محاولات فهم السوريين – مانيا الخطيب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 mai 2012
أصعب أمر واجهني في هذه الثورة السورية المجيدة، هي محاولة فهم الناس الذين – بدون أن يكون لهم أي مصلحة مباشرة مع عصابة الحكم ، بل لديهم ما لديهم من معاناة عاشوها ولا زالوا – يقاتلون في الدفاع عن المجرم بشار الأسد، بل والأنكى والأشد مرارة من هذا ينعتونه بـ « سيد الوطن » !! شعورٌ بالصدمة أصابني عندما علمت عن بعضٍ ممن يضع في غرف بيوتهم صوراً حتى للمجرم ماهر!!
ومنهم من يطرب أشد الطرب لما يتفوه به الجعفري (برأيي، الممثل الكوميدي) واصفينه  » مبهدل أمريكا في عقر دارها » !
ومن غرائب الأمور أن تجد أشخاصاً سوريين مغتربين، يتصفون بوطنيةٍ سوريةٍ لا غبار عليها، تجدهم يشاركون مثلاً في مظاهرة من أجل أطفال غزّة، أما ما يحصل لأطفال سورية فلا يحرك فيهم إلا شعور مزدوج ضد الضحية والجلاد على حدًّ سواء، علماً بأنهم لا مصلحة تربطهم بالنظام ولا يتلقّون منه أي فائدة !
أسئلة كثيرة يرددها أخبث العقول، لماذا لم تتحرّك حلب والشام منذ بداية الثورة؟ في محاولة منهم للنيل من مشروعية ونضوج ظروف الثورة السورية، تلك التي رأيتها بأم عيني ووجداني قبل أن تحدث بحوالي الربع قرن.
الأمر من كل هذا، هم أولئك السوريون، الذي دفعوا عمرهم في سجون الأسدين البائدين، ثمناً لآرائهم ومواقفهم وعاشوا حياةً صعبةً، وعندما بدأت الثورة .. تخلّوا عنها .. بل وبدؤوا يكررون خطاباً منسوخاً .. عن الحكومة التي قضوا حيواتهم يرزحون تحت كابوسها.
سأتناول أمرين أساسيين في طبيعة الانسان السوري وفي بنيته الأساسية لمحاولة الاقتراب من فهم الحالات التي ذكرتها،
الأول: هو أنه جُبِلَ على التعايش مع أصناف عديدة من البشر، من كل الأديان والقوميات والأعراق، وبالنسبة له يعدُّ خط أحمر كل ما يقترب من هذا النسيج السكاني، لأنه بفطرته السورية يعرف أنه ليس هناك من سورية أصلاً بدون هذه التكوينات
ولهذا فقد حرِصَت الحكومة المنافقة على اللعب على هذا الوتر، لهذا كان من أهم الصور التي تناقلها « المنحبكجية » في بداية الثورة تلك التي تظهر بشار المجرم، يقف عن يمينه ويساره المفتي، والشيخ، وبطرك الكاثوليك وبطرك الروم، ومشايخ عقل الدروز، والخ… وظلّت « أصناف » من السوريين تتغزل ردحاً طويلاً من الزمن بهذه الصورة المنافقة، التي توحي زوراً بـ « الوحدة الوطنية ».
الثاني: هو أن السوري يعتبر أن زمرة دمه فلسطين، وبهذا، ولهذا تفنن النظام الفاجر، المخادع، باللعب والتلاعب بهذا الوتر الأكثر حساسية … أشد التفنن. وهو بامكانه حتى اليوم… أن يسوق عن نفسه صورة أنه « حتى اليوم لم يضع يده في يد « إسرائيل »  » وكأن ما قدمه من خدمات لاتحصى لاسرائيل وخصوصاً محاولة سحق الشعب السوري هذه ليست يداً موضوعةً تحت الطاولة في يد اسرائيل .. والمثال الآخر عن خدماته لاسرائيل، هي علاقته بحزب الله ، ما هي إلا تنفيذاً لمقولة « أن النظام السوري سيحارب إسرائيل حتى آخر لبناني!! ».
السوريون بعد هذه المحنة يلزمهم اعادة التعرف على بعضهم .. ليست هذه النوعيات، على الرغم من كل سلبيتهم ودورهم المؤذي في الثورة سوى في النهاية سوريين .. لا ولن ينفع معهم أن نتفنن نحن أيضاً في خطاب مليء بالإهانة والاحتقار .. هم ضحايا غسيل الدماغ .. والنفاق والتجييش، بعضهم، ضحايا التخويف والترويع والابتزاز، ضحايا التهديد بمعاقبة عوائلهم، ضحايا أنهم قضوا ما يقارب النصف قرن من حيواتهم في هذا الكابوس .. إلى أن ظنوا أنه جزء من حياتهم .. هم بحاجة إلى التدرب والمساعدة .. بحاجة إلى إعادة التأهيل .. والتوعية .. نحن في سورية يلزمنا مشاريع تنمية بشرية كثيرة وواحدٌ منها هو أن نتفاهم مع بعضنا .. عندها يتحقق أهم هدف للثورة وهو « بناء وطن لكل السوريين »
مانيا الخطيب 1.5.2012