نهاية حكم العائلة وتماثيلها في سورية – مانيا الخطيب

Article  •  Publié sur Souria Houria le 15 octobre 2011
الشاب السوري الريفي الفقير الذي انخرط في كل من الحياة العسكرية من جهة، وفي حزب البعث العربي الإشتراكي من جهة أخرى، وجد نفسه في غفلة من الزمن في 1970 ، وبلحظة غدر، يجلس على عرش سورية بأكملها.  سورية بكل ما فيها من خير، وزخم حضاري وإنساني.
في لحظة الغدر تلك كانت البلاد قد خرجت لتوها من هزيمة حطمت معنوياتها بالكامل، وجرحت كبرياءها جرحاً لا يزال حتى اللحظة نازفاً ومؤلماً.
 زوجته، التي ذكرها كتاب باتريك سيل أنها كانت من عائلة أرفع شأناً بقليل من عائلة حافظ الأسد،وتقول الرواية أنها تزوجته بالرغم من عائلتها، وجدت نفسها « سيدة أولى » لبلد كانت بالأمس القريب لا تجرؤ فيه على مواجهة « ستات الشام » وذوقهم الدقيق في الملبس والمأكل والحياة. بل أن أرقى سيدات بيروت، بكل أبهتهنّ كُن يحسبن ألف حساب لهن ولذوقهن الرفيع.
 يومذاك، كان أكبر الأولاد سناً ربما لا يتجاوز السنين العشر … عندما دارت عجلة الزمن دورتها.
لقد استطاع فيها الأسد (الأب)، أن يأتي بباقي أفراد عائلته الذين كانوا تقريباً في أسفل السلم الإجتماعي في سورية إلى مكان القرارين المالي والأمني. وأن تأتي زوجته بأفراد عائلتها، هي أيضاً، ليستلموا مثلهم مثل غيرهم من أفراد عائلة زوجها منافذ البلد البرية والبحرية والجوية .. دون حسيب أو رقيب أو شرطة .. أو قاض يمكن أن يحاكم هذه العصابة الخارجة عن أي قانون.
السيدة مخلوف لديها أخ وحيد. وقد رأى السوريون ماذا فعل ابنه الرديء باقتصاد سورية، وكيف كان يفرض خوّة على التجار .. كي لا يخرب بيتهم بعصابات الأمن التي تعمل تحت تصرفه التام، وبإشراف مباشر وكلي من « العائلة الحاكمة »…
ملأ حافظ الأسد سورية بتماثيله. كان يظن نفسه رباً معبوداً. وجعله هذا الداء مقتنعاً بضرورة تحضير كل شيء لتسهيل تأمين خلف من صلبه ليجلس مكانه على العرش ويستمرّ بالحكم. حتى قيل أن حافظ الأسد حكم من قبره وولده جالس في كرسيه مثل الأطرش في الزفّة… كلف سورية ذلك تغييراً لدستور البلاد بأكملها مرة في بداية السبعينيات وأخرى في الألفين…
عام 2000 قادتني رغبة شريرة لأن أذهب في إحد الباصات الذي كان يقل الناس مجاناً إلى القرداحة للتعزية بالأسد الأب. كنت مدفوعة بشوق مريض لأن أقف على قبر الطاغية لأطمئن أنه حقاً مات ودفن.
هناك كان يقف أمامي مجموعة من طلاب الإبتدائي، لعلهم في الصف الخامس ربما. وأتذكر جيداً، ذلك اليوم، أن المعلم الذي أحضرهم ألقى عليهم تعليمات ما ثم رفعوا أيديهم لتأدية قسم بالوفاء وما إلى ذلك. وبعدها أمرهم « إسترح » بلهجة عسكرية، فخرّوا جميعاً على الأرض ساجدين وقبّلوا الأرض ثم وضعوا رؤوسهم عليها. .. تماماً كما يجبر « بلطجية  » الأمن والجيش و »شبيحة » النظام، هذه الأيام على مرأى ومسمع من العالم، المواطن السوري الشريف على السجود وتقبيل صور الخلف المعتوه بشار الأسد.
 تأخرت ثورة الشعب السوري على هذه الغطرسة المجنونة ليس بسبب قلة الشجاعة، فشجاعة الشعب السوري أسطورية ها هي تتأكد اليوم في كل مكان بالصدور العارية التي تواجه الرصاص، وليس لنقص في الذكاء فهو شعب سليل إبداع من آلاف السنين .. وجاء منه ذلك العبقري الذي ودعه العالم مؤخراً « سمير عبدالفتاح الجندلي » أو ستيف جوبز، مبدع آبل.
لقد تأخر في ثورتهلأنه شعب وطني إلى أبعد الحدود، فهو من جهة كان يدرك أن الطغمة الإجرامية المتحكمة لن تتورّع في سبيل الاحتفاظ بالسلطة عن تمزيق أجمل ما يميز سورية، أي النسيج السكاني الثقافي المتنوع، عبر إثارة الفتن والنعرات الدينية والمذهبية والعرقية بين الناس. كان هذا الشعب يدرك هذه الحقيقة ويحتاط لها.
أما السبب الآخر فهو أن حافظ الأسد، ونظامه المستمر حتى هذه اللحظة باسم ابنه، لطالما استعمل شماعة « إسرائيل » للحفاظ على حكمه، مع أنه في حقيقة الأمر يخدمها، وكان يخدمها منذ بدايته.
فطرية الشعب السوري جعلته يستوعب أن حاكماً مهووساً، مثل الأسد، لا بد وأن يبيد شعباً كاملاً بهذه الذريعة ليبقى في الحكم.
