مستقبل الشعب السوري الجميل – مانيا الخطيب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 5 octobre 2011

في سوريا…. وبعد عقود من تحكم فروع المخابرات في كل شاردة وواردة في حياة الناس، المدنيين منهم والعسكريين، وبعد إيقاع أشد الأذى بالبلاد والعباد من سرقة ونهب وتخريب للطبيعة … وحرمان الناس من أبسط الحقوق …والمتاجرة بالقضايا الوطنية شمالاً ويميناً، شرقاً وغرباً …. فقط ليبقى الحكم والسيطرة في يد عائلة الأسد ومن لف لفها

أعمى الغرور أبصار العائلة وطغمتها الأمنية والمالية فتصوّروا أنهم حقاً يمتلكون هذه الديار وما عليها
وعندما هبّت الناس في ثورتها الأسطورية من أجل الحرية والعدالة، فقدت « العائلة الحاكمة » صوابها وأعصابها ، بل جن جنونها، فبدأت مسلسل إجرام مروِّع قلّما شهد التاريخ له مثيلاً.
ولكننا الآن نرى بأم العين كيف عقد العزم شعب ينبض بالحياة والإبداع، مثل الشعب السوري، على استرداد حقوق مهدورة من نظام دموي فاسد
الموضوع هكذا بكل هذا الوضوح والبساطة
وفي المقابل، يطل علينا من هنا وهناك من يقول قولاً لا أملك إلا أن أصفه إلا أنه خارج عن الموضوع، ومنفصل تماماً عن عن هذا المهرجان البشري للحرية والحياة وهو أنه « إذا سقط نظام بشار الأسد (الذي هو عائلي مافيوي) فإن الحكم في سورية سيؤول إلى الإخوان المسلمين والمتشددين …أو أن سورية تسير إلى المجهول… »
سورية سيؤول إلى الإخوان المسلمين والمتشددين …أو أن سورية تسير إلى المجهول… »
سأورد في ما يلي شرحاً سريعاً عن تركيبة الشعب السوري الجميلة بألوانها المتنوعة
الأكراد، الذين يقدر عددهم بالملايين، قوم لديهم ثقافتهم وتقاليدهم العريقة، ومثال عليها احتفال عيد « النوروز » الربيعي الجميل، الذي لم تنجح آلة القمع المسعورة في إطفاء رونقه. إنه طقس يقول الكثير عن هذا الجزء الطيب من الشعب الذي لم يتخل. رغم كل الأذى الذي لحق به، عن انتمائه وارتباطه العميق بالأرض التي عاش عليها آلاف السنين وجاور فيها أجناساً وأجناساً .. وتشكل له خلفيته الثقافية ذات الطابع القومي أهمية أكثر من أن يتشدد ويحمل تشدده إلى كرسي الحكم!! كل ما يحلم به هذا الشعب الطيب هو أن يتشارك مع إخوته في الوطن شؤون البلاد، ويشعر أنه معزّز بحقوق المواطنة وواجباتها .. بعدما سلب منه هذا النظام الفاشي أبسط حقوقه، مثلاً، في أن يتكلّم لغته المحلية الكردية في الأماكن العامة، ناهيك عن الحرمان من الجنسية للكثيرين
والتي فطنت لها الطغمة الفاسدة فقط بعد أن زلزلت الثورة الأرض من تحت أقدامهم، وها هم الأكراد يثبتون مصداقيتهم بعد أن حاول النظام كالعادة استعمال أسلوب الرشوة الرخيص في « منحهم » الجنسية وكأنهم ليسوا أهل هذه الأرض منذ قديم الزمان
ونأتي إلى أبناء المحافظات كدمشق وحلب وحماة وغيرها، حيث يتجاور فيها مواطنون سوريون ينتمون إلى جميع الأديان والخلفيات. التديّن في هذه المحافظات وغيرها هو جزء من إيقاع الحياة، ولقد اكتسب الناس فيها خبرة شعبية تقوم على التآخي واحترام معتقدات الآخرين على أساس « كل مين على دينو.. الله يعينو »، ومن خبرة وطنية جامعة ومنزّهة عن الخلاف من مثل « الدين لله والوطن للجميع ». وهذا، طبعاً، إضافة إلى وجود نسبة عالية من العلمانيين في عموم أنحاء سورية، وخصوصاً في أوساط المثقفين والعلماء وكبار المهنيين والفنانين والموسيقيين الذين تمتلئ بهم سورية كما ينتشرون في أنحاء المعمورة، ولا سيما في فئة الشباب الذين هم أصحاب هذه الثورة والقائمون عليها

: لقد كتبت الناشطة الحقوقية المناضلة رزان زيتونة في مقال لها « مذكرات الثورة: سراقب »، نقلاً عن أحد المتظاهرين هناك في إدلب
في النهاية لست خائفاً على الثورة، الثورة ستنتصر. ولست خائفاً من الإسلاميين كما يروّج البعض لهذه المخاوف. معظم ثوار سراقب « سكرجية » وعلمانيون ومدنيون، والإسلاميون الموجودون لا يتدخلون في توجهات الآخرين ما دمنا متفقين على مبدأ إسقاط النظام »
وعلى ذكر « السكرجية »، أي ممن يحبون معاقرة الخمر، تخطر على بالي مدينة دير الزور، التي يشكل « الشرداق » جزءاً رئيسياً من ثقافتها، حيث يجلس الرجال هناك على كتف الفرات ويحتسون كؤوس العَرَق، الشراب الكحولي الذي تعتبره نسبة لا بأس بها من السوريين أيضاً جزءاً من تراثهم
أما أهل البادية السورية فهم قوم تشكل عندهم العادات الإجتماعية العربية القديمة والأصيلة حضوراً أقوى بكثير من ممارسة ما يدعوه النظام في دمشق بـ »التشدد الديني »، مع أن التديّن هو أيضاً جزء لا ينفصل عن روتين حياتهم اليومية.
ونترك الفرات لننتقل غرباً، حيث يقطن أهل الساحل وجباله، الذين يتماهون بطبيعتهم مع طبيعة أرضهم الساحرة في حريتهم وحبهم للحياة، وهم حتماً ليسوا ممن يخشى أن يحملوا « متشدّداً » إلى كرسي الحكم في سورية. والسوريون بقاصيهم ودانيهم يعلمون علم اليقين أن سلوك الحكومة الحالي لا ينبع من مصدر ديني أو مذهبي، بقدر ما يقوم على عقلية تجييش وتخويف تتيح للطغمة الحاكمة استغلال البسطاء للبقاء في الحكم
.ولا تختلف الصورة كثيراً في مع محافظات المنطقة الجنوبية التي يضاف فيها إلى التنوع الديني والمذهبي، خلفيات قومية مثل الشركس والتركمان وغيرهم
وماذا عن المسيحيين؟
المسيحيون السوريون، بكل طوائفهم، عرباً كانوا أم غير عرب، كانوا من سورية مذ كانت موضع القلب. منهم الراهب بحيرا الذي شاهد ختم النبوة على جسد رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلّم)، ومنهم ميسون بنت بحدل أم خليفة المسلمين، ومنهم الأخطل شاعر البلاط الأموي، ومنهم العلماء والأطباء والأدباء والأحبار، وفي مدن سورية أعظم الشواهد الناطقة على تراثهم، وعلى أرض سورية سار بولس الرسول الذي اهتدى وآمن « على الطريق إلى دمشق »، وعاش القديسون، وقامت الأديرة والبيَع والصوامع
ولا ننسى أيضاً اليهود السوريين الذين لا يزال كثيرون منهم، ولا سيما أولئك الذين غادروا سورية بالرغم منهم تخوفاً من تبعات جريمة تأسيس أسرائيل وممارساتها، يحنون إلى الوطن ولا يقبلون انتماءً لغير سورية
لن نجد بعد كل هذا أي مكان للفكرة المزعومة أن الحكم سيؤول إلى « المتطرّفين » الإسلاميين، وأن مستقبل سورية « على كف عفريت ». هذا وهم زرعه حكّام سورية الحاليون بهدف الابتزاز والتخويف عله يشتري لهم أياماً دامية أخرى على كراسيهم المهزوزة
القصة كلها في سورية، من أولها إلى آخرها، هي تساوي ابناء الشعب كله أمام القانون، في ظل حكم مدني ديمقراطي لا مكان فيه للإقصاء والخوف والغبن والتطرف. حكم يقوم على مبدأ « الوحدة في التنوّع »، ويوفّر ضمانة حماية المواطنة (بفتح الطاء) بنصوص القوانين وروحها، ومنها قوانين الأحوال الشخصية، التي رغم تشدق النظام الحالي بالعلمانية والانفتاح والحداثة لا يزال هذا الجانب يعاني الأمرين، ولا سيما حقوق المرأة والطفل
إن شعباً يخرج من بيته ليقارع آلة همجية مسعورة من القتل والترويع، بالغناء والزجل، والتماوج البشري في حفلة تناغم تنبض بالبقاء والوجود…. أنزل دموعي غزيرةً في كل مرة أجرؤ فيها على مواجهة اليوتوب لأرى من مهجري البعيد أسطورة ملحمية تسطر … وشعباً بفطرته السليمة، يعلم، أنه إن عاد سوف تبتهج بعض القوى الإقليمية التي لا تزال تساعد هذه العصابة على الاستمرار في كرسي الحكم، وسيعود الشعب من جديد إلى مسلسل الرعب ولكن مضاعفاً…. ولهذا فهو يعلم، إن خروجه أو عدم خروجه من البيت لن يحميه بالضرورة من بطش طغمة فاسدة
لهو شعب قادر على بناء أعظم الدول وإشادة أهم الحضارات
وأخيراً، أقول هنيئاً لسورية والشعب السوري بولادة « المجلس الوطني السوري »، التي وإن تأخرت بعض الشيء وكانت في نظر البعض « عسيرة » لأسباب منها نظافة المعارضة السورية، ياتي ليعبرعن مكونات الوطن وليقود الحراك الوطني بهمة تبعث على الأمل العميق والتفاؤل بمستقبل مشرق للشعب السوري العظيم
مانيا الخطيب