محمود درويش يكتب « خطب الدكتاتور » – خالد الحروب ـ كامبردج

Article  •  Publié sur Souria Houria le 22 août 2011

كأنها نبوءة الشاعر إذ يحدس بالنهايات ويسخر من جبروت الدكتاتور القائم رغم بطشه وسده للأفق واغتياله للمستقبل. محمود درويش ينشر في سنوات 1986 و1987 في مجلة « اليوم السابع » التي كانت تصدر في باريس نصوصا نثرية تحت عنوان « خطب الدكتاتور الموزونة » يسخر فيها من الحاكم العربي بتنويعاته
اليوم يعيد الزميل حسن خضر الحياة إلى هذه النصوص الفريدة وغير المشتهرة لدرويش ويقدم لنا وللثورات العربية خدمة جليلة عبر نشرها كاملة في العدد الاول من « الكرمل الجديد »، وهي التي تستأنف مسيرة « الكرمل » التي أسسها الشاعر الراحل وطبعها بنثرياته وذائقته المتعالية. درويش لم يعتبر تلك النصوص قصائد شعرية لهذا لم يضمها إلى اي من دواوينه اللاحقة. وعلى الرغم من ان هذه النصوص نشرت قبل خمسة وعشرين عاما، وكما يلاحظ خضر بحق، « فإنها تبدو معاصرة تماماً، كما أن بعض الحكام الذين المح إليهم في تلك النصوص لا يزالون على قيد الحياة »
تتضمن النصوص ثمانية خطابات « موزونة » للدكتاتور يصوغها درويش بنثريته السلسة والساخرة. وعندما نقرأها اليوم لن نحتاج إلى خيال مجنح كي نرى انطباقها على حالة حاكم هنا، وحاكم هناك. في « خطاب الجلوس » يعلن الدكتاتور على الملأ ما يلي: « سأختار شعبي، سأختار افراد شعبي، سأختاركم واحدا واحدا، من سلالة امي ومن مذهبي، سأختاركم كي تكونون جديرين بي، …، سأختار شعبا محبا، وصلبا، وعذبا، سأختار اصلحكم للبقاء، وانجحكم في الدعاء لطول جلوسي.. ». وفي « خطاب الضجر » نقرأ عن ملل الحاكم والمحكومين من الحياة برمتها، ذلك ان رتابة التسلط وسيطرة الخنوع تقضي على اي احتمال للدهشة او التغيير: « … اختصر الناس، اسجن ثلثا، واطرد ثلثا، وابقي من الثلث حاشية للسمر … وما من خبر! واطبع وجهي من اجلكم فوق القمر، لكي تحلموا مثلما اتمنى لكم: تصبحون عليّ .. وما من خبر، ضجر .. ضجر، وحيد انا ايها الشعب، شعبي العزيز ..، ولكن قلبي عليك، وقلبك من فلّز او حجر، اضحي لأجلك، يا شعب، إني سجينك منذ الصغر، ومنذ صباي المبكر اخطب فيكم، واحكمكم واحدا واحدا، وفي كل يوم اعد لكم مؤتمر، فمن منكم يستطيع الجلوس ثلاثين عاما على مقعد واحد دون ان يتخشب، ومن منكم يستطيع السهر ثلاثين عاما ليمنع شعبا من الذكريات وحب السفر؟ وحيد انا ايها الشعب: لا استطيع الذهاب إلى البحر، والمشي فوق الرصيف، ولا النوم تحت الشجر. ثقيل هو الحكم .. لا تحسدوا حاكماً، أي صدر تحمل ما يتحمل صدري من الاوسمة؟ واي فتى منكم يستطيع الوقوف ثلاثين عاما على حافة الجمجمة؟ »
