من جنيف إلى نموذج المالكي – منار الرشواني

Article  •  Publié sur Souria Houria le 6 février 2016

عشرات آلاف النازحين السوريين الجدد (الساعين إلى اللجوء) هي الحصيلة الوحيدة لمفاوضات « جنيف3 ». وبذلك فقط يكون المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا قد نجح، بشكل مؤكد، في تحقيق هدفه بجعل جولة « المفاوضات » الجديدة مختلفة عن مصير سابقتها. وهذه الحصيلة، بدورها، هي ما يجعل متوقعاً، بما يقترب من التأكيد أيضاً، أن « جنيف السورية » ككل قد انتهت للأبد، من حيث هي مفاوضات للتوصل إلى تسوية سياسية للصراع في سورية.
حتماً، كان متوقعاً تماماً مع تدخل روسيا العسكري المباشر في سورية، أن تمارس سياسة الأرض المحروقة لإحراز تقدم سريع على الأرض، لأسباب سياسية وحتى اقتصادية. لكن تصعيد هذه السياسة بشكل غير مسبوق مع التحضير لمفاوضات « جنيف3″، يكشف بشكل نهائي عن حدود الحل المطلوب من داعمي الأسد.
فهذا الحل لا يقتصر على إبقاء هذا الأخير وأركان حكمه في السلطة بأي ثمن، بل مؤشره الأهم الآن جحافل النازحين من المناطق التي تقترب منها قوات الأسد برياً، وبما يعبر بشكل قاطع عن النظرة التي يملكها أغلب السوريين، إن لم يكن جميعهم في مناطق الصراع -استناداً إلى حقائق وليس محض مخاوف أو أوهام- تجاه هذه القوات، من خلال ما يتوقعونه من فظائع سترتكبها في حال تمكنها من المدنيين. وليبدو تهجير السوريين أيضاً بمثابة غاية بحد ذاتها.
طبعاً، يصر أتباع إيران على تسمية هذه القوات « الجيش العربي السوري »، وهذا في الواقع إهانة لتاريخ هذا الجيش قبل تدنيسه بالفساد لعقود، ثم تدميره بالحرب ضد الشعب السوري، وبما يُعدّ بالتالي أسوأ من الإقرار بالحقيقة المعروفة للجميع، وتعترف بها إيران كل يوم من خلال قتلاها في سورية، بأن هذه القوات ليس سوى تجمع مليشيات لبنانية وعراقية وأفغانية طائفية تابعة لطهران، الأمر الذي يفسر استباحتها للمناطق السورية بشكل دموي، وبما يتطابق تماماً مع ما تقوم به هذه المليشيات ذاتها، أو شبيهاتها، في العراق، حيث تمارس التطهير الطائفي بتوجيه إيراني منذ العام 2003 وحتى الآن.
والحقيقة أن كل شيء في سورية يشير إلى إصرار إيران على المضي بسورية نحو نموذج الاستقرار الذي « نعم » به العراق في عهد نوري المالكي؛ عمليات قتل وإخفاء وتهجير جماعية على أساس طائفي باسم « محاربة الإرهاب »، وفساد غير مسبوق، ومليشيات تتحكم بكل « الدولة » العراقية. يضاف إلى ذلك، في مفارقة مضحكة مبكية، أن رجل أميركا، عدا عن كل ما سبق، كان أيضاً « مقاومة وممانعة »، تماماً كما بشار الأسد اليوم؛ إذ يحميه الروس بالتنسيق مع إسرائيل!
طبعاً، يعرف الجميع الآن نتائج ذلك العهد الأميركي-الإيراني المستمرة حتى الآن؛ دولة عراقية متفسخة يحتاج بعض مواطنيها تصاريح للتنقل فيها، فيما يجتاح الإيرانيون الحدود بلا جوازات سفر! وهي اليوم دولة تنتظر إعلان إفلاسها، برغم كل ثرائها، ولا يتساوى مواطنوها من كل الطوائف إلا بدفع ثمن الفساد فيها. كما أنها تظل الدولة المنشأ لتنظيم « داعش ».