محمد آل رشي، مي سكاف، سميح شقير وآخرون قائمة المغضوبين عليهم من النظام السوري… والذين كانوا الصوت الحقيقي لشعبهم – *رياض معسعس

Article  •  Publié sur Souria Houria le 1 août 2011

تحضرني اليوم ذكرى بعيدة أثارتها أحداث الثورة السورية المباركة وموقف الفنانين السوريين منها. تعود هذه الذكرى إلى ستينات القرن الماضي، وكنت صبيا غرا في قرية سورية تعرف أهلها على جهاز التلفزيون في بداية تلك الفترة.
وكان هذا الجهاز السحري يجذب الأبصار رغم ضحالة المضمون، وسوء التقنية، وسيطرة الدولة التامة على كل كلمة تقال فيه، أو صورة تبث على شاشته، بل بات أداة جبارة في أيدي المتسلطين على السلطة ليسكنوا شاشته، ويتجرع المشاهدون كأس الملل حتى الثمالة.
لكن في عتمة هذه الحقبة المليئة بالتقلبات، والانقلابات، والانقلابات على الانقلابات، والتي بدأ معها التسلل الأول لحزب البعث، للاستيلاء على السلطة، برزت الدراما السورية وصعد الرواد الأوائل ليرصفوا طريق مجدها بأولى الأعمال الدرامية التي لاقت رواجا كبيرا في أوساط السوريين. وكانت معظم هذه الأعمال أعمال هادفة نظرا لظروف المرحلة الحرجة التي كانت تمر بها المنطقة بشكل عام وسوريا بشكل خاص.ذات ليلة تم الإعلان عن عمل درامي بعنوان ‘مذكرات حرامي’. وكان بطل هذا العمل الفنان الكبير عبد الرحمن آل رشي، وما أن بدأ عرضه حتى بات متابعا من معظم السوريين وبشغف كبير، خاصة وأنه كان قصة واقعية ‘لحرامي’ روى قصته لمخرج العمل علاء الدين كوكش. وهو يحكي قصة رجل دفعته الظروف أن يمتهن هذه المهنة، وبعد سنوات السجن الطويلة خرج ليروي قصته، ويعلن بدء حياة جديدة. لقد ترك هذا العمل الدرامي، الذي تابعته بولع كبير، أثرا عميقا في نفسي. ولكن ما طبع مخيلتي هو الفنان عبد الرحمن آل رشي الذي كان يؤدي دوره بمهارة وعفوية منقطعتي النظير. ويعطي لهذه الشخصية حقها من الواقعية. ومنذئذ، وأنا أتابع الدراما السورية من مهجري، التي تخطت حدود سوريا، وباتت طليعية في العالم العربي ككل، أتحين الفرص لأشاهد أعمال آل رشي كنهاية رجل شجاع، وملوك الطوائف، وباب الحارة، على سبيل المثال لا الحصر، فأعماله كثيرة لا تتسع لهذا المقال، والحديث عنها يطول. بطل طفولتي عاد إلى ذاكرتي عندما شاهدت، كما شاهد الكثيرون، نجله الفنان محمد آل رشي وهو يتصدر مظاهرة دمشقية ويهتف عاليا ‘واحد واحد الشعب السوري واحد’ وإذا علمنا بأن آل رشي هي عائلة سورية عريقة من أصل كردي، نعرف إلى أي مدى يمكن أن يثمن المرء مثل هكذا عبارة تصدر من حنجرة فنان كبير، إلا أن محمد لم يتوقف عند هذا الحد بل صرخ بصريح العبارة ‘عاشت سورية ويسقط بشار الأسد’. وهذا الموقف أراده واضحا وعلنيا كي لا يكون فيه أي لبس، لا ضربة على الحافر وأخرى على النعل، ولا ‘منحبك ولكن’ على طريقة بيانات الفنانين السوريين الآخرين. هذا الموقف كان يعرف محمد بأنه سيدفع ثمنه غاليا، لكنه فضل أن يكون مع هذا الشعب المناضل ضد القمع والفساد والدكتاتورية، وينضم إلى قائمة ‘المغضوب عليهم’، كمي سكاف التي جاهرت بمناصرتها للثورة، أو سميح شقير صاحب الأغنية الرائعة: يا حيف. التي باتت أغنية الثورة بامتياز. وما لفت انتباهي وأعادني إلى ذكريات طفولتي وعبد الرحمن أيضا هو موقفه الذي كذب فيه شائعة أجهزة الأمن السورية التي روجت بأن عبد الرحمن الأب تبرأ من ابنه محمد لاتخاذه هكذا موقف وطني.
لقد عبر محمد آل رشي، ومي سكاف، وسميح شقير وآخرون ما يختلج في صدر كل فنان حر، يؤمن بالفن الهادف، وبفن مناضل عندما يتطلب النضال، لأن الفنان هو صوت شعبه وضميره الحي. وسورية اليوم ما أحوجها إلى صوت فنانيها. لأن الدراما الحقيقية لم تعد دراما رمضانية نشاهدها على شاشة التلفزيون بعد أن تمتليء البطون، ولكن نراها، ومنذ بداية هذه الثورة العظيمة، في شوارع المدن السورية التي تشهد يوميا عمليات القتل والترويع، وآلاف الاعتقالات والمفقودين. وكما حشدت السلطة أفراد حزب البعث، ومخابراتها، و’شبيحتها’ للتصدي للمتظاهرين المطالبين بالحرية، تحاول اليوم حشد كل الفنانين الذين يدينون بالولاء لها لمواجهة الفنانين الشرفاء الذين وقفوا مع شعبهم لأنهم منه، ولا يمكن أن ينسلخوا عنه. وهنا شاهدنا حلقة من الدرامو- كوميديا، التي يتقنها النظام السوري، في اجتماع بشار الأسد بالفنانين الذين تحلقوا حوله ليسمعوه ما يحب أن يسمعه، ليستخدمها ورقة في وجه ‘ لقائمة السوداء’ من الفنانين الذي فضلوا الجانب الآخر، تماما كما شاهدنا نواب البرلمان السوري وهم يكيلون له المديح بطريقة تذكر بعصور الانحطاط والشعر الرخيص في المديح. لقد وقف جل الفنانين المصريون خلال ثورة الشعب المصري إلى جانب الثورة خلا ثلة قليلة رفضها الشعب المصري ونبذها جانبا، واليوم وبعد إسقاط نظام الظلم والفساد فقد هؤلاء موقعهم في المجتمع كتامر حسني، وإيهاب نافع. وهذا ما سيحصل مع ‘أبطال الدرامات الرمضانية’ الذين مثلوا بطولات الشعب العربي عامة والسوري خاصة على الشاشة، وأخذوا أدوار أبطالنا التاريخيين، كخالد بن الوليد، والقعقاع، وصقر قريش، وسواهم. ولكن عندما توجب عليهم أن يلعبوا أدوارهم البطولية على أرض الواقع مع شعبهم الثائر على الظلم والفساد والطغيان، ليثبتوا أنهم أبناء هذا الشعب ومع قضاياه، آثروا أن يقفوا مع الظالم ضد المظلوم، ومع الجلاد ضد الضحية. وهنا لا بد من ترديد أغنية سميح شقير: يا حيف.
*كاتب من سورية مقيم في باريس

ملاحظة: المقال يعبر فقط عن وجهة نظر كاتبه