محاكمة مبارك على «التلفزيون السوري»: تجاهل الحدث! – راشد عيسى

Article  •  Publié sur Souria Houria le 5 août 2011
تفرّد «التلفزيون السوري» أمس الأول بتجاهله في نقل محاكمة الرئيس المصري السابق وولديه جمال وعلاء ومساعديه. وفي وقت انخرطت فيه شاشات معظم الفضائيات في النقل المباشر، كان «التلفزيون السوري» يسبح في واد آخر، وليس بالضرورة وادي حماه، فلا يمكن أن نتوقع نقلاً مباشراً له من هناك. الأمر يذكر بارتباك مزمن لدى هذه القناة بالتعامل مع أحداث كبرى مرت بها المنطقة. ومن بينها سقوط بغداد إثر الحرب الأميركية على العراق، فحينما كانت بغداد تسقط عبر كل شاشات العالم، كان «التلفزيون السوري» غارقاً في عسل التجاهل!
ولكن المسألة لم تقف عند هذا الحد في التعامل مع حدث قد لا يمر مثله كل قرن، ونعني وقوف طاغية محاكماً وراء القضبان، فالخبر لم يذع بين عناوين النشرة الرئيسية في الثامنة والنصف مساءً، وقد اضطررنا للانتظار أربعين دقيقة كاملة بعد بدء النشرة لنصل إلى الخبر الختامي التالي: «تشابك بين موالين ومعارضين للرئيس مبارك على خلفية محاكمته». الصور التي تفتتح الخبر هي صور الاشتباكات بين الموالين والمعارضين، ثم تليها صورة سريعة لمبارك وراء القضبان. هكذا تأتي الصورة التاريخية للرئيس المصري السابق، وهي بالمناسبة الأولى له بعد تنحيه، تأتي تالياً وبسرعة البرق
كل المقاييس والاعتبارات المهنية لا يمكن أن يؤجل خبر محاكمة مبارك ويهمل إلى هذا الحد. لكن الرسالة واضحة ونموذجية لما يريد الإعلام السوري قوله: إن خبر الاشتباكات بين مواطنين هو الأخطر، من أجل تسليط الضوء على أبرز النتائج التي تحملها، وستحملها، ثورات المنطقة، وهو ما حذرت وتحذر منه مراراً تلك الأنظمة: من دوننا لا مناص من الحرب الأهلية
كذلك فإن خشية ما لدى الإعلام السوري من أي مقارنة، تقع في صلب اختياره لتعامل كهذا مع خبر المحاكمة. لكن الخبر وقع، والصورة من القوة بحيث أنها لا يمكن أن تغيب عن مخيلة أي مواطن عربي، على الأقل، مهما كان بعيدا عن شؤون السياسة، وبالتالي فإن تجاهلها من قبل «التلفزيون السوري» لا يغير شيئاً في قوتها، بل يشير إلى إصرار الإعلام السوري على العيش في الماضي، العيش في ما قبل الخامس عشر من آذار الفائت
في المقابل، أكدت الصحف السورية الرسمية الصادرة أمس أن التعامل مع الخبر بهذا الشكل ليس زلة تلفزيونية، فقد خلت صحيفتا «تشرين» و«الثورة» من أي ذكر لخبر محاكمة مبارك، فيما أشير في الصفحات الداخلية لصحيفة «البعث» إلى خبر تأجيل محاكمة مبارك من دون أي صورة مرفقة
الإعلام السوري لم يتغير، وكل رغبات الإصلاح لم تستطع أن تجري تعديلاً بسيطاً في ترتيب النشرة الإخبارية، والأهم أنه إذا كان الإعلام السوري قادراً على تجاهل وإهمال خبر بهذه القوة والاستثنائية والوضوح، خبر متاح إلى هذا الحد، فكيف نتوقع منه أن يتعامل مع أخبار المدن التي تقطع فيها الاتصالات
الخلوية، والأرضية، ويمنع حتى الحمام الزاجل من اختراق سمائها؟
السفير – ٥ آب ٢٠١١
http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=1914&ChannelId=45162&ArticleId=532&Author=راشد+عيسى#.TjtA9eQWyxI.facebook