نصرالله وصناعة الأقلية – ياسر أبو هلالة

Article  •  Publié sur Souria Houria le 12 mai 2013

 للأقلية والأكثرية في الدولة الحديثة معنى سياسي متحرك، فحزب الأكثرية هو الذي يحظى بالحكم، وتعارضه أقلية لا تفتأ أن تصبح أكثرية مستفيدة من إنجازاتها برامجيا ومن اخفاقاته. في المجتمعات التي لم تنضج على هيئة دول؛ كحال عالمنا العربي، تعني تقسيما للمجتمع وفق موروث لا فكاك منه سواء كان طائفيا أم عرقيا أم أقواميا (إثنيا). وعلاقات المجتمع تظل محكومة بالمحاصصة والتفتيت.
في تجارب تأسيس الدول بعد انهيار الحكم العثماني، يمكن دراسة سورية تجربة نجاح ولبنان قصة فشل لا تنتهي. قبل جريمة سلب البعث ومن ثم آل الأسد للدولة والمجتمع، قرر السوريون أنهم دولة بدستور جامع على أساس المواطنة، تجاوزوا طروحات تقسيم التركة العثمانية إلى دول سنية وعلوية ومسيحية ودرزية. وعرفوا أنفسهم بأنهم سوريون. من رجالات العرب كان فارس الخوري، طائفيا ينتمي إلى أقل الأقلية مسيحي بروتستاني، لكنه يفوز بأصوات الإخوان المسلمين ولا يمنعه موروثه الطائفي من أن يكون رئيس وزراء ورئيس مجلس نواب.
في لبنان، استُثني البلد من سورية الطبيعية باعتباره مسيحيا، وركّب البلد على هذا الأساس، ومع الوقت وبظروف الحرب الأهلية لم يعد المسيحيون هم الأكثرية، وباتفاق الطائف تم ترتيب وضعه السياسي بموجب تكاثر « أقليات » سنية وشيعية سواء لاعتبار النمو الديموغرافي أو تبدل موازين القوى بانكفاء القوى الداعمة للمسيحيين أو صعود القوى الداعمة للمسلمين السنة بحكم المال السعودي والشيعة بحكم الجيش السوري والنفوذ الإيراني.
حزب الله كان استثناء، لم يعتبر نفسه جزءا من لعبة السياسة المحلية. لم ينظر لنفسه ولم ينظر له العرب باعتباره أقلية. ظل يعبر عن مشروع الأمة في مقاومة المشروع الصهيوني. وتجلى ذلك في حرب تموز.
في الثورة السورية، قلب حسن نصرالله المفاهيم، وأعلنها طائفية بفجاجة. ومسح تاريخا من المقاومة لصالح واقع مخز من جرائم الإبادة والتطهير ضد الشعب السوري سواء كان جيشا حرا أم أطفالا عزلا. وفي خطابه الأخير تجاوز كل حدود اللباقة والمنطق والسياسة، وتمكن من تدمير الأكثرية التي حققها.
إن التاريخ لم يبدأ بتأسيس حزب الله ولا ينتهي بنهايته، والذين علّموا حزب الله المقاومة هم الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية، والصور ما تزال شاهدة على القرى التي استقبلت الجيش الإسرائيلي بالأرز. ولا يسيء للشيعة أن ثلثي جيش لبنان الجنوبي كان منهم. عماد مغنية تدرب في معسكرات فتح. وتسليح أمل قبل تأسيس حزب الله كان من حركة فتح.
المسألة مكتسبات سياسية يختارها الأفراد والجماعات بإرادتهم. إن الثورة السورية تنتصر عندما تستعيد سورية من عصابة آل الأسد، وتبني دولة المواطنة لا دولة الطوائف. وهذه الدولة هي من يقاوم وهي من تستعيد الجولان. بعيدا عن التهريج حول المقاومة الشعبية ثمة حقيقة تاريخية تقول إن علويي الجولان المحتل نزحوا لحمص. وبدلا من الزج بهم في مجازر تطهير عرقي مروع في حمص لتربط خط الدويلة العلوية مع لبنان لماذا لا يزج بهم في معركة تحرير عادلة؟ السيد مشغول بحماية مقام السيدة زينب، مع أنه ظل وقفا سنيا محفوظا لدى أهل دمشق التي ضمت كل أشكال التنوع الطائفي والعرقي.