من سميح شقير الى عبد الباسط ساروت ووصفي المعصراني: الأغنية الثورية المعاصرة في سورية

Article  •  Publié sur Souria Houria le 7 février 2012

 يارا بدر

 بإمكانك الانتماء إلى أي خلفية اجتماعية كانت أو ثقافية، دون أن يمنعك انتماؤك هذا من معرفة الأغاني الثورية الأكثر شهرة في وسطنا السوري الشبابي والمرتبطة بثقافتنا العربية، والتي تربى جيل بأكمله تقريباً على سماعها من أغاني ‘جواز السفر، بين ريتا وعيوني، سجّل أنا عربي’، وسواها من أغاني الفنان اللبناني ‘مارسيل خليفة’، أو أغاني الفنانة ‘جوليا بطرس’ من ‘وين الملايين’ إلى ‘غابت شمس الحق’، وحتى ‘أحبائي’، والبعض رددوا أغاني الفنان السوري سميح شقير، ومنهم من ردد أغاني الشيخ المصري الشيخ إمام، وقلّة كانت من أصغت إلى صوت العراق وفرقة ‘الطريق’ مثلاً.

تعود هذه المعرفة بالأغاني الثورية العربية على العكس من الأغاني الثورية السورية إلى التغييب القصدي الذي فرضته السلطات السورية على المواطن بهدف فصله عن الشأن السياسي المحلي، حتى قضيته الأولى التي يجب أن تكون ‘الجولان المحتل’ غُيّبت لصالح الالتزام بالقضية الفلسطينية، وما أتبع هذا الفعل من ممارسات ألغت التمظهر الثقافي للحالة السياسية، وغرق السوريون أكثر فأكثر في تنويعات الثقافية للقضية الفلسطينية والجنوب اللبناني المُحتل سابقاً. وبقي لهم في المقابل ترديد ‘أنا سوري آه يا نيالي’، و’سورية يا حبيبتي’
من هذه القطيعة الفكرية والثقافية ما بين المثقف وما يُفترض به من فاعلية مجتمعيّة وبين واقعه السوري المُقيّد بما لا (يوهن نفسيّة الأمّة)، وجد هذا المثقف نفسه أمام شكل من أشكال الاغتراب عن الواقع السوري الجديد الذي أطلقته الثورة السورية منذ 15/03/2011. وكان أوّل من أدرك الواقع الجديد الفنان ‘سميح شقير’ في أغنيته المعنونة ‘يا حيف’، وهو الذي غنى للجولان المُحتل منذ سبعينات القرن الماضي
من جهتها لم تنتظر الثورة السورية المثقفين السوريين الكلاسيكيين للتصالح مع ذاتهم وواقعهم الجديد ومد جسور التواصل بينهم وبين الشارع السوري المُنتفِض، بل أفرزت عبر جماعات مُغنيها في الساحات أصواتاً جديدة ترسم ملامح ثقافية موسيقية خاصة بهذه الثورة. حيث لم يلجأ الفنانون السوريون الُجدد إلى استقدام أنواع موسيقية غريبة عن بيئتهم ومحاولة مواءمتها مع البيئة الثورية كفنون ‘الراب’ و’الجاز’ و’الهيب هوب’، والتي نتج كل منها من شرط سياسي/ اجتماعي خاص به. بل أنتجوا من واقعهم السياسي الجديد موسيقاهم الخاصة، والتي هي تعبير ثقافي فعلي عن جوهر الحراك الاجتماعي. إذ وكما حمل المشاركون في المظاهرات علم الاستقلال السوري القديم، وكما أكدوا على أنّ ثورتهم ثورة (كرامة) وأنّ (الشعب السوري ما بينذل) عاد الفنانون السوريون إلى تراثهم الشعبي من ماضيه القديم حيث الأغاني التراثية من طراز ‘سكابا يا دموع العين’ و’زينو الساحة’ وصولاً إلى الأغاني الثورية الأكثر قرباً من التاريخ العربي الحديث مثل ‘شدوا الهمّة’، وفي هذا السياق يبرز اسم وصفي المعصراني كأبرز من اشتغل على مواكبة الحراك القائم في الشارع السوري وربطه بأغان ثورية مُعاد إنتاجها. حيث نسمع في أغنيته الشهيرة ‘سكابا يا دموع العين’ العديد من مفردات هذه الثورة التي بدأت بكتابات أطفال درعا وانتشرت إلى مناطق اللاذقية وحمص وحماة ودمشق وريفها وإدلب والقامشلي، القامشلي التي قتل فيها الناشط الكردي السوري ‘مشعل التمو’