وهكذا .. إلى أن اندلعت الانتفاضة فعلاً. ….هنا وقعت مطرقة ثقيلة على رؤوس العائلة. كيف لهم أن يتصوّروا .. بعدما سرحوا ومرحوا، وعبثوا وشالوا وحطّوا على كيف كيفهم بالبلد أن يأتي مخلوق في هذا الكون ليزيحهم من مكانهم، الذي صور لهم الوهم أنه أبدي؟
كيف يمكن لهؤلاء بعدما كانت الفرائص ترتعد خوفاً منهم أن يمزق الناس صور الأب والأبن ويدوسوا عليها ، ثم لا يكتفون بذلك، بل يحطمون التماثيل الصنمية البغيضة التي كانت تربض كالكابوس على صدر سورية التي يجب أن تزخر بعد اليوم بتماثيل مبدعيها وليس طغاتها…. اليوم السلطة نفسها بدأت تزيل التماثيل من الساحات لئلا يدوسها الناس ويتبولوا عليها.
كيف يمكن لهؤلاء أن يتخيّلوا هذه « الأعجوبة »؟ كيف يمكن أن يمرّ بأذهانهم أن ثروات اقتصاد سورية ومداخيل بيع نفطها ستذهب إلى خزينة الدولة لبناء مؤسساتها وتطوير خدمات تفيد مواطنيها .. بعدما ظلت لعقود تنتهي في جيوبهم؟
بعض المجازر الفظيعة التي حصلت في حمص كانت بسبب سخرية أهل حمص الظريفة من الأسد، ومنها  على سبيل المثال شعارات وهتافات من نوع « يا بشار اسماع القصة .. أنت حمار وبدك فصة »، أو كتابتهم على الحمار بالدهان « أنا بشار الأسد » وعلى حمار آخر « هذا أخي ماهر ». سخرية من هذا النوع أطارت صوابهم وأفقدتهم عقولهم.
وماذا عن حصار درعا؟ كله كان بسبب أن علقة النظام مع أهل حوران الأبطال لا توازيها علقة. لقد كسر أهل حوران تماثيل « الأب »! هل هناك مبرّر أعظم من هذا المبرّر لولد دموي مثل ماهر لأن يرسل جيشاً جرّاراً يفرغ حممه وسموم حقده على المدينة وأهلها وأطفالها.
أم ماذا عن الصرخة التي وقعت على رأس العائلة صاروخاً قاتلاً…. خرجت من أعماق الشعب مدوية « يلعن روحك يا حافظ »
هذه فقط بالنسبة للسيدة مخلوف وأولادها،  نيران محمومة تزلزل الأرض من تحت أقدامهم …. أعمت الغطرسة عيونهم عن حتمية قدوم هذه اللحظة.
وما الذي أدى إلى جريمة قتل إبراهيم القاشوش المروّعة، بانتزاع حنجرته التي صدحت بعدها في أرجاء المعمورة لتذكّرنا بأغنية « فنان الثورة » سميح شقير « لو رحل صوتي ما بترحل حناجركم .. عيوني على بكرة وقلبي معكم ». لقد بكتك يا قاشوش دموع سورية غزيرة. …في نهاية حزيران أضحكتنا من كل قلوبنا، ولكن الضحكة تمزقت بعد يومين على وجوهنا بعدما شاهدناك مذبوحاً من الوريد إلى الوريد فقط بسبب أغنيتك « القاتلة » .. فقط لأنك سخرت من شخص مهزوز ومن عائلته.
وهل ننسى أن جريمة الاعتداء على الفنان علي فرزات كانت بسبب التطرق المباشر لزوال حكم الأسد المحكوم بوهم الأبدية؟ فقد رسمه فرزات وهو يحاول إيقاف القذافي الذي يسوق سيارته بسرعة جنونية ليذهب معه وخلفه واقف وزير خارجيته العجيب وليد المعلم.
الشاعر ضياء العبد الله كتب في يوم 28 حزيران 2011 على صفحته على موقع « الفيس بوك » الإلكتروني « بكل سوريا ظل فيه تمثال واحد واقف بساحة السير بسويدا.. والقصة واضحة يا شباب .. ما في تمثال أغلى من الثاني ولا هذا على راسو ريشة دوناَ عن بقية ربعو.. بتشيلوه انتو ولا بنشيلو نحنا؟.. بحياتي ما طلبت من حدا شي ..كنت عم فكر بس بصوت عالي ». ثاني يوم بالضبط حتى الذباب الأزرق ما عاد يعرف أين اختفى ضياء.
 جريمة ضياء العبدالله أنه تطرّق مباشرة إلى »تمثال »، وهل هناك بنظر العائلة، التي تصوّرت أن صمت الناس يعني أنهم سيحكمون للأبد، أكبر من هذه جريمة!!
ما الذي يجعل إعلامي مهم مثل فيصل القاسم يكتب مقالات عميقة ويحلّل ويصف ..  دون أن يكتب اسماً مباشراً واحداً؟ السبب أن فيصل القاسم ذكي جداً، ويعلم علم اليقين أن كتابته اسماً واحداً فقط لن يرحم عائلته الموجودة في سورية. ..كل مركزه العالمي المرموق لن يشفع له.
إلى عائلة الأسد وأقاربهم، أريد أن اقول لكم أن عهدكم انتهى. حكمكم أصبح بائداً.
أنكم تلعبون في الوقت الضائع .. تقتلون مجاناً، ولكن لن يفيدكم كل هذا شيئاً بعد اليوم.
لقد انتهيتم.
علقتكم مع الحوارنة، مع الديرية، مع الحموية، مع الحمصية، مع .. ومع .. ومع ..
لن يفيدكم شيء .. لا روسيا ولا الصين ولا إيران ولا حزب الله
لن يفيدكم شيء.
إنه حكم التاريخ .. وانتقام الانسانية لنفسها كما قال علي فرزات ذات مرة.