنها، إلى مجرد ساحة لتصفية الحسابات بين الصغار قبل الكبار- لا يمكن أن يرتكب مجزرة بهذا الحجم، باستخدام السلاح الكيماوي تحديداً، غداة وصول فريق التحقيق الدولي في استخدامات سابقة لهذا السلاح!
لكن هنا أيضاً يبرز سؤال مربك: أليس هذا هو الدفاع ذاته الذي يُقدم أيضاً في مواجهة أنصار الاستبداد، وضمنه نظام الأسد، الذين يحاولون اتهام المعارضة السورية المسلحة بالمذبحة انتحاراً؟! لاسيما وأن هذه المعارضة كانت هي من طالبت بتحقيق دولي في استخدام نظام الأسد السلاح الكيماوي ضد التجمعات السكانية السورية. وقبل ذلك، فليس ممكناً ادعاء قدرة هذه المعارضة على تحضير أسلحة كيماوية يملكها الأسد وتفتقر إليها دول بذات إمكانات سورية؛ تماماً كما لا يمكن ادعاء حصول المعارضة على كيماوي « للانتحار » من أطراف في « المؤامرة الكونية »، ترفض توفير صواريخ مضادة للدروع والطائرات لهذه المعارضة، طالما أنه يخدمها مواصلة استنزاف سورية حد الاختفاء وليس الهلاك فحسب.
بالإمكان حتماً طرح أسئلة لا تنتهي حول مجزرة الغوطة، ومحاججة كل إجابة ممكنة. لكن يظل الواضح تماماً وسط كل هذا الغموض، هو هذه النظرة إلى الضحايا الذين باتوا مجرد أرقام وصور. إذ إن السؤال المهم، بل والوحيد الآن، خصوصاً لدى أنصار الأسد أعداء الإنسان السوري، هو ما إذا كان ضحايا الغوطة قد قضوا بسلاح كيماوي يستدعي التحرك (أو ادعاء التحرك) أو حتى الخجل والاكتفاء بالصمت، أم أنهم قضوا بسلاح تقليدي، وبما يجعل موتهم طبيعياً ومقبولاً لا يستوجب أي رد فعل، حتى إنساني!
ووفق هذا المعيار الأخير، يغدو مفهوماً الاستهتار بحياة أكثر من مائة ألف قتيل سوري، طالما أجهز عليهم النظام بشكل تقليدي وغير مصور قبل « الغوطة »، فظل بسبب ذلك أكثر تحضراً من « القاعدة » التكفيرية التي تستأصل مخالفيها، لكن تفضح نفسها!