(سكابا يا دموع العين سكابا، على شهدا سورية وشبابا.. سكابا يا دموع العين سكابا.. على مشعل التمو الشهيد سكابا.. ودرعا وحوران وأطفالها وشبابا.. هزوا النظام بحروف وكتابا… صرخة إدلب جبلها وقراها… مطلبنا الموت ما نرضى المذّلة.. وشامنا حرّة بريفها وبميدانها.. القابون والغوطة هم أهل الكرامة…)
علماً أنّ الأغنية التراثية تقول: (سكابا يا دموع العين سكابا.. تعي وحدِك ولا تجيبي حدابا.. وإن جيتي وجبتي حدا معاكِ لهد الدار وجعلها خرابا..)
أمّا من حيث اللحن الموسيقي فقد حافظ المعصراني على الخط الموسيقي الرئيسي، وإن عدّل في بعض المقاطع الموسيقية لإضفاء المزيد من الوقع الحماس لأغنية ثورية، موظفاً كذلك الهتاف الجماعي للجوقة كصوت مواز لصوته الفردي
وهو الأمر الذي نقف عليه مع أغنيته ‘زينو الساحة’، وتحديداً النسج ما بين الإيقاع الحماسي، الصوت الجماعي وصوت المعصراني، كذلك من حيث الكلمات نجد تعديلاً جوهرياً فبعد أن كانت الأغنية التراثية دمشقية تقول كلماتها: (زينو المرجة، والمرجة لينا.. شامنا فرجة وهي مزيّنة.. لأصرخ ونادي.. عالجبل والوادي.. لعزك يا بلادي)، المرتبطة بشهداء ستة ايار الذين علّق ‘جمال باشا السفّاح’ مشانقهم في ساحة المرجة – دمشق. واشتهرت منها عدّت توليفات تقول كلمات إحدى أشهرها: (زينو الساحة، والساحة لينا.. وليلة الساحة، فينا مزينة.. زينو الدارة للبطل داخل، من ألف غارة للحمى واصل)
أمّا المعصراني فحوّلها إلى: (زينو الساحة والساحة لينا… حريتنا جاية ونحنا لجلها جينا… وصهليلي يا مُهرة.. هالمجد جالك.. والثورة منتصرة، وعهدك علينا)
من جهة ثانية اشتغل المعصراني كذلك على تأليف وإنشاد مجموعة من الأغاني الخاصة بالثورة، وبعض الأغاني ألّفها متظاهرون مشاركون في صنع هذه الثورة، نذكر من هذه الأغاني أغنية ‘ماتت قلوب الجيش’، التي غنّاها مُنشد حمص وحارس فريقها الكروي ‘عبد الباسط الساروت’، ثم غنّاها المعصراني وتقول كلماتها
(ماتت قلوب الجيش، ماتت بها النخوة… ليش يقتلنا ليش، جيش وشعب أخوة.. اصحَ يا حر الجيش… عز وكرامة عيش.. رد الظالم عن ظلمه.. تقتل أخاك ليش؟ سوري الوطن واحد.. واحد شعب وجيش.. بإيدك تقتل وتدمّر… بإيدك تبني وتعمر.. خلّي الحرية تزهر.. والحُرَّ ما ينضان)
وصفي المعصراني شاب من شباب سورية، غيّرت أحلام الثورة، دماء شهدائها، وصرخات المعتقلين لأجلها من حياته، فبعد أن كان الغناء هواية لصاحب شركة برمجة وتصميم غدا الفن طريقاً للالتزام بهذه الثورة، للمشاركة بها والتعبير عنها. وفي مكانٍ آخر، كتب ‘غياث مطر’ أنّ على هذه الثورة أن تغيّرنا، عليها أن تكون سلميّة.. وعليه قتل ‘غياث مطر’ تحت التعذيب في معتقل فرع الأمن. لأجله غنى المعصراني ‘أغنية غياث مطر’، ولأم الشهيد غنّى ‘يامو’، ولسورية غنّى ‘سورية لأجلك نصلّي’ و’يا الله كلنا سوا’ .. سورية التي أنتجت ثورتها، مثقفيها، ويوماً بعد يوم منذ إحدى عشر شهر وقريباً ستحتفل بميلادها الأول تبني هويتها الوطنية الجديدة

القدس العربي – 2012-02-06

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=data\201222-066qpt893.htm