في « خطاب السلام » يتمثل درويش الخطاب الساداتي والمباركي في تسويق السلام مع إسرائيل. الدكتاتور هنا يرسم في خطابه مسارا واحدا وحيدا للشعب لا يجب ولا يمكن اختيار غيره. وفي هذا التسويق يبلغ الوصف الدرويشي ذرى من السخرية السوداوية: « … ويا أيها الشعب، يا سيد المعجزات، ويا باني الهرمين، اريدك ان ترتفع إلى مستوى العصر. صمتا وصمتا، لنسمع وقع خطانا على الارض، ماذا دفعنا لكي نندفع .. ثلاث حروب وارض اقل، وخمسون الف شهيد و خبز اقل، وتأميم افكار شعب يحب الحياة ورقص اقل، فهل نستطيع المضي اماماً؟ وهذا الامام حطام؟ اليس السلام هو الحل؟ عاش السلام … ومن اجل هذا السلام اعيد الجنود من الثكنات إلى العاصمة، واجعلهم شرطة للدفاع عن الامن ضد الرعاع، وضد الجياع، وضد اتساع المعارضة الآثمة، فليس السلام مع الآخرين هناك سلاما مع الغاضبين هنا، هنا لن تقوم لأي فئات يسارية قائمة، سأفرم لحم اليسار، واحجب ضوء النهار عن الزمرة الناقمة، وفي السجن متسع للجميع، من الشيخ حتى الرضيع، من رجل الدين حتى النقابي .. والخادمة، فليس السلام مع الآخرين هناك سلاما مع الرافضين هنا، هنا طاعة وانسجام، ليحيا السلام »
في « خطاب الأمير » نقرأ سيطرة الحاكم المطلقة والمطبقة على شعبه إذ يرى في ذاته العلوية منحة هابطة على الناس: « احبوا الامير، وخافوا الامير، ولا تقنطوا من دهاء الامير، فليست لنا غاية في المسير، ولا هدف غير ان تستقر الامور، على ما استقرت عليه: امير على عرشه، وشعب على نعشه، انا خنجر من حرير، احب الرعية ان اخلصت، وإن ارخصت دمها في سبيل الامير، فعمر الرعية في الحب عمر طويل، وعمر الرعية ان كرهتني قصير … انا السيف والورد والمصلحة، وليس على ما اقول شهيد، وليس على ما اريد قيود »
يدفع درويش بالكوميديا السوداء للحاكم العربي اشواطا بعيدة في « خطاب القبر ». فهنا الحاكم لا يريد أن يموت. يريد ان يتحدى نواميس الكون وان يواصل حكمه للشعب المطحون حتى بعد موته: « أعدوا لي القبر قصرا يطل على القصر من جهة البحر، قصرا يدل الخلود علي ويرفع لاسمي جبالا من المرمر الصعب، يدفع احلامكم صلوات .. إلي، فمن كان يعبد هذا البلد فقد مات هذا البلد، ومن كان يعبد هذا الجسد فمن حقه ان يصدق اني حي، وحي هو العرش حتى الابد … بلغت الثمانين، لكنني ما عرفت السأم، وقد اتزوج في كل يوم فتاة … بلغت الثمانين لكنني سأعيش ثمانين اخرى، وتسعين اخرى، وارفع سيفي قلم، واحمل توابيتكم عندما تهلكون وابكي عليكم، وارثيكم يوم تهوي البيوت على ساكنيها، ويسكنها العنكبوت، فمن واجبي ان اعيش ومن حقكم ان تموتوا، لأنجب جيلا يواصل احلامكم، فما من احد رأى ما رأيت، وما من بلد رأى ما رأى بلدي من فتوة هذا الجسد، فمن كان يعبد هذا البلد فقد مات، اما الذي كان يعبدني فمن حقه ان يصدقني حين اصدر امري إلى الموت: دعني وشعبي الود معا للأبد! ». في الاسبوع القادم نتوقف عند بقية خطابات الدكتاتور، « خطاب الفكرة »، « خطاب النساء »، و »خطاب الخطاب »

الأيام – الاثنين 22 آب 2011

http://www.al-ayyam.ps/article.aspx?did=173218&Date