مستنقع اللاأخلاقية في سورية – أيمن الصفدي

Article  •  Publié sur Souria Houria le 6 octobre 2015

 مستنقع اللاأخلاقية في سورية – أيمن الصفدي

لم يعد هناك مكانٌ للمقاربات الأخلاقية في الأزمة السورية. في مستنقعها سقطت أخلاقياً كلّ الدول التي أحالت سورية ساحةً لإدارة صراعاتها. الولايات المتحدة، فرنسا، تركيا، قطر، إيران، روسيا وغيرها ممّن يرون إلى الكارثة السورية من زاوية المصالح الضيّقة أو إشباع الغرائز التوسعية يتساوون في حجم السقوط الأخلاقي.
الجامع بين مواقف كلّ هذه الدول هو عدم اكتراثها بمأساة الشعب السوري، الذي أسهم المجتمع الدولي والإقليم في قتله وتشريده. المواقف من سورية مصالحيّة بالمُطلق. ومن هذا المنظور يُمكن قراءة التدخل الروسي العسكري المباشر على أنّه موقفٌ لا يختلف في لاأخلاقيته وأهدافه عن مواقف الكثيرين من مُنتقديه في المعسكر المقابل.
أميركا حصَرت تدخلها في سورية في ضرب « داعش » لأنّها تعتبره خطراً عليها وعلى استثمارها العسكري في العراق. وعندما تجاوز الأسد « الخطّ الكيماوي الأحمر » الذي رسمه أوباما جاء ردّ فعلها مُقتصراً على تدمير ترسانة الأسد الكيماوية، كونها تُشكّل تهديداً محتملاً لإسرائيل. برنامج تدريبها للمعارضة « المعتدلة » انتهى أضحوكة. وعلى مدى سنوات الدمار الخمس في سورية، بقي أقصى فعلها تصعيداً لغوياً يبدو وكأنّه يتمثّل منهجية « البعث » في المزاودات الكلامية.
أوروبا لم تُفِق إلى الأزمة إلاّ حين وصلتها قوافل اللاجئين. وتركيا جعلت أراضيها ممرّاً لمقاتلي « داعش » إلى سورية. سلّحت وقطر « جبهة النصرة » وغيرها من العصابات « القاعدية » أملاً في أن تكون هذه رأس حربة نفوذهما في سورية ما بعد الأسد. وحين أراد أردوغان إعادة إشعال الحرب مع الأكراد لأهدافٍ انتخابية، أعلن المشاركة في الحرب على « داعش » ذريعةً لقصف حزب العمال الكردستاني.
في المعسكر المقابل، وقفت إيران منذ البدء مع النظام السوري ومدّته بالمال والسلاح حمايةً لسطوتها ولحزب الله، الذي يعتمد وجوده العسكري بشكلٍ كبيرٍ على خطوط الإمداد التي تمرّ عبر مُستعمرة « سورية الأسد » الإيرانية.
وحمت موسكو النظام سياسياً دفاعاً عن وجودها العسكري الأخير في المنطقة. وزادت حجم مساعداتها العسكرية له وفقاً للاحتياجات على الأرض حتى وصلت حدَّ التدخل المباشر إذ تفاقمت خسائر حليفها العسكرية، ونما نفوذ العصابات الإرهابية التي تعتبرها موسكو خطراً محتملاً عليها.
في هذا المشهد البائس، تتّجه الأزمة في سورية نحو التصعيد. لن يُسهم التدخل الروسي العسكري إلا في إطالة الحرب على حساب الشعب السوري. لن تتصدّى واشنطن مباشرةً لموسكو. لكنّها قد تُغرق سورية بالسلاح لمُجابهتها، ما يعني المزيد من القتل والدمار.
إلا بالطبع إذا دفعت المخاوف من مآلات نقل الأزمة إلى مرحلةٍ أشدَّ من المواجهة الروسية-الأميركية إلى البحث عن تسويةٍ تحفظ مصالح جميع الدول المتحاربة في سورية.
الحلّ غير ممكن إلا بتسوية سياسية تحقق ذلك.
لن تُحسَم المعركة عسكرياً. هذه حقيقةٌ يُمكن أن تنطلق منها تسويةٌ سياسيةٌ تعتمد الخطوات التالية: 1 -التوافق على مرحلةٍ انتقاليةٍ تستبعد الأسد لكن تُشارك فيها مؤسسات الدولة. 2 – توفير ضماناتٍ دوليةٍ للمرحلة الانتقالية وما يليها من تأسيسٍ لدولةٍ مدنيةٍ تحترم حقوق جميع مُكوّنات المجتمع السوري. 3 – وقف إمدادات السلاح والمال لكل الفئات المتقاتلة.
4 – شنّ حربٍ حقيقيةٍ لدحر « داعش » وغيره من المنظمات الإرهابية.
5 – بلورة خطةٍ متكاملةٍ لإعادة الإعمار والبناء وتيسير عودة اللاجئين السوريين.
تسويةٌ كهذه يُمكن أن تضمن مصالح الدول المتحاربة في سورية، وأن توجد مناطق التقاء بينها. لن تُحقّق الحلّ العادل الذي يُنصف الشعب السوري ويُعاقب الأسد على جرائمه. لكنّها تبدو أفضل المُتاح في ظروفٍ دوليةٍ لا تأبه بالعدالة. الأولوية الآن يجب أن تكون لوقف نزيف الدم السوري وتبعات تفاقم الأزمة إقليمياً ودولياً.
ما يحدث في سورية الآن يهدّد بأن تصير أزمتها دوّامة عنفٍ مفتوحةٍ لسنواتٍ عديدةٍ قادمة. لن تتحمّل المنطقة العربية طويلاً « صومالاً سورياً » في قلبها. لذلك على دولها المعنية فعلاً ببناء مستقبلٍ عربيٍ خالٍ من الدمار والتخلّف والإرهاب أن تقود تحركاً فورياً يدقّ أبواب موسكو وواشنطن وأوروبا بمبادرة تسويةٍ واقعية.

http://alghad.com/articles/